صحيفة المثقف

قانون مناهضة العنف الأسري العراقي (2)

قاسم حسين صالحتقويم وتحليل سيكولوجي

 تناولت الحلقة الاولى تعريفا بالقانون وتشخيصا لنقاط الضعف العلمي في اهم مادتين فيه (تعريف العنف، وأهداف القانون).. ومن اجل تقويم مضامين هاتين المادتين ومواد اخرى.. خصصنا هذه الحلقة.

 كان القانون قد عرّف العنف بأنه(كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد باي منهما، يرتكب داخل الاسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي).. وهو تعريف موجز وضبابي وغير شامل اذا ما قورن بتعريف اهم جهتين علميتين في العالم، اذ تعرّفه الأمم المتحدة بأنه:(أي فعل عنیف تدفع إلیه عصبیة الجنس ویترتب علیه أذى أو معاناة، سواء كان بدنیا أو جنسیا أو نفسیا، بما في ذلك التھدید بأفعال من هذا القبيل، أو القسر أوالحرمان التعسفي من الحریة، سواء حدث ذلك في الحیاة العامة أو الخاصة)فيما تعرّفه منظمة الصحة العالمية بأنه : (الاستعمال المتعمد للقوة الفیزیائیة (المادیة ) ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع، یؤدي إلى حدوث إصابة أو موت أو ضرر نفسی أو اعاقة نمو أو حرمان).

 كما انه لم يقدم تعريفا موفقا للعنف الموجه من الرجل نحو المرأة سوى عبارة في الأسباب الموجبة هي بالنص (.. ووقاية المرأة من الأفعال التي تشكل عنفاً بأشكاله المختلفة، مما يستوجب السعي الحثيث لتجريم تلك الأفعال وملاحقة مرتكبيها).. فيما عرّفته الأدبيات بأنه : أي سلوك یصدر من الرجل بطابع فردي أو جماعي، وبصورة فعلیة أو رمزیة أو على شكل محاولة أو تھدید أو تخویف أو استغلال أو التأثیر في الإرادة، في المجالات الأسریة أو المجتمعیة أو المؤسسیة، سواء أكان ھذا الرجل أب، أخ، عم، خال، زوج، إبن، زمیل، أو أي رجل آخر قریب أو غریب بقصد إیذائھا جسدیا أًو جنسیا أًو نفسیا أًو لفظیا، أو بقصد التحقیر والحط من شأنھا أو الانتقاص منھا، أو انتھاك حقوقھا الإنسانیة أو القانونیة أو كلیھما، مما یتسبب في إحداث أضرار مادیة أو معنویة أو كلیھما بغیة تحقیق غرض شخصي لدى المعنَفِ ضد المرأة الضحیة).. وهكذا ينبغي ان يكون مفهوم العنف في القانون لتكون الصورة واضحة لدى الأجهزة المعنية بتنفيذه والأدعاء العام والقضاة.

 انواع العنف

 ليس العنف ضد المرأة نوعا واحدا كما هو شائع في ثقافتنا، وانعكاسها في القانون ايضا!، بل على انواع نوجزها بالآتي:

- العنف الجسدي:

 كل سلوك عدواني یھدف إلى إیذاء جسم الضحیة وإلحاق الضرر بھا سواء كان بالضرب أو التعذیب بالكي والحرق أو شدّ الشعر أو الرمي والقذف من مكان لآخر. ویعدّ العنف الجسدي من أشد انواع العنف واكثرها شيوعا، ویتراوح من أبسط أشكال الضرب الى اخطرها الذي یتسبب بترك آثار وتشوھات على جسد الضحیة يسبب لها آلاما نفسية، وينتهي بافضعها.. القتل.

- العنف الجنسي:

 السلوك الذي یتمثل باستغلال الضحیة جًنسیا سًواء أكانت قاصرة أو بالغة.. بالغصب ولیس بالرضا، بصورة اعتداء دون رضاء المرأة، سواء المتزوجة أم غیر المتزوجة كالاغتصاب والتحرّش والإرغام على المحرمات الجنسیة الشاذة.

- العنف النفسي:

  محاربة الضحیة معنویا وًمحاولة إیذائھا وإذلالھا نفسیا بًإیجاد المعنف لنفسه الأعذاركأن تكون تحت مسمى الدین أو السلطة أو غیرھا.ویتجسد بالحبس وتقیید الحریة، فرض الحجاب، الطرد، الھجر، الجفاء، التحقیر.. وكذلك إذلالھا وإشعارھا بالدونیة أو الشتم والتحقیر.. واتھامھا بالجنون أو التھدید التي تؤدي الى قتل الطاقات العقلية والاصابة بامراض نفسية مثل الاكتئاب والانكفاء على الذات.. والتي غفلها القانون العراقي للأسف.

- العنف اللفظي:

 وفیھا تكون الألفا ظ الجارحة ھي الوسیلة التي یستخدمھا المعنَفِ ضد ضحیته بما یؤدي إلى إیذاء مشاعرھا مثل السب أو الشتم أو أي كلام یتضمن التجریح، أو وصف الضحیة بصفات مزریة تشعرھا بالإھانة أو إنقاص قیمتھا الاعتباریة.

ولا ينحصر العنف الموجه ضد المرأة بالأسرة (أب، زوج، أخ.. )كما هو شائع، بل هنالك ثلاثة مصادر اخرى غفلها القانون، هي:

- العنف المجتمعي

  ويقصد به العنف الممارس من قبل المجتمع ضد المرأة الضحیة، الناجم عن موروثات الأعراف والتقالید الاجتماعیة والتفسیر الخاطئ للدین التي تسوغ أو تسھّل أو تعطي الحق بشرعیة ممارسة العنف ضد المرأة وتقیید حریتھا، وممارسات تنتھك حقوق المرأة التي قد تكون على شكل تحرّش أو تحمّل أي نوع من التمییز الجندري. وتكون بیئتھا الأماكن العامة والمنتزھات وطوابیر الانتظار والشوارع.

مفارقة:

 في العراق.. (جاد) النظام الديمقراطي على المرأة بنوع جديد من العنف هو (العنف الطائفي).ففي سنوات الأحتراب الطائفي (2006-2008) استغل او اضطر او اجبر الرجل الشيعي على تطليق زوجته السنّية، وكذا حدث للرجل السنّي المتزوج من شيعية.. حتى لو كان لديهم اولاد وبنات وصلوا مرحلة الدراسة الاعدادية!.

- العنف المؤسسي

 هو العنف الممارس في المؤسسات الحكومیة وغیر الحكومیة متمثلا بًالقوانین والتعلیمات والتشریعات والأوامر والنصوص التي تتبنى التمییز، في دوائر حكومية أوقطاع خاص، ,تقرّه عادات المجتمع ومعترف بھا قانونا أو بصمت من المؤسسة القانونیة الرسمیة.

 مفارقة:

 في شریعة حمورابي، قبل كذا الف سنة!، نص يعطي الزوجة حق الطلاق في حالة عدم ترك زوجها ما يكفي لأعالتها، او تقليله من قيمتها، او رغبته في الزواج من أمرأة سيئة الأخلاق,فيما القانون العراقي لا يجيز لها الطلاق ويساند الخيانة الزوجية من قبل الزوج.. الا في فراش الزوجية!.

في الحلقة القادمة.. لماذا نمارس العنف الأسري، وما خصائص شخصية الرجل المعنف؟

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم