صحيفة المثقف

لماذا تقترض بعض الدول الغنية بسبب نقص السيولة؟

صلاح حزاميُذاع بين الحين والآخر، ان الدولة الفلانية تبحث عن قرض بمقدار كذا لتغطية عجز موازنتها .

وتصبح القضية مثيرة للاستغراب عندما تكون تلك الدولة، دولة غنية وتمتلك ثروة سيادية كبيرة مستثمَرة في الخارج في قطاعات مختلفة.

ولغرض تغطية العجز، تلجأ أما الى اصدار سندات دين حكومية تطرح في اسواق المال او تعقد صفقات قرض مع بنك واحد او مجموعة بنوك عالمية او محلية او كليهما.

اذا كانت الحاجة للتمويل بالعملة المحلية فمن الممكن الاقتراض من البنوك المحلية، اذا سمحت سيولة تلك البنوك بذلك وبدون الإضرار بقدرة تلك البنوك على مزاولة نشاطها الإقراضي للأغراض الاخرى التي يتطلبها عمل الاقتصاد الوطني (إقراض مؤسسات الاعمال والافراد).

اما اذا اقترن عجز الموازنة بعجز في ميزان المدفوعات او شحة في احتياطي النقد الاجنبي، فأن الاقتراض يكون عادة خارجياً وبالعملات الصعبة.

بعد هذه المقدمة التوضيحية، نعود الى المقصود بشحة السيولة واللجوء الى الاقتراض مع ان الدولة غنية بشكل واضح ولاخلاف عليه .

كانت دولة الكويت وقطر والسعودية من بين الدول التي قامت بهذه الخطوة وبسبب شحة السيولة، وكلها تمتلك صناديق سيادية ضخمة.

في الواقع، ان هذه الدول لاتحتفظ بالفائض الذي يتولد لديها سنوياً على شكل نقد سائل (باستثناء مبالغ محددة)، بل تستثمره في اصول مختلفة كالعقارات في بلدان مختلفة والفنادق والمزارع واسهم شركات كبرى وسندات خزينة لدول متقدمة،لاسيما سندات الخزانة الامريكية، وعلى شكل سبائك ذهبية.

وبسبب اعتماد هذه الدول على مصدر ريعي واحد وهو النفط او الغاز، فأن هبوط سعر ذلك المنتج في الاسواق العالمية يسبب هبوطاً مفاجئاً في موارد الموازنة الحكومية التي يصل اعتمادها على ايرادات النفط في بعض الدول الى ٩٠٪؜.

هذا الهبوط المفاجيء لايسمح للحكومة بتسييل وبيع بعض اصولها في الخارج لتوفير الاموال المطلوبة للوفاء بالتزاماتها الجارية كالرواتب مثلاً.

أن اسباب صعوبة التسييل عديدة، ومن ابرزها:

- ان بعض الاصول يحتاج بيعها الى فترة زمنية واجراءات معينة تستغرق وقتاً.

- بعض الاصول (مثل اسهم الشركات) لايجوز بيعها بكميات كبيرة لأن ذاك يؤدي الى هبوط عام في سعر البورصة وهذا لاتسمح به قوانين تنظيم عمل البورصات.

- بعض الاصول يؤدي الاستعجال في بيعها الى هبوط اسعارها لاسيما اذا كانت الاسواق العالمية بشكل عام تشهد تراجعاً او ركوداً كما هو الحال في وقتنا الحاضر، ما يسبب خسارة للبلد المالك لتلك الاصول. لاسيما وان هبوط اسعار النفط غالباً مايرتبط بتراجع اداء الاقتصاد العالمي وتراجع الاسواق تبعاً لذلك.

- هنالك مراعاة للعلاقات السياسية مع بعض الدول والتي يؤدي البيع المكثف للأصول التي تخصها الى تراجع في البورصات او سوق العقار او السندات الحكومية فيها .

- عادةً مايُنظر الى هبوط اسعار النفط باعتباره مؤقتاً وسرعان ما تعاود الاسعار ارتفاعها، لذلك ليس من الحكمة التخلي عن أصول يصعب اعادة شرائها مجدداً او يُعاد شرائها باسعار اعلى عند انتعاش الاسواق.

- بعض الدول، كالعراق، لديها احتياطيات كبيرة بالعملة الصعبة لكنها تقترض وذلك لضمان محافظتها على امتلاك قدرة معينة على تمويل الاستيرادات للحفاظ على مركزها المالي العالمي وملائتها المالية لاسيما فيما يتعلق بالتبادل التجاري مع العالم.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم