صحيفة المثقف

العنف في الشخصية العراقية.. وراثة أم سلطة؟

قاسم حسين صالحينفرد العراقيون بمواصفات بينها ما لا يستوعبه عقل ولا يهضمه منطق.فهم منتجون للطغاة.. يرفعونهم الى السماء حين يكونون في السلطة ويمسحون بهم الأرض حين يسقطون.وهم منتجون لمن يفلقون رؤوسهم بالحراب من أجل التاريخ والموت فداء لمن ماتوا، وهم عاشوا ويعيشون في بلد تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده.. والبلد الذي سفكت على أرضه أغزر دماء المحاربين من العراقيين والعرب والأجانب، من المغول والأتراك والفرس والانجليز.. الى الامريكان.ولك أن تقرأ تاريخ الخلافتين الأموية والعباسية ثم العثمانية والدماء التي أريقت على أرض العراق في عنف شرس تحز فيه الرؤوس وتدوس حوافر الخيل جثث القتلى.

وحديثا

- قتل العراقيون الملك فيصل الثاني صبيحة 14 تموز 1958، وقطعوا أيادي الوصي وآخرين وطافوا بها  في شوارع بغداد.

- وقتلوا في عام 1959، وسحلوا بالحبال، وعلّقوا على المشانق في الموصل وكركوك.. عراقيين مثلهم!

- وقتلوا عبد الكريم قاسم في رمضان 1963، وشووا في الشهر نفسه بالنار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي وعددا من أعضاء الحزب وهم أحياء، ومثلوا بأجساد آخرين محسوبون على نظام قاسم.

-  وعقب هزيمة الجيش العراقي في الكويت عام 1991، وصل العنف بالعراقيين أن وضعوا إطارات السيارات في رقاب عناصر من البعثيين وأحرقوهم أحياء.

- وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في 1988 أبيد اكثر من مائة وثمانين ألف كردي في عمليات الأنفال، وأحرقت آلاف القرى الكردية، وارتكبوا مجزرة في حلبجة ابيد فيها اطفال ونساء.

- وفي دهاليزتحت الارض، وضعوا احياءا في الأحماض التي تذيب اللحم والعظم، والكي والحرق.

- وفي 2003 اكتشف العشرات من المقابر الجماعية تضم رفات آلاف العراقيين، بينهم نساء وأطفال دفنوا وهم أحياء.

- وبين 2006- 2008 قتل الآلاف لسبب في منتهى السخافة لأن اسمه (عمر او حيدر او رزكار).

- وفي انتفاضة تشرين/اكتوبر 2019 قتل اكثر من سبعمئة شاب سجلت كلها ضد مجهول! يضافون لقائمة قتلوا بكاتم الصوت.

فأي شعب في المنطقة بهذا الحال، وأية شخصية بشرية بهذا العنف؟

تساؤل في الطبيعة البشرية

يرى عدد من كبار السيكولوجيين والمفكرين (فرويد، لورنز الحاصل على جائزة نوبل، نيتشه، المتنبي القائل: والظلم من شيم النفوس فأن تجد ذا عفــة فـلعـلــّة لا يظلـــم.. ان الناس يميلون بالفطرة الى العنف والتدمير المتبادل ويعزون الأمر لأسباب بيولوجية خالصة.يؤيد رأيهم ما جاءت به النظرية التطورية  Evolutionary  التي ترى ان المورّثات " الجينات" السلوكية تخضع لقانون الانتخاب الطبيعي فتعمل – عبر التاريخ التطوري للانسان -على تقوية مورّثات "جينات" سلوكية معينة واضعاف مورّثات اخرى (مقارب لقانون دارون :البقاء للأصلح)، ما يعني أن الأحداث التي عاشها الانسان عبرتاريخه التطوري تدخلت في عمل المورّثات "الجينات "  بثلاث صيغ: تقوية مورّثات معينة،  واضعاف أخرى،  ودثر أخرى.. وتخلص، وفقا لذلك،  الى ان العراقيين تشبعت جيناتهم بالعنف (وما تصير لهم جاره). 

وبعيدا عن هذه القضية الجدلية ، فان المتفق عليه ان الانسان مجبول على الخير والشر، و نرى ان السلطة في العراق هي المسؤول في اذكاء دافع العنف في الانسان،  لأن الحاكم فيها يعد نفسه امتدادا للخليفة.. يجب ان يبقى على كرسي الحكم الى يوم يخصه عزرائيل بالزيارة.ولكي يضمن ذلك فان عليه ان يشكل قوى أمنية تتوافر في افرادها صفتان:العنف المفرط والطاعة المطلقة.وكان للأنجليز فضل ابتكار جهاز تحقيقات استخدم في عشرينيات القرن الماضي (طبع الأصابع).. ليترسخ في عقل الأجهزة الأمنية عبر مئة سنة من عمر الدولة العراقية(1920-2020) فكرة ان الشعب متهم دائما وان السلطة هي (أمنا وابونا).. وحال كهذا يفرز بالمقابل شخصية تشعر بالحيف والظلم والحرمان فتلجأ الى العنف المضاد والبطش بمن كانت بيده السلطة.

هل يتغير الحال.. وهناك ما يشير الى ادراك الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي ما تمارسه اجهزة السلطة للعنف المفرط؟ الجواب.. لن يحصل في المدى المنظور ما لم يتم اعتماد استراتجية سيكولوجية تنفذ على مراحل تبدأ باقامة دورات تدريبية للأجهزة الأمنية في خفض العنف وحقوق الانسان وتشريع قانون يدين كل من يشيع الكراهية بدءا من خطابات رجال الدين والفضائيات وانتهاءا بوسائل التواصل الآجتماعي.. وبدونها ستظل الشخصية العراقية تمارس العنف طالما وجدت نفسها انها في سلطة ترى ان كرسي الحكم.. اثمن من كل مقدّس!

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم