صحيفة المثقف

خواطر من دائرة الموت

عادل الحنظلكيفَ لا تنهالُ في النفسِ الهواجس

حين تسعى تطلبُ النور

ولا تدري

متى يأتيك مرسالُ الهلاك

ناثرا حولكَ أشلاءَ الفرائس

كيفَ تمضي

ونواحُ الثاكلات

ينذرُ الغادي بقتّالٍ قريب

آهِ ربّي

وسؤالي .. هل أعود

وأنا أحبسُ في رأسي الوساوس

وأُنقّي كدَرَ الافكارِ في معْوَجِّ دربي

جاءَ مبعوثُ الدمار

باحثا عمّن رماهُ الحظُّ

في هذا المدار

هاتِكا خطَّ الشروقِ الى الغروب

مُعلنا فَجْرَ العَدم

أَدخَلَ الارضَ بأرجاءِ السَماء

نَدَفَ القاعَ وأحشاءَ القبور

ألجمَ النورَ فأعمى في الضياء

جَعَلَ الوقتَ حِسابا في هَباء

لَعَقَ الموتُ بطونَ اليافعين

وانبرى يسلبُ الأنفاسَ منّا

خازنُ النار

نابشا بينَ الرِمم

ناعيا من غادروا قبل الأوان

غافلا عني طريحا في النثار

كغريقٍ في تراب..

ودُخان

لمْ يعُد يحضُرُني الّا نبوءاتُ الفناء

لمحاتٌ عَبَرتْ أشتاتَ بالي

أوْصَلَتْ لي كلَّ تأريخِ الحياة

عَرضَتْ لي بانحسارِ الذهن

وشرود اللحظات

صورا تشبهُ أمّي

وخيالاً لنبيٍّ كأبي

يستنهضُ عزمي

انني وحدي هنا أهذي بمُفتَرقِ الزمان

ما لأطرافي حُدود

قد هَوَتْ فوقي نُثالاتِ المكان

تحملُ الأنسامُ  أنباءً عن الموتى

وتمزيقَ الجلود

هامدٌ كالمُثملِ في كعْبِ النهار

يركلني قلبي لكي أفهم اسرار النجاة

باحولالِ الوعي

في قعرٍخسيف

هكذا

أمسيتُ كالكلبِ الطريد

حينَ يقعى في متاهاتِ الهروب

أغبرا يعجزُ عن كبحِ الجُفول

أرضعُ الرعبَ وثديُ الموت يسقيني الذهول

بين ومضِ الحسّ

وانحسارِ الدم في الجسم الهزيل

وصراخُ الروعِ في نبضِ الوريد

لمسَتْ كفّي نتوءاتِ الرصيف

بأرتعاشٍ .. مثل أعمى

حينَ يشتاقُ الى وجهِ حبيب

همتُ أحبو

لا أرى مني سوى عٌقْبِ أنف

وبقايا من غبار

تخرقُ العينَ برمْشاتِ الجُفون

صرتُ مثل القنفذ المرعوب

للشمال .. للجنوب

حينَ ضيّعتُ إتجاهات الدبيب

لاحَ لي وسطَ إنبلاجاتِ البصَر

رَحِمٌ أفغَرَ فاه

يالَنوباتِ القَدَر

صاحَ كي أجثو هناك

في سلام

رحتُ أدنو

زاحفا في ريبةِ العاصي الشريد

فاحتواني في الظلام

مُسدلا حولي ستارا من سُكون

كوَليدٍ لُفَّ بالأسمالِ

ألقتهُ أمٌّ انجَبَتْ ابنَ الحرام

ها هنا

لمّا خبا بعضُ الطنين

ليتني اسمعُ تكبيرَ الجوامع

ونواقيسَ الصلاة

ليتني أصغي لصيحاتِ السكارى

وانتشاءِ العابثين

فيكَ يا شارعَ بشّار

أيُّ صوتٍ

سيُريني 

أنّ هذا ليسَ نفخ الصورِ في يومِ النشور

لم أكن أدعو.. ولكن

باقترابِ النفسِ من نابِ المنايا

يهرعُ العقلُ لتصديقِ النذور

علّها في غفلةٍ

تُنجدُ ملتاعا

وقد أدركَ، لمّا انهارَ،

آثامَ الخفايا

***

عادل الحنظل

.......................

* في مثل هذا الوقت من عام 1987 كنت في آخر النهار ماشيا في شارع بشار بن برد متوجها الى سوق البصرة القديمة للتبضع، وعلى حين غرة سقط صاروخ ايراني على مسافة قصيرة مني، فاصدمتُ بشدة بالارض، مغطّى ببعض الحطام. وقع الصاروخ في ساحة ترابية صغيرة، فأحدث دمارا واثار الرعب الشديد وأحال الجو الى سحابة تراب تعمي البصر. زحفت على رصيف مكسر دون وعي وعثرت على باب دار اقتلع نصفها الانفجار ودخلت أحبو متلمسا طريقي بصعوبة في ظلام دامس. كانت الدار خاوية من أهلها الذين هجروها مثل الكثير من أهل البصرة بسبب القصف الايراني المستمر. هذه الخواطر المنثورة تحكي تلك الحادثة في ذكراها الثالثة والثلاثين.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم