صحيفة المثقف

الفُلْكُ المَشْحون

جمال مصطفىوقضى مجازُكِ

في اصطخابِ حُمولَةِ الأقدارِ

أنْ تَثِقي بِربّانِ اكتظاظِكِ

يا سَفينُ /

أتى عليكِ وأنتِ عائِمةٌ هنا حِينٌ مِن الدهْرِ المُطَوْفَنِ،

تيهُكِ البَحْريُّ يَلْعقُ زُرْقةً مِن بوصَلاتٍ لا تُشيرُ

سوى إلى انتظروا الغرابَ /

الذئبُ يَعْوي: أينَ نَحنُ: أرى فَلاةً في فلاةٍ في فلاةٍ مِن مِياهٍ؟،

نحْنُ في الأرض الصغيرةِ

وهْيَ طافيةٌ على الأرضِ الكبيرةِ قالتْ الحرْباءُ حائلةً

مِن التسليمِ مُصفَرّاً إلى لونِ الرمادِ،

الخُنْفساءُ: بأيِّ أينَ تُفَكِّرانِ، بِ أينَ يابِسَةٌ؟

إذَنْ: لا أينَ إلا باطنُ الفُلْكِ المُطَهَّمُ بالحياة،

الكَرْكَدَنُّ: ال أينَ حيْثُ تنامُ شبعاناً

وحيثُ  فقالَ لَيْثُ الفُلْكِ: لا حُريّةٌ مِن دونِ غابٍ

ها أنا مِن بَعْدِها

في الفُلْكِ في قَفَصٍ رهينُ المَحْبَسَيْنِ، /

وبَغْتَةً نَهَقَ الحمارُ، احتَجَّ سامُ، احتَجَّ يافِثُ،

بينَما حامُ استفاقَ وراحَ يَضحكُ

عنْدَها ردَّ الحمارُ: الحَيْثُ سُفْلى حينَ أُزجَرُ إنْ نَهَقْتُ،

الحيثُ عُلْيا إنْ صَهَلْتُ كما أشاءُ، متى أشاءُ،

الهُدْهُدُ: ال أينَ اندغامُ زمانِها بِمَكانِها

مِثْل الجوابِ على سؤالٍ لا يُجابُ سِوى إذا اندَغَما

كأنّ الحيْثُ أينَ وأينَ حيثُ،

الديكُ: أجملُ ما تكونُ الحيْثُ رابيةً

شريطةَ أنْ أكونَ أنا الذي رفعَ الأذانَ،

تَحَسَّرَ السِنْجابُ أشجاراً ولَمْ يَنْبسْ،

 وراحَ البَبَّغاءُ يُقلّدُ الرُبّانَ: يا رُكّابَها ناموا،

 وأردفَ: في غدٍ نرجو السماءَ لِتُقْلِعَنّ،

 الأرضَ حتّى تَبْلَعَنَّ،

البازُ قالَ: سأطْلبَنَّ مِن النَبيِّ سياحةً صغْرى

أحومُ ولَو قليلاً علّني (بَصَري حديدٌ) ألْمَحُ الجوديَّ قِمّتَهُ

وأرجعُ بالبشارةِ،

أيّدَ الخنزيرُ مُقترَحَ السِياحةِ،

 والسِباحةَ للذينَ بلا جناحٍ،

هكذا نصطادُ أسماكاً ونرجعُ: قالَ دُبٌّ ثُمَّ عاد إلى السُباتِ،

القطُّ يَزعمُ: أمُّ سامٍ زوجة الربّانِ والِهَةً على الولَدِ الغريقِ

تَظلُّ طولَ الليلِ باكيةً فيَنْهرُها النَبيُّ،

القطُّ يَهرفُ (ليس يعرفُ): هكذا الحَجَلُ استشاطَ،

 فزوجةُ الربّانِ قد غرقتْ ولم تَركبْ،

ولكِنّ العَظاءةَ كَذّبَتْهُ: لَمَحتُها كانتْ تَنامُ مع النبيِّ،

رأيتُهُ لَيْلاً يُقَبِّلُها فأبْعَدَني

وغَلّقَ بابَ حُجْرَتِهِ وكانا عاريَيْنِ، /

الوقتُ ذابَ جبالَ ثلْجٍ،

والسماءُ تَفَتَّقتْ يَمّاً يُغربِلُهُ العليُّ

على القصيدةِ

كي تَغوصَ

وهكذا

غطَسَتْ

 إلى

الماضي

الغريقِ،

 تَوقّفَتْ تَبكي على الأطلال

إذ حوتٌ تَلَقَّمَها وعادَ لِلَفْظها نحْوَ السفينةِ،

قالَ: أيتُها القصيدةُ

إرجعي جذْلى لِمالكِكِ الحزينِ اللقلقِ السهرانِ شاعرِها

على ساقٍ بِضَحْضاحِ التَأمّل رافعاً أخرى ووقفَتُهُ تَطولُ، /

تَسَلَّلَ الزرزورُ مُسْتَرقاً إلى حُجُراتِ تَخْزينِ الحُبوبِ،

غزالُ مِسْكٍ لا يَنامُ معَ الغزالةِ كمْ تُدَلّلَهُ النساءُ

طَعامُهُ اللوزُ الزبيبُ ومِسْكُهُ مِن مِسْكِهِنَّ،/

العندليبُ: حناجرُ الأحياءِ تَصدحُ

 وهْيَ تَنهضُ في الصباحِ فأيُّ كورالٍ !

وأيُّةُ ها هنا حتى الزرافةُ لم تَكنْ بَكْماءَ في ذاك الزمانِ،

صدقتَ يا ذا العندليبُ /

عنابرُ الفُلْكِ الكثيرةُ كُلُّها لَغَطٌ:

فأولادُ النبيِّ تَشاجروا عصْراً على الدنِّ الوحيدِ،

وكادَ يافِثُ وقتَها يَرمي بِحامٍ خارجَ الفُلْك،

الحكايةُ: أنَّ حاماً كانَ يُسْرِفُ بالنبيذِ نديمُهُ القرْدُ الشروبُ /

الشمسُ يَطردها الغروبُ،

هنا مصابيحُ السفينةِ زيتُها مِن شَحْمِ حوتٍ نافِقٍ

في ذلك المَدِّ العتَيِّ أو المُحيطِ الأوحَديُّ: يُحيطُ دنيانا

ويَغمرُها فَلا قِمَمٌ سوى قِمَمٍ تَموجُ،

ولا صحارى غيرُ مُضطَرِبٍ مِن الزبَدِ الأُجاجِ كماكِثٍ

والأرض قد ذهَبَتْ جُفاءً /

قال قُنْدُسها: أرى سَمكاً يطيرُ

وبَعضَهُ يَمشي على سطح المِياه،

الفَهْدُ يَحْلفُ: قد رأى في البحْرِ أشجاراً تَغنّي،

والنبيُّ يَمرُّ مبتسماً ! أتُؤنِسُهُ الحَكايا؟

السندبادُ هُوَ الجميعُ أو الجميعُ السِنْدبادُ على السَفينةِ،

 لَيسَ مِن أحَدٍ سِواهُ،

 السندبادُ هُوَ الحكايةُ وهْوَ أيضاً شهرزادُ

أخَذْتَ تشطحُ يا مَجازُ /

الفُلْكُ فيها كُلُّ ما في الأرض مِن زُمَرِ الخلائقِ،     

 مصغِياً قال ابنُ آوى: مَن رأى البطْريقَ يا أهلَ السفينةِ؟

 لا جوابَ،

فراحَ يُلْحِفُ: مَن رأى تِنّين كومودو؟

ومَن مِنْكُمْ رأى يوماً عليها كنْغَراً مُتَقافِزاً؟

آهِ ابنَ آوى /

الآنَ مُنتصفُ الدُوارِ

 وبَغتةً ذَكَرُ النَعامِ وقد تَقيّأَ /

مَرّةً ضَلَّ السبيلَ القُنْفذُ الساعي وراءَ النَمْلِ

إذ لَمَحَ (التي) تَسطو على بيضِ الطيورِ،

ومَرَّةً ذُهِلَ الجميعُ: عروسُ بَحْرٍ في السفينةِ !

قال يافِثُ: مَرحَباً بالحُسْنِ بَحْرياً،

ولكنَّ النَبِيَّ أعادَها لِلبَحْرِ قالَ:

على السفينةِ كُلُّنا (ذَكَرٌ وأنثى)،

مالَكُمْ أفلا تَرونَ الفُلْكَ لَمْ تَحْملْ بِغالاً أو مَلائكَ:

لا عروسَ بِلا عريسٍ /

هكذا في الفُلْكِ يَحتدِمُ الجُماعُ أو التَسافدُ

 سَمِّهِ ما شِئْتَ لكنْ لا مَناصَ مِن الوصالِ،

 الغالِبيّةُ مِن إناثِ الفُلْكِ يا ربّي حُبالى

والذكورُ دَمٌ يَفورُ /

تَقَطَّعَ الماضي ولَمْ  أمّا المُضارعُ فهْوَ هذا،

ربَّنا عَجِّلْ بِ سوفَ

نُريدُها تأتي لِتُصْبِحَ حاضراً مِن غيرِ ماءٍ

 يا مُهيمنُ /

وحْدها الرؤيا

 تَرى الطوفانَ والأرضَ التي غطّى معاً

والفُلْكَ جاريةً بِما ضَمّتْ وزوجاً مِن ضفادعَ

ربّما قَفَزا مِن الطوفان والتَجأا إلى سطْحِ السفينةِ

ربّما سمعا حديثَ السلطعونِ: سأدخلَنَّ إلى بُيَيْتي

 ثُمَّ أوصِدُهُ عليَّ

وربّما لا الربّماتُ ولا المُصادفةُ السعيدة

إنّما الربّانُ نادى فاستَجابَ الضفدعانِ /

وجاءَ هدْهدُها يُوشْوشُ:

يَصعدُ الرُبّانُ أحياناً

على سطحِ السفينةِ كُلّما هبَط المُجَنّحُ،

هكذا يَتَسارَرانِ وتَارةً يَحْتَدُّ هذا، تارةً يَحْتَدّ ذاكَ /

ويَزعمُ الطاووسُ: أشباحٌ هنالكَ

والبعيرُ عليهِ يَضْحَكُ /

هكذا تَمضي الحياةُ على السفينةِ،

مثلَما في السجن تَنعقدُ الصداقاتُ العجيبةُ:

أرنَبٌ والضبُّ في شوقٍ إلى زمنِ الحفائِرِ والجحورِ /

على السفينةِ مِثلَما

 في كُلِّ صحراءٍ سرابٌ والمَجازُ هناكَ بابٌ

 والعقاربُ لا تَدورُ

 كَلَوحةِ الساعاتِ ذائِبةٌ لِدالي،

الوقتُ سالَ

الوقتُ يَهطلُ مِن شهورٍ، ثُمَّ كَفَّ،

الوقتُ مالَ /

على السفينةِ مثلَما

بالناطِحاتِ: هناكَ مانِعةُ الصواعِقِ

 دونَها كُنّا احترقْنا هكذا قال العُقابُ /

تَساءَلَ الكلبُ الذي اجتَذَبَتْهُ رائِحةٌ إلى درَجِ السفينةِ

يا تُرى ماذا هناكَ؟

وكانَ أولادُ النبيِّ: خيوطُهُمْ في الماءِ يَصطادونَ

والنسوانُ في ضَحِكٍ جَمَعْنَ بَيوضَ (بطارخَ) الأسماكِ:

ذا طَبَقُ الفحولَة /

لا بُروقَ ولا رعودَ،

مَشيقةً طَفقَتْ على السَنْطورِ تَعْزفُ زوجةُ الإبْنِ الكبيرِ

وكان سامُ إذا انتَشى طَرَباً يُغَنّي /

العندليبُ، البلْبلُ، الحَسّونُ، والغَرِدُ الكناريُّ الجميلُ

تَجَمّعوا تَخْتاً وجوقاً عندما أمرَ النَبِيُّ وقال:

 يا بُشْرى: غلامٌ، غرِّدوا،

احتَفَلَتْ سفينَتُنا وبُورِكَ بابنِ يافثَ /

شاهَدَتْ (مِن كُوّة عُلْيا) الزرافةُ كائِنَيْنِ مُجَنَّحَيْنِ

يُرَمِّمانِ جوانبَ الحيزومِ /

دلفينانِ يَقتربانِ مسحورين،

تَفْتَتِنُ القصيدةُ باللذيْنِ وباللذيْنِ /

أجاءَ شاعرُها بِقَصْدِ قراءةِ الكتُبِ التي في الفُلْكِ؟ /

كان بيانُ حُقوقِ رُكّابِ السفينةِ في يَدِ الرُبّان

قَدَّمَهُ الحصانُ،

وكانَ سامُ وكان يافِثُ يَصرخانِ: (تَمَرّدٌ)

حَذَفَ النبيُّ، هنا هناك، مِن البيانِ وقال: يُقْبَلُ،

هاج يافِثُ: قَطَّ نابَ الفيلِ مِن غضَبٍ بخنْجرِهِ

وعَرْبَدَ: تُرّهاتٌ تُرّهاتٌ، لا اعتراضَ ولا حقوقَ،

 وإنَّ عاجَ خناجرِ الأسيادِ نابُكَ أيُّهاذا الفيلُ،

فانشَغَبَتْ عنابرُ بالذي فيها احتجاجاً

صاحَ حامُ: تَكادُ تَنْقَلِبُ السفينةُ،

 إهدأوا /

 فرَسُ النبيّ، الكنْغرُ، الأفعى، النعامةُ، البَجع، السنونو، الضبْعُ،

والخفّاش، واليربوعُ، واللّاما

: الدوابُ ولا تَدبُّ، الوحْشُ لكنْ صارَ يأنسُ، والهَوامُ ولا تُهَّومُ،

 والطيورُ ولا تطيرُ تطيرُ لو أمَرَ النَبيُّ وتَرجعَنَّ،

 الزاحفاتُ ولا يَباسَ إليهِ تَزحفُ،

 لا مَفَرَّ مِن التجاورِ والتَخاطرِ والتَحاورِ والتَنافرِ والتَشاجرِ /

 بَغتَةً سمعوا الزرافةَ:

 هَلّلوا رجعَتْ إلى الفُلْكِ الحمامةُ بالغُصَيْنِ،

 فأسرعَ الرُبّانُ يَخطبُ

 قال بالفصْحى وكانتْ يَومَ ذاكَ (السومَريّةَ):

 بِسمِهِ قد كانَ مجْراها ومرْساها،

 استَعدّوا

 لِلنزولْ .

*** 

جمال مُصطفى

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم