صحيفة المثقف

قانون مناهضة العنف الأسري العراقي (3)

قاسم حسين صالحتحليل سيكولوجي

هذه الحلقة الأخيرة من ملف (قانون مناهضة العنف الأسري) ستكون سيكولوجية خالصة، تتناول مواصفات الاسرالتي يشيع فيهاالعنف، وخصائص شخصية مرتكب العنف، وعدم العدالة في ارتكاب جريمتي الزنا والقتل غسلا للعار.. وتوصيات تخص الأجهزة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني.

لنبدأ هكذا: لماذا (س) يرتكب العنف ولا يرتكبه (ص)؟

تفيد الدراسات، وخبرتنا، ان القائم بالعنف كان قد تعرّض في طفولته الى عنف جسدي او نفسي أنشأ لديه الأحساس بـ(الضحية)، وانه حين يتزوج يقوم لا شعوريا بتفريغ الحيف في الأطفال او بزوجته.ويأتي آخرون من أسر يعاني فيها الوالدان من اضطرابات نفسية وخلافات وعدم توافق في المعاشرة الزوجية، او من آباء عدوانيين فيقلدونهم.وفي الجانب التكويني.. يأتي بعض الأفراد من الرجال بتركيبة سادية، فيما تأتي نساء بتركيبة(المرأة المسترجلة)لأسباب تتعلق بالجينات والهورمونات.. فضلا عن أن المجتمع الذكوري يشيع ممارسة الرجل للعنف ضد المرأة ويعدّها رجوله، ويصف من لا يمارسها بـ(المخنث)، ويعيّرون المسالم بأنه (يخاف من مرته)!

وعلميا، حدد الدلیل التدریبي الإرشادي صفات الزوج الممارس للعنف بالآتي:

سرعة الغضب والش، تعكر المزاج، شدة الامتعاض، الشعور بخیبة الأمل، عدم الإحساس بالأمان، انخفاض تقدیر الذات، الشعور بعقلیة الخاسر، عدم القدرة على تحمّل المسؤولية، الغيرة العصابية، تعاطي المخدرات وإدمان الخمر، حب التملك، النظرة الدونية للمرأة، وممارسة الجنس باعتباره نوعا من العدوان.

وتوصلت الدراسات السيكولوجية العربية والعالمية الى ان الأسر التي يشيع فيها العنف تنفرد بأربع صفات:

التعليم، والفقر، والضغوط، والكحول.فقد تم التأكد ميدانيا بأن العنف ضد الأطفال ينتشر بين الآباء والأمهات الأميين ومنخفضي المستوى التعليمي، وأن الفقر يلعب دورا رئيسا في انتشاره، ووجود علاقة طردية بين العنف الموجه ضد الأطفال والضغوط الأجتماعية المتمثلة بالبطالة، صغر سن الزوجين، ضغوط العمل، مشكلات زوجية، وكبر حجم الأسرة.. .، وان اطفال المدمنين اكثر عرضة لترك الدراسة، خاصة الفتيات لحاجتهن الى كسب قوت يومهن، او للعناية باخوانهن الصغار، او للعمل في سن صغيرة، او يجبرن على احتراف البغاء.

وعراقيا، توصلت دراسات الى أن اهم اسباب العنف الاسري تتلخص بالآتي:

- عدم فهم كل من الزوجين لنفسية وطباع الآخر، والتمسك بالرأي، والعناد والغيرة العصابية.

- الأختلاف في الانفاق على الأسرة اذا كانت الزوجة موظفة.. هل تشاركه أم هي مسؤولية الرجل.

- الزواج عن طمع او جاه اجتماعي او مكانة سياسية، ونشوء ازمة حين لا يستطيع احد الطرفين تحقيق ذلك.

- عدم نضوج عقلية الزوج او الزوجة، وفي حالات الزواج المبكر تحديدا.

- وجود عاهات جسمية لدى احد الزوجين تؤدي الى الاحساس بالنقص والانكفاء على الذات.

- و.. عجز ربّ الأسرة عن تأمين حاجات الزوجة والأطفال.

الزنا.. لا عدالة فيه!؟

تنص المادة (٣٧٧) من قانون العقوبات العراقي:

(تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها، ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج اذا زنى في منزل الزوجية).. ما يعني أن الزوج اذا زنا في مكان آخر غير منزل الزوجية، فأنه لا يعدّ مرتكبا لجريمة!

وينص في المادة (41):

(لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق:تأديب الزوج لزوجته، في حدود ما هو مقرر شرعا او قانونا او عرفا).. ما يعني انها تسمح للزوج ضرب زوجته لتأديبها بكل الوسائل (حرمان من الطعام، حبس بغرفة مظلمة، الكي، .. .) دون مساءلة من أحد!

والمفارقة، ان قانون مناهضة العنف الأسري، الذي وصف بالمتطور، لم يحقق عدالة العقوبة لمرتكب الزنا من الجنسين.

القتل غسلا للعار

أفادت منظمات نسائية بتزايد حاد في حوادث جرائم الشرف أو( القتل غسلا" للعار). واورد تقرير لوزارة حقوق الانسان انه تم قتل " 25 " امرأة بمحافظة السليمانية بداعي غسل العار خلال النصف الاول من عام 2007.

وفي البصرة ذكرت اللجنة الامنية ان " 47 " فتاة وامرأة قتلنّ في سنة واحدة تحت بند جرائم الشرف، الأمر الذي يجعلنا نستنتج ان معدل ما يقتل من النساء في كل محافظة بحدود " 40 " امرأة بالسنة.واذا اضفنا له اللواتي يقتلنّ ويدفنّ سرّا" أو يرمينّ في الأنهر، وبعض حالات الانتحار التي هي في حقيقتها قتلا" غسلا" للعار، فان العدد يتجاوز المئة ألف امرأة في السنة!.

واللافت، ان هذه الجريمة القبيحة التي كانت موجودة في المجتمع العراقي ازدادت الأن ، بعكس ما يفترضه منطق التطور الاجتماعي والحضاري، وذلك بسبب الحروب التي ادت الى التفكك الاسري، وشيوع الفوضى التي تشجع على استسهال القتل حيث تقتل النساء ولا يعلن عن فقدانهن، أو ان القاتل يبلّغ الشرطة بأنها اختطفت او ماتت في عملية تفجير، فضلا" عن زيادة التساهل في مراكز الشرطة مع الذين يرتكبون " جرائم الشرف " وعودة الثقل العشائري للنظام السياسي وما بينهما من تودد.

وللأسف، لم يتعامل قانون مناهضة العنف الأسري مع (جرائم الشرف) بما يقدّس قيمة الحياة شرعا وقانونا، مع أن كليهما، القتيلة والقاتل، ضحية تقاليد عشائرية سخيفة تتعارض حتى مع الشريعة الأسلامية.

توصيات

يعد علم النفس اكثر العلوم الانسانية التي انشغلت بالعنف الأسري والعنف ضد المرأة (العنف الجندري) بشكل خاص .وما قدمناه هو خلاصات مركزة لأسبابه ودوافعه وانواعه ومصادره وخصائص شخصية الرجل المعنف.

ونشير هنا الى استنتاجين:

الأول: مع ان العنف ضد المرأة موجود حتى في المجتمعات المتقدمة، اذ تفيد دراسة حديثة ان امرأة واحدة من كل عشر نساء في المجتمع الفرنسي.. تتعرض الى العنف، فان احصاءات منظمة الصحة العالمية ومنظمات نسائية عربية ومؤسسات حكومية تفيد بأن نسب العنف ضد المرأة في البلدان العربية هي من بين الأعلى على مستوى العالم.. وان اقسى ظاهرتين لهذا العنف هما جرائم الشرف والطلاق التعسفي.

والثاني: ان حكومات العراق بعد التغيير لا تكترث بدور علم النفس والطب النفسي وعلم الاجتماع في دراسة هذه الظاهرة واقتراح سبل معالجتها.. وعليه فاننا نوصي بالآتي:

- قيام اقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات باجراء دراسات ميدانية تتقصى اسباب العنف ضد المرأة ومؤشراتها الاحصائية، وتواترها وآثارها النفسية على الرجل المعنف والضحية والاطفال.

- قيام وسائل الاعلام بالتوعية العلمية عبر برامج وكتابات يتولاها اختصاصيون بعلم النفس والاجتماع.

- تخصيص اقسام او اجنحة في المؤسسات المعنية بالصحة النفسية، تتولى عملية التأهيل النفسي لمرتكبي العنف الجندري.

- اجراء فحص نفسي من قبل استشاريين بعلم النفس والطب النفسي لكل راغب في الزواج يؤكد سلامته النفسية من الاسباب والعقد التي تدفعه لارتكاب العنف ضد المرأة.

- الأهتمام باشاعة مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) بين شباب وفتيات الألفية الثالثة.

- تضمين قانون مناهضة العنف الأسري نصا" واضحا" بتشديد العقوبة، ومادة صريحة تعدّ القتل بأسم الشرف جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار.

- تعديل مفهوم ارتباط الرجولة بالعنف.

- التمييز بين عقاب ناجم عن غضب او عدوان وبين عقاب تأديبي تربوي.

- اقامة دورات تدريبية لرجال الدين لازالة المفاهيم الخاطئة التي تربط العنف بالدين.

- تفعيل دور المرشد التربوي والباحث الاجتماعي في المدارس والمحاكم. 

ان قانون مناهضة العنف الأسري لا يمكن ان تنجح في تطبيقه الأجهزة الأمنية والمحاكم، ولن تكون نتائجه مضمونة الديمومة ما لم تكن هناك استراتيجية توعية تطبّق على مراحل يقوم باعدادها علماء نفس واطباء نفسيون وعلماء اجتماع وتربويون.. يفضل ان يكونوا من المستقلين سياسيا.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

  

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم