صحيفة المثقف

ثلاثُ حكايات

احمد الحليترقية

في سالف العصور والازمان كانت تعيش في غابة مجموعة كبيرة من الحيوانات قسم صغير منها مفترس والبقية تغتذي على العشب والفواكه. لم يكن في الغابة أسود ولكن كانت فيها بعض النمور والفهود والذئاب التي كان يلذ لها ان تفترس ضحاياها من باقي الحيوانات ولكن الغريب في الأمر أن المفترسات وجدت انه كلما ازداد افتراسها للحيوانات الأخرى فإن العشبيات تزداد أعدادها باضطراد بينما فصائلها تتناقص باستمرار فتضايقت من هذا الأمر وخشيت على نفسها  ونسلها من الانقراض .

فعقدت اجتماعا في بيت كبير النمور وناقشت هذا الأمر وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن الأمر مقلق حقاً وانه يتوجب على المفترسات ان تشرع بعملية قتل لا هوادة فيها ليس من أجل أكل لحوم الضحايا وإنما من اجل القتل والإبادة ولكنها فكرت بالأمر ملياً ووجدت انه يصعب عليها تنفيذ هذه الفكرة لأنها تحتاج طاقة عضلية  وجهد ومشقة وحركة وسرعة وهي تفتقد لهذه الميزات لكونها اعتادت الكسل والخمول وبعد فترة صمت تكلم  الثعلب وقال : لديّ فكرة . فانتبه الجميع له وقالوا له : هاتها . فقال نوكل مهمة قتل العشبيات وإبادتها إلى الضباع التي لم تكن مدعوة للإجتماع لأنها لم تكن محسوبة على الضواري آنذاك لكونها تمتاز بالدناءة  وافتقادها إلى الكبرياء  . ففكروا وقلبوا الفكرة من جميع جوانبها واتفقوا على ان يستدعوا كبير الضباع ويبلغوه برغبة المفترسات بترقية الضباع إلى مرتبة المفترسات وأنه سوف يتم تزويدها بأنياب ومخالب جديدة أشد فتكا . وبالفعل جرت الأمور وفق ما هو مخطط لها

ولا ندري إن كانت خطة الثعلب الخبيثة هذه قد نجحت أم لا  .

شجرة الحِنّاء

كنتُ أتجوّلُ في أحدِ الحقولِ فسمعتُ بالقربِ مني عزفاً وطرباً أصغيتُ مليّاً وحاولتُ ان أعثرَ على مصدرِهِ ولكنني أخفقتُ وأخيراً وبعدَ أن أصختُ السمعَ  أدركتُ أن الأصوات صادرةٌ من إحدى الشجيراتِ فهالني الأمرُ وظننتُ أن جِنّياً يختبيءُ فيها سألتُ الفلاحَ عنها فقالَ إنها شجرةُ الحِنّاء .

غريق

أحلامٌ كثيرةٌ وأمنياتٌ راودتهُ بعضُها مما يدخلُ في إطارِ الهلوسةِ والغرابة ، وعلى سبيلِ المثال كانت تسحره فكرة الغرق وأنه يضمر حسدا من نوع ما للغرقى وانه يعتبرهم جريئين ومحظوظين وان الأقدار قد انتقتهم بعناية وتدبر . وقد هيمنت هذه الفكرة على مشاعره فقرر ان يخوض غمار هذه التجربة ليقف بنفسه على أسرارها بعيدا عن الروايات والأقاويل والحكايات وانتابته بعض العقبات والمثبطات التي حاولت ثنيه وإحباطه ولكن عزيمته وإصراره كانتا أقوى فقرر المضي قدما لتنفيذ الفكرة . انتظر بضعة أيام من أجل أن ترتفع مناسيب المياه في النهر القريب من بيتهم وعندما حانت الفرصة ذهب مسرعا تغمره نشوة غريبة كأنه يذهب إلى موعده الأول مع فتاة احلامه واصطحب معه دفتراً صغيراً وقلماً ليسجل به وقائع ما يمر به أولاً بأول وكذلك جلب حبلاً حتى يقوم بتقييد رجليه لأنه كان يجيد السباحة . فكر ملياً بالمكان الذي سيحلق منه عاليا إلى تخوم النجوم واخيراً وصل إليه وهو شأفة عالية تطل على النهر وربط رجليه بعناية وهو يترنم بأحدى الأغنيات الفلكلورية وزحف رويدا رويدا ثم وجد نفسه يهوي إلى الأعماق السحيقة .

بعد بضعة أيام وجد نفسه يطفو على سطح الماء واكتشف انه لا يستطيع ان يحرك أياً من اعضائه وشعر أن ثمة دغدغات بعضها مؤلم وقاسٍ  يتعرض لها جسده المنهك الذي أضحى وليمة دسمة لحشد هائل من الأسماك وكائنات أخرى . لم يستطع ان يبدي ادنى مقاومة او بالأحرى لم يأبه لذلك ولكنه شعر باطمئنان ورضى وامتلاء كونه خاض غمارَ هذه التجربة الفريدة وأنه تسنى له أن يسجّل كل شيء .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم