صحيفة المثقف

حوار مع رفيقتي الشيخوخة

جواد غلومأتدرين أيتها الشيخوخة كيف كنتُ صلدا

تغار مني الجبال؟!

شافياً مطبباً تحسدني أضرحة الحنّاء 

 يوم أينعتْ فتوتي؛  نضحتْ دماً دافقاً

كم كان مذاق روائها عذباً رائقا

صافيا مثل ثلج الهملايا

أحلام صباي رهنتُها لذاكرتي

في خزانة عقلي

محال ان أضيّع مفتاحها ولو صدأ

اعتدتُ أن أصقله بدموعي المالحة

يا لهذه الحياة برمالِها المتحركة

كم تصحّرتْ فيّ قحلاً يابساً

وكم انفجرت ينابيع روّتْـني بعذوبتها

يا للسنوات التي أومأتْ لي مودّعةُ

بأيامها العجاف ولحظاتِها الشغاف

صهرتني بمرجلها الحارق

كما أدفأتني بنارها الحانية في زمهرير شتائي

كم من الشعر أتلفتُ، طيّرتُ أوراقه في السطوح

لتلقاه غانيتي وتجهش بالبكاء مراراً

لترى حزني، بعدها  تضحك فرحاً لماماً

أيتها الملذّات الضائعة في شتات الأزمان الرثّة 

تعالي برهةً لنشتم بعضنا بعضاً

نتبادل العراك الجميل

قبل نفاد العمر الأخرق

أعيدي لي لحظاتي وارتجاف جسدي

منذ أول قُبلة طبعتها على شفاه حبيبتي

أعيدي هلعي يوم غادرتـِني

قلتِ وداعا لا لقاء بعده

سحقتِ غطرستي ببكائك

واستحالتْ عنجهيتي خرقةً جوربٍ بالية

أيتها المسرّات العسلية

لِمَ أخلفتِ وعدك بأن تبقين معي آخر العمر؟

أقسمتِ أنك تصلبين عودي وتثقلين جيبي مالاً

لكنكِ جرجرتِ أصدقائي معك وتركوني نسياً منسيا

دفنتِ رفيقة حياتي قبراً

كسرتِ عكازي في مطبّات الطريق

لويتِ قدَميَّ القويتين في العثرات الجسام

انتزعتِ نسلي من شغاف قلبي

ما الذي أفعله بقصائدي المبثوثة هنا وهناك

في أرجاء غرفتي الشعثاء الشِّعر 

بأوراقها الصفر المدماة بالأنين والفوضى

بحروفها الباكية والضاحكة معاً

أهي ثرائي البخس في أسواق الجاهلين؟

لم تعد سوى شروى نقيرٍ

لا تساوي عظمةً جرداء

هجرَها كلبٌ جائع

كم كان رهاني خاسرا

وأنا أعتلي  صهوة جوادٍ كسيحٍ

هو سَميِي في ارتخاء العضل ووهن العزم

في مضمار الأوحال والنقيع الآسن

ابقَ نديم شيخوختك

مؤنستك في ضرّاء الشعر

واخزتك في سرّاء  الفتوة

حتى يحين الحين

***

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم