صحيفة المثقف

رائيَّةُ العرب أو قصيدةُ وطن (1)

وليد العرفي من الجلي بأنَّ قصيدة: (وطن) أسميها: (قصيدة الأمل)، ولأنَّها وليدة هذه الظروف الراهنة ؛ فهي تستحقُّ غير مقاربة نصيّة، إذْ إنَّني سأدرس القصيدة وفق مستويات لا بدَّ من التوقف عندها، وهو ما سيكون مجال مقاربات تالية وفق ما تسمح به الظروف، وارتهاننا للوقت والحالة، وإنما أردنا من هذه الإشارة العابرة التي لا تُغني بحال عن النظرة المتأنية التي تدخل عمق البحر سابحة بين أمواجه، لا أن تظلَّ على الشاطىء مُكتفية بالنظر من البعيد والاستمتاع برمله وشمسه

إنَّ قصيدة وطن كما اصطلح على تسميتها في توصيف مؤلفها بداية سأنطلق من فكرة القصيدة للشاعر صالح الطائي الذي تُرفَع له القبعة احتراماً وتقديراً على هذه الروح الوطنيّة التي خلقت القصيدة وجسّدتها عملاً مشتركاً حقق وحدة الثقافة العربية برابطة كلمة الضّاد، وهي بذلك تُحقّق أول منجز لها على صعيد التقاء العرب في إطار وحدة الكلمة، بعدما عجز الساسة عن تحقيق أي تقارب على أي مستوى آخر، وبهذا ننظر إلى القصيدة على أنها تُشكّل إطاراً في العمل العربي المشترك على مستوى الثقافة، وهو ما يُعزّز دور المثقفين، ليكونوا قادة الشعوب بعدما مرَّ زمان على تهميشهم، وجعلهم منفعلين بالأحداث لا فاعلين فيها .

ولا يفوتني في هذا السياق أن أُعبّر عن جزيل شكري للفاضل د. حسين سرمك الذي أرسل إليَّ ـــ على كرم منه ـــ نصَّ القصيدة؛ فمنحني فرصة قراءتها، والتعرّف على شعراء الأمّة من الماء إلى الماء، وما أحوجنا اليوم للاطّلاع على ما يكتب أخوتنا شعراء العرب أينما كانوا .

أوّلاً ــ بذور الفكرة:

وهو ما جاء من خلال التصدير في طبعة القصيدة، إذْ يتحدَّث السيد صاحب دار النشر الشراط عن فكرة القصيدة بقوله: " وجاءت فكرته الرائدة والرائعة المتمثلة في (مشروع قصيدة وطن) وهي بلا شك فكرة مدهشة ورائدة؛ أن يبادر مثقف عربي إلى جمع قصيدة واحدة يشارك في كتابتها كل العرب من الخليج إلى المحيط قصيدة وطن، قصيدة كل الشعراء العرب إلا من أبى..."

وعلى هذا؛ فإن القصيدة أرادت أن تُحقّق حلماً، وأن تُجسّد أمنية، وهوما جاء بمثابة إعلان وتصريح بشكل جلي في  التمهيد الذي جاء في مقدّمة القصيدة: "إن قصيدة وطن التي ولدت في أحلك أيام عروبتنا وازع أخلاقي وقيمي أشهر كل مخزون البطولات التاريخية الذي كان مخفياً تحت تراكمات القهر، وصهرها في كلمات وقوافٍ وأوزانٍ في محاولة جادة لإعادة التوازن لأمة تترنح تحت طعنات الأعداء والأصدقاء وتكابر لتبقى واقفة، ولذا استحق شعراؤها أن تُحنى لهم القامات، وأن يركع بين أيديهم شكر القوافي" .

ثانيَّاً ــ في الوزن والقافية:

نهضت قصيدة: (وطن) على إيقاع بحر الوافر، وهو من البحور المركّبة  إذ يقوم على ثنائية التفعيلة، وهما: مفاعلتن التي تتكرَّر مرتين و فعولن  وهو من البحور الغنائية المستحبّة؛ فيوصف باللين والرقة وأكثر ما يجود فيه النظم به في الفخر والمراثي  .

أما القافية فهي مطلقة ورويها حرف: الراء المشبعة واواً، والراء من الحروف التكرارية الذي يردد صداه، فتكون القوة، وهو اختيار مُوفَّق من صاحب الفكرة ومؤسّس لبناتها الأولى التي بنيت وفق هندستها بقية الأبيات .التي جاءت استهلالاً في ضرورة التنبيه والوعظ:

حذارِ منَ الهدوءِ إذا تفشَّى                        فعندَ الفَجْـرِ قارعةٌ تثورُ

وألفُ حَذارِ مِنْ صَبْرِ التلظّي             هوَ البُركانُ تحضنُهُ الصّـخورُ

ولا تحسَبْ نذيرَ الغُبْرِ نسْماً               بأوجِ العَصْفِ لا تسدي النّذورُ

ففي النسماتِ إشعالُ اللواظي                   وإن الأمرَ يا هذا خطيرُ

وأعلمُ أنَّ ليلَ الصمتِ لصٌّ                وأنَّ الصّبحَ فـــــي دمهِ خفيرُ

وبعدَ الّليلِ تنتفضُ الحكايـــا               ويكشــفُ وجهَ ملحمةٍ ســفورُ

وتورقُ كلُّ أحلامِ الضحايا                 ويبزغُ رغمَ نارِ الجُرحِ نورُ

فلا تَسْـخَرْ بهدهدةِ التّشَــظي              فليسَ الهــــزْءُ يتبعُـــهُ الفُتُورُ

***

د. وليد العرفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم