صحيفة المثقف

معوقات جهود استرداد الأموال العراقية المنهوبة

في عالم اليوم اصبح موضوع الفساد المالي من اخطر الأمور التي تواجه الاقتصاد العالمي مما دق جرس الإنذار عالميا لضرورة مواجهة هذا الخطر الذي يهدد اقوى الاقتصاديات حيث يعمد الفاسدون الى الاستفادة من التطور التكنولوجي للأنظمة  المصرفية والاختلافات في القوانين الوطنية لإخفاء ثمار الفساد وعائداته باعتماد طريقة تهريبها إلى الخارج وإيداعها بحسابات بنكية محصنة أو تداولها في سوق الأعمال ضمن أنشطة غسيل الأموال من خلال انشاء او الانتماء إلى مؤسسات استثمارية لا تظهرهم بشكل واضح في الصورة.عن طريق شبكة بالغة التعقيد من العلاقات والحسابات والأرصدة، التي تبدو عمليات تتبعها مهمة مستعصية.

من الامور المحيره ان العراق بالرغم من الحجم الهائل للاموال المهربة سواء قبل 2003 او بعدها ورغم كل الحديث عبر وسائل الاعلام عن ضرورة ملاحقة تهريب الأموال، الاانه لاتتوفر في العراق إحصاءات أو تقديرات دقيقة لحجم الأموال المهربة . كانت الإدارة الأميركية قد شكلت فريقا من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة ووزارة العدل للقيام بهذه المهمة، غير أن هذا الفريق لم يحقق النجاح المرجو من هذه المهمة ما أدى الى ضياع الكثير من المستندات الخاصة بهذه الثروة، وقد تنقل الفريق منذ ذلك التاريخ بين 50 دولة كان للعراق أو لصدام بصفة خاصة تعاملات مالية معها. كما أن قسما من الأموال المهربة يعود إلى عمليات اختلاس قام بها مسؤولون حكوميون تورطوا بها وقاموا بتهريبها إلى الخارج، ومن ثم اختفوا مع تلك الأموال . وبالرغم من تصويت مجلس النواب العراقي بالإجماع على تعديل قانون ضبط الأموال المهربة، ومنع التعامل معها في الأسواق المحلية، إلا أن مبالغ كبيرة من الأموال العراقية المهربة قبل العام 2003 وبعده مازالت مودعة لدى مصارف عالمية.

مسألة استعادة الأموال ليست مستحيلة ولكنها ليست سهلة وتتطلب استراتيجية وتكاتفاً من جميع الخبراء القانونيين، واستغلال الاتفاقيات الدولية والمبادرات الدولية ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، كما أطلق البنك الدولى والأمم المتحدة عام 2008 مبادرة أخرى تسهل على حكومات الدول النامية استعادة الأموال المنهوبة التى نقلها رؤساء فاسدون إلى دول غنية أطلق عليها اسم مبادرة ستارStar  لاسترداد الأصول المسروقة وتسقط هذه المبادرة أية حصانات سياسية أو دبلوماسية على مهرب الأموال، حتى لو كان مازال رئيسا للدولة، بشرط أن تتقدم حكومته بطلب للتحفظ على هذه الأموال الموجودة فى أى من بلدان العالم الأعضاء فى اتفاقية البنك الدولى حتى يتم التحقيق فى حجم هذه الثروات وكيفية الحصول عليها من الاتفاقية .

ان من المسائل الصعبة التي تواجه جهود ملاحقة الاموال المهربة تتمثل في الحصول على البينة القانونية الكافية التي تثبت ارتكاب هذا الشخص أو ذاك لجريمة تهريب الأموال. حيث أن دول العالم ومن اجل المحافظه على ثقة المودعين في نظامها المصرفي تطلب بعض الإجراءات من البلدان التي تسعى لاسترداد أموالها المنهوبة، مثل توفير الأدلة الكافية على أن الأموال المودعة في مصارفها أو التي هي بحوزتها هي أموال منهوبة فعلا أي غير شرعية. لذلك اطلقت مجموعة الدول الثمان في اجتماع قادتها في دوفيل بفرنسا عام 2011 جهدا دولي تحت اسم شراكة دوفيل مع الدول العربية التي تمر بمرحلة تحول من أجل مساندة تلك الدول نحو إقامة مجتمعات حرة وديمقراطية ومتسامحة. في قمة كامب ديفيد، أقر زعماء مجموعة دول الثمان بالتقدم المهم الذي تحقق في عدد من الدول التي تمر بمرحلة تحول، وتعهدوا بمواصلة دعمهم لعمليات التحول تلك في أربعة مجالات أساسية ذات أولوية، هي: تحقيق الاستقرار، وخلق الوظائف وفرص العمل، والمشاركة/الحكم الرشيد، والاندماج في الاقتصاد العالمي.

عمليات الاسترداد تمر بثلاث مراحل هى، البحث عن الأموال، تجميدها، ثم مصادرتها، والكشف عن آلية ردها لدولة المنشأ، علما بأن كل مرحلة تختص بتنفيذها جهات معينة.

فمثلا مرحلة الكشف عنها، تقوم بها الجهات الرقابية فى دولة منشأ تلك الاموال بالتنسيق مع نظيرتها فى الدول الاجنبية. وهنا تبرز الحاجة الى خلق تنسيق داخلى واضح بين الجهات الرقابية والادعاء العام فى بداية الإجراءات .

كما أن إجراءات استرداد الأموال تتوقف على عدد من العوامل من بينها، أن تلك الاجراءات تتم وفقا لقوانين الدول الاجنبية، لذا نحتاج دائما الى التعاون بين الجهات الرقابية ونظيرتها بالخارج لمحاولة ترجمة المعلومات والوقائع التى يتم التوصل اليها بشأن أية أموال. كما ان تنفيذ عمليات رد الاموال تستلزم صدور احكام قضائية نهائية مشتملة على غرامات بمبالغ مالية يمكن من خلالها المطالبة باسترداد الاموال، بجانب أن قوانين الدول الأجنبية تطلب ان تكون هناك علاقة بين المال المقضى به فى الحكم والأموال الموجودة لديها.

هناك عدة طرق لإسترداد الأموال المنهوبة من الخارج، أهمها

1- إقامة دعوى قضائية فى الدول الموجود بها هذه الأموال، وذلك بعد ثبوت الإدانة فى المحاكم العراقية.

2- الطرق الدبلوماسية الضاغطة بين الحكومات .

3- التعاقد مع شركة من الشركات الدولية المتخصصة فى التحرى والبحث عن هذه الأموال المهربة.

4- استخدام الاليات التي جاءت بها مبادرة Star ستار وتعتمد علي تضييق الخناق علي اللصوص ليس في بلدانهم حيث يمتلكون كل السلطات وإنما في الأماكن التي يهربون إليها أموالهم .

5- تفعيل جهد منظمات المجتمع المدني من اجل العمل على اقناع الجاليات العراقية في الخارج لتقديم بلاغات الى المدعي العام في كل دولة اوربية .

6- استخدام الاليات الواردة في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد .

بالنسبة للحالة العراقية فان اولى العقبات التي تواجه جهود استرداد واهمها هي العقبات القانونية سواء المتعلق منها بالقانون الوطني العراقي او المتعلقة بالاتفاقيات الدولية او القوانين الداخلية للدول المستقبلة لتلك الأموال.  اذا نظرنا الى القانون العراقي نجد ان قانون قانون صندوق استرداد أموال العراق رقم (9) لسنة 2012 المعدل سنة 2019 ينحصر بالاموال التي تم نهبها قبل عام 2003 . اما قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 في الفقرة سابعا من المادة 10 تتحدث عن تشكيل دائرة استرداد بالنص " سابعاً:- دائرة الاسترداد - يرأسها مدير عام حاصل على شهادة جامعية اولية في الاقل فـي القانون وله خبرة في ميدان عمله لا تقل عن عشر سنوات تتـولى مـسؤولية جمـع المعلومات ومتابعة المتهمين المطلوبين للهيئة من خارج العراق واسـترداد امـوال الفساد المهربة الخارج بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية وتضم مديرتين احدهما لاسترداد الاموال والثانية لاسترداد المتهمين." . ولكن لايوجد قانون يحدد الأساس القانوني لاسترداد الأموال المنهوبه ، ولا حتى تعريف مالمقصود "بالاموال المنهوبه ". فالاموال التي يتم استردادها من شركات او دول لم تنفذ تعهداتها لاتعتبر أموال منهوبة واستعادتها من واجبات الوزارات والهيئات والدوائر التي تعاقدت عليها ، اما الأموال المنهوبة الأموال التي نهبت من ثرواتها ومواردها والمتأتية من الفساد والتي هُربت إلى دول أجنبية أو بقيت داخل الدول نفسها. وبهذا يكون تعريف عملية استرداد الاموال المنهوبة " هي مصطلح يعبر عن مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية والجهود المبذولة من الدول لإستعادة الأموال التي نهبت من ثرواتها ومواردها والمتأتية من الفساد والتي هُربت إلى دول أجنبية أو بقيت داخل الدول نفسها وهي المسار الذي يتم فيه تحديد وتجميد وإعادة هذه الأموال للبلدان التي كانت ضحية لهذا الفساد وهي عملية معقدة ومتعددة المستويات ".

توفر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) التي بدأ التوقيع عليها في ديسمبر2003 ودخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005، أول إطار عمل على الصعيد العالمي،لتناول قضية استرداد الاموال المنهوبة ، سواء كان ذلك في الدول النامية أو المتقدمة. تتميز اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد , باحتوائها عل فصول ومواد هامة جداَ في مجالات التدابير الوقائية من الفساد والتجريم وإنفاذ القانون، والمستجدات التقنية وتبادل المعلومات، وآليات التنفيذ, لكن ما يميزها أكثر هو أنها تضمنت فصلين هامين هما الرابع والخامس، يعالج الأول قضايا التعاون الدولي، والثاني استرداد الموجودات.

إشتمل فصل التعاون الدولي على ثمان مواد من ( 43 - 50)، تحددت فيها بالتفصيل إجراءات وشروط التعاون بين الدول الأطراف، وتسليم المجرمين ونقل الأشخاص المحكوم عليهم، والمساعدة القانونية المتبادلة، ونقل الإجراءات الجنائية، والتعاون في مجال إنفاذ القانون، والتحقيقات المشتركة، وأساليب التحري الخاص.

اشتمل فصل استرداد الاموال المنهوبة على 9 مواد من (51 – 59)، أوضحت بالتفصيل ضوابط والتزامات الدول الأطراف في مجالات: منع وكشف إحالة العائدات المتأتية من الجريمة، وتدابير الاسترداد المباشر للممتلكات، وآليات استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي في مجال المصادرة ،والتعاون الدولي لأغراض المصادرة, والتعاون الخاص، وإرجاع الموجودات والتصرف فيها، وإنشاء وحدة معلومات استخبارية مالية، وإمكانية إبرام اتفاقات وترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف.

تضمنت نصوص الفصلين اعلاه خطوات وشروط التجريم، وتعجل بإجراءات تسليم المجرمين, كما أنها تيسر، بشكل غير مسبوق، عمليات التحري والملاحقة للمتهمين بجرائم فساد، إضافة إلى تأكيدها وتحديدها لأشكال المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول الأطراف.

وفي مجال التصرف والانتفاع بالأموال التي قد تكون متأتية عن جرائم فساد، احتوت المواد نصوصاً بإجراءات أكثر تشدداً لضمان كشف هذا النوع من الأموال ومكافحة غسيلها.

أما المواد الخاصة بتدابير وآليات استرداد الممتلكات فتضمنت نصوصاً صريحة بإلزام الدول بتسهيل وتعجيل إجراءات إنفاذ القانون, بما فيها إجراءات المحاكم، إضافة إلى توسيعها وتحديدها لأنماط التعاون بين الدول في مجال المصادرة وإعادة الموجودات إلى مالكيها الشرعيين.

ومن خلال الاستفادة مما تضمنته نصوص مواد الفصلين المذكورين ونصوص العديد من المواد الأخرى التي تكفل للبلدان النامية قدراً كبيراً من المساعدات التقنية وتبادل المعلومات مع البلدان المتطورة لتنفيذ خططها الرامية لمكافحة الفساد... من خلال ذلك كله تصبح مواد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد -إذا ما تكاملت المقومات والآليات الوطنية والدولية لإنفاذها- أهم سلاح يمكن استخدامه في مكافحة الفساد على صعيد تحويل الأصول المتأتية من مصادر غير مشروعة وإعادتها إلى بلدانها الأصلية, بما في ذلك مكافحة غسل الأموال ذات المصدر غير المشروع والناجمة عن أعمال الفساد، و منع تحويلها و/ أو إجراء معاملات بشأنها، ومكافحة ما يرتبط بذلك من أشكال أخرى للفساد والجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية وغيرها.

حددت هذه الاتفاقية الآليات اللازمة لاسترجاع الأموال المنهوبة التى تم تهريبها للخارج وأنه إذا ثبت الاتهام في حق المتهم وصدر حكم قضائى بمصادرة الأموال المنهوبة، يتقدم الادعاء العام بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لإعادة هذه الأموال إلى الدولة المطالبة باستعادة اموالها وفقا للاتفاقية وهذا يتضح من خلال المواد 54 ، 55 ، 57

كما نصت المادة (3) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على مبدأ إرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة وفقا للاتفاقية ، كما نصت في المادة رقم 31 منها على" ضرورة مصادره العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرمة أو الممتلكات التي تعادل قيمتها قيمة تلك العائدات" ويقصد بذلك نزع ملكية الأموال التي تحصل عليها المجرم من إحدى جرائم الفساد ونقل ملكيتها إلى الدولة وذلك مثل الأموال التي اختلسها الموظف أو مبلغ الرشوة الذي حصل عليها، وكذلك أيضا نزع ملكية ممتلكات المجرم والتي تعادل قيمتها قيمة ما تحصل عليه من عائدات إجرامية وذلك إذا ما تصرف هذا الأخير في تلك العائدات كمصادرة سيارته الخاصة ومجوهراته وعقاراته، كما نصت أيضا تلك المادة على" مصادرة الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى التي استخدمت أو كانت معدة للاستخدام في ارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية" .

وقد توسعت الاتفاقية في نص المادة 31 سالفة الذكر لمحاولة محاصرة العائدات الإجرامية ومصادرتها ومنع أي تلاعب قد يحدث لتغير صورتها وتضليل الوصول إليها ولكن يعيب عليها إنها قد نصت على إمكانية مصادرة المنافع المتحصلة من تلك العائدات على الرغم من استحالت ذلك من الناحية الواقعية والقانونية اذا لم تكن تلك المنافع ذات طابع مادى .

ولقد تم تخصيص الفصل الخامس للتأكيد على أن استرداد الموجودات هو مبدأ أساسي في هذه الاتفاقية وعلى الدول الأطراف أن توفر أكبر قدر من التعاون والمساعدة في هذا المجال،كما ضمنوه آليات استرداد تلك الموجودات وطرف التعاون الدولي في هذا الشأن.

بالنسبة للاموال العراقية المنهوبة فان المعوقات التي تواجهها يمكن ان نجملها فيما يلي :

1- تحديد الأموال المنهوبه والكشف عن أماكن تواجدها

2- توفير الأدلة المقنعة على ان تلك الأموال هي حصيلة عمليات فساد مالي

3- أن غالبية دول العالم تفرض شروطًا معينة لاسترداد هذه الأموال، ترتبط في معظم الاحيان بإجراء محاكمات عادلة وإثبات أن هذه الأموال نتاج عمليات فساد، بالإضافة إلى حصول الدولة طالبة الاسترداد على ممتلكات هؤلاء في الداخل وان تتم عملية استعادة الأموال والأصول المسروقة بشكل قانوني .

4- ازدواج الجنسية ، وهنا يجب ان نوضح ان من ينادي بان ازدواج الجنسية يعرقل جهود استرداد الاموال المنهوبة يخلط بين ملفين مختلفين وهما استرداد الاموال واسترداد الاشخاص . فالجنسية الثانية تعتبر عائق كبير امام استرداد الاشخاص المتهمين بجرائم حيث ان الدول تمتنع عن تسليم مواطنيها وخصوصا الى الدول التي لايوجد معها اتفاقيات استرداد اشخاص وحتى في هذه الحال فان هذه العملية تخضع لاجراءات معقدة وتتداخل فيها مسائل تتعلق بالقوانين الداخلية للدول وفي بعضها تتعلق بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الانسان . اما بالنسبة للاموال فان الاتفاقيات الدولية لاتمنح نفس الحماية للاموال المتحصلة من جرائم وعمليات فساد مالي او اداري حتى وان كانت عائدة لاشخاص يحملون جنسية الدولة ولكن هذه العملية تصطدم بمسائل تتعلق بالتحري والاثبات .

5- الاحكام الغيابية : فنظرة سريعة الى كافة قضايا الفساد الكبرى التي ترتبط بتهريب الاموال الى خارج البلاد ان تلك القضايا تنتهي بصدور حكم غيابي من محاكم الجنايات لتضيع في غيابات الاسترداد والاعم الاغلب من تلك القضايا لم يتم استرداد الاموال المهربة المنهوبة بل يتم ضياع اموال اخرى هي مصاريف تشكيل وسفر لجان الاسترداد التي يتم تشكيلها لمعالجة هذا الموضوع .

هنا تثار اشكالية وتسأول عن الارتباط بين صدور الحكم الغيابي من المحاكم المختصة وبين فشل لجان الاسترداد في جهودها , فهل الفشل يعود الى ضعف اداء تلك اللجان ؟ ام ان الفشل يرتبط بعدم الكفأة؟ ام ان الفشل يعود الى طبيعة القرار الصادر بالحكم الغيابي ؟.

بالعودة الى موضوع الاموال المهربة والمنهوبة والتي كانت نتيجة لعمليات فساد اداري نرى ان كافة الدول التي وقعت على اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد تشترط وكما ورد في المادة 57 من الاتفاقية ان يكون القرار الصادر عن الدولة طالبة الاسترداد قد صدر من محكمة مختصة واعتيادية اي ان يكون القرار غير صادر عن محكمة خاصة او مؤقته او عسكرية وان يكون القرار الصادر باتا ونهائيا وقد استنفذ كافة طرق الطعن المنصوص عليها في القانون . هنا يثار التسأول هل يحقق الحكم الغيابي الصادر بحق اي متهم بجرائم الفساد والذي تمكن من تهريب الاموال المتحصلة من تلك الجرائم الشروط التي تفرضها دول العالم لقبول طلبات اعادة الاموال المنهوبة .

من نافلة القول فان الحكم الغيابي يعرف بأنه نقيض الحكم الحضوري، وهو الحكم الذي يصدر في غيبة المدعى عليه؛ دون أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه؛ بما لديه من حجج قانونية وبراهين، تعزّز مركزه في الدعوى. فاذا انتقلنا الى الشق الثاني من السؤال المتعلق بكون القرار بالحكم الغيابي هل يعتبر نهائيا وباتا ؟ فان الجواب هو ان القوانين التي تاخذ بالمحاكمة الغيابية وهو النظام الموروث التشريعات الجرمانية القديمة وترتكز على تدابير صارمة تعود بأسسها البارزة، إلى التشريع الفرنسي الصادر في سنة 1670 الذي كان يعتمد النظام التحقيقي قد اجمعت على ان قرار الحكم الغيابي لا يعتبر حكما نهائيا وباتا لان ذلك القرار يعتبر ملغيا بمجرد القبض على المتهم او قيامه بتسليم نفسه طواعيا فقد اشارت المادة 247 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي الى (ا – متى قبض على محكوم عليه غيابا بالاعدام او بالسجن المؤبد او المؤقت او سلم نفسه الى المحكمة او اي مركز للشرطة فتجرى محاكمته مجددا وللمحكمة ان تصدر عليه اي حكم يجيزه القانون ويكون قراراها تابعا للطعن فيه بالطرق القانونية الاخرى).

أن نظام السقوط لا يسري على جميع الأحكام الغيابية ، و إنما يقتصر السقوط على الأحكام الصادرة في الجنايات فقط دون الجنح و المخالفات، اي ان الجنحة وان كانت معروضة امام محكمة الجنايات،لا يسقط الحكم الغيابي الصادر فيها بالقبض على المتهم أو حضوره و تعاد المحاكمة من جديد اثر ذلك كما هو الحال في الحكم الغيابي الصادر في جناية ، بالنسبة للمشرع العراقي فقد اكد على هذا المبدأ باعتبار ان قرار الحكم الغيابي الصادر في الدعوى الجزائية في عقوبات الاعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت بحق المتهم الهارب والذي يتضمن ضمن محتوياته اعطاء الحق للمتضرر بمراجعة المحكمة المدنية لطلب التعويض لا يكتسب الدرجة القطعية الا بعد تسليم المحكوم نفسه او القاء القبض عليه ومحاكمته مجددا وثبوت التهمة وبخلافه فان المحكمة المدنية سوف تستأخر الدعوى استنادا لاحكام (م/83) مرافعات مدنية (م/26) الاصولية. بالنسبة لقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 وتحديد في المادة 247 قد نص على (آ . متى قبض على محكوم عليه غياباً بالاعدام او بالسجن المؤبد او المؤقت او سلم نفسه الى المحكمة او أي مركز للشرطة فتجرى محاكمته مجدداً وللمحكمة ان تصدر عليه أي حكم يجيزه القانون ويكون قراراها تابعاً للطعن فيه بالطرق القانونية الاخرى.) اي ان الحكم الصادر غيابيا في الجنايات اذا كانت العقوبة فيه سجنا مؤبدا او مؤقتا لايعتبر حكما نهائيا فهو عرضه للطعن فيه في حال القاء القبض على المتهم او قيامه بتسليم نفسه وهو حكم لا يمكن تنفيذه حتى لو كان قطعياً، لأن بإمكان المتهم الطلب بإعادة المحاكمة في حال عودته للبلد.وحيث ان كافة القوانين الوطنية او الدولية التي تناولت هذا الموضوع اشترطت ان يكون الحكم الصادر نهائيا وباتا فهذه العقبة تعتبرا تحديا كبيرا امام المشرع العراقي وامام الاجهزة المعنية بملف استرداد الاموال المنهوبة لمعالجته والا يكون سلاحا بيد المجرمين للهروب من يد العدالة . كما نصت المادة 254 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على (مع عدم الاخلال بالمادة (16/ اولا) من قانون الادعاء العام ذي الرقم 159/1979:اذا اصدرت محكمة الجنايات حكما وجاهيا بالاعدام او السجن المؤبد فعليها ان ترسل اضبارة الدعوى الى محكمة التمييز خلال عشرة ايام من تاريخ صدور الحكم للنظر فيه تمييزا ولو لم يقدم طعن فيه.تحتفظ المحكمة بإضبارة الدعوى الصادر فيها حكم غيابي بالاعدام او السجن المؤبد او المؤقت الى حين تسليم المحكوم عليه نفسه او القبض عليه فتجري محاكمته مجددا طبقا للمادة (247) من هذا القانون). مما تقدم نخلص الا ان القرار الذي يصدر غيابيا في الجنايات المتعلقة بالفساد المالي والتي تؤدي الى تهريب الاموال المتحصلة من جرائم الفساد وان كانت تمنح الرأي العام بعض الشعور بالقناعة الا انها بصورتها الحالية لاتصلح كأساس لأسترداد الاموال المنهوبة لا بل نرى ان بعض الذي قاموا بنهب الاموال يدفعون رشاوى كبيرة لصدور احكام جنايات بحقهم ليستخدموا هذه الذريعة للتهرب من اعادة تلك الاموال . ومع عدم استبعاد عنصر سوء النية لدى بعض الدول المستقبلة للاموال المنهوبة في محاولتها لوضع العراقيل اما استرداد تلك الاموال الا ان الواجب يتحتم على اللجان التي تعمل على استرداد تلك الاموال الى التوجه لمعالجة تلك الثغرة القانونية من اجل سد الطريق على الدول التي ترفض التعاون بحجة ان قرار الحكم الصادر غير بات وغير نهائي وتستخدم هذه الذريعة للتهرب من التزاماتها الدولية التي تفرضها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد .

 

زهير جمعة المالكي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم