صحيفة المثقف

الحدود الجديدة.. مشاريع خارطة الدول الكبرى

مهدي الصافيحالة من الفوضى العالمية العارمة تقودها القوى العظمى بعد نهاية الحرب الباردة، وكأنها عودة لسباق تقسيم المستعمرات السابقة، لتثبيت موطئ قدم فيها، الامبراطورية الشابة والعجوز تبحث عن مستعمراتها القديمة، تحت اعذار وحجج وضغوط واتفاقات وصراعات وازمات مفتعلة،

بدأت مع احتلال العراق2003، ثم اتسعت بعد ثورات الربيع العربي،  مرورا بالعودة الروسية وبضم جزيرة القرم، وتنامي القوة الاقتصادية الصينية، وبقبضتها الحديدية المفروضة على هونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي،

واظافر اردوغان الطويلة التي تحفر في مناطق الحظر البحري (اي رفض لمايسمى معاهدة لوزان1923 اوخطوات مابعد الانتهاء)، وتصاعدت وتيرتها مع الانسحابات الامريكية المخطط لها من المنظمات والالتزامات الدولية (منظمة الصحة العالمية، ومعاهدات المناخ والبيئة، ومعاهدة حلف النيتو واعلان الانسحاب من المانيا،  وانفرادها بطرح صفقة القرن، الخ)،

واطلاقها مشروع الشرق الاوسط الجديد (لتفتيت الدول العربية الكبرى، واخضاعها مع دول الخليج للتصالح والتطبيع مع اسرائيل)،

هذه اللغة الجديدة تصاعدت معها اصوات القوى الاقليمية المهمة في المنطقة(تركيا وايران)،

لفرض اراداتها واملاءاتها ومخططاتها على الدول المجاورة لها(التي تعتبرها من املاكها الامبراطورية القديمة)، قد تكون اساليب وطرق تعامل ايران مع هذه الملفات مختلفة عن جارتها تركيا (لاسباب داخلية وخارجية)، اذ هي تحبذ اسلوب كسب الولاءات (على غرار مشروع ما يسمى بالهلال الشيعي)على مبدأ فرض الواقع لتغيير الجيوسياسي للدول بالقوة (خارطة تركيا الكبرى المزعومة، خارطة اسرائيل الكبرى الكاذبة، دولة الكردية الكبرى الخيالية، الخ.)،

التي يتعمد اردوغان اتبعاها، تحت شعارعالمي رفع مع انتشار وباء كورونا والازمة الاقتصادية والاغلاق"عالم مابعد كورونا ليس ماقبله"..

نعتقد ان السياسة المحلية والاقليمية والدولية للعراق وبقية الدول العربية، لابد ان تكون حاضرة ومتناغمة ومتغيرة مع الاحداث والمتغيرات والمعطيات العالمية، اي بمعنى اخر ان النظام السياسي والاقتصادي والتربوي يجب ان يواكب الحركة العالمية المتطورة في هذه المجالات وغيرها، وان تكون هناك رؤيا اقليمية ودولية تواجه او تتفاعل مع مايطرح اقليميا ودوليا، على سبيل المثال التعامل مع التطبيع الخليجي(الاماراتي وكذلك الخطوات السعودية والبحرينية الخ.)مع اسرائيل،  او اعادة تكرار وذكر التاريخ العثماني الاستعماري واطماعهم في بلاد الرافدين والشام، وكذلك المساعي الخبيثة لمشاريع تقسيم العراق وسوريا واليمن وليبيا الخ.

كما يطلق هؤلاء الشعارات والبرامج والخطط ويمنعون الماء ببناء السدود(ماء اسطنبول غير صالح للشرب وتبني سدودها عند نهايات مجرى ومصب نهري دجلة والفرات للمحاصرة والابتزاز) اطلاق خارطة الامبراطوريا الجديدة، لاتمنع بلداننا من اعادة احياء التاريخ العباسي المتأخر الممتد في المنطقة، او الترويج لخارطة الهلال الخصيب واحياء افكارها التأريخية

(التي تضم العراق وسوريا الكبرى اي سوريا مع لواء الاسكندرون، ولبنان وفلسطين والاردن)، لابعاد فكرة التقسيم والانفصال لهذه الدول،

كي تصبح لقمة سائغة بفم الامبراطوريات المتعطشة لثروات هذه الدول ومنافذها البحرية والبرية والجوية)...

واحدة من اهم مخاوف الطرح الفيدرالي في العراق وسوريا وبقية الدول العربية الكبيرة هي الانقسام، او الدخول المنفرد في مشاريع الامبراطوريات الكبرى، والانخراط بتنفيذ صفقة القرن، والخضوع لشروط التطبيع الاحادي الجانب مع اسرائيل، اذ لايمكن اعتبار ان الصلح من مبدأ الضعف هو صلح عادل، دون حتى وجود اية اشارات او تلميحات الى القضية الفلسلطينية(ايقاف بناء المستوطنات، او الشروع بعملية سلام شامل لاقامة دولة فلسطين، الخ.)،

ولكن من جهة اخرى يصعب التعايش والوحدة الاجتماعية الوطنية داخل هذه البلدان،  بعد سلسلة من العنف والفتن الطائفية الدموية المستمرة الكبيرة، وبالتالي من يريد تطبيق النظام الفيدرالي في بلاده عليه ان يكون حذر جدا من مسألة الانفصال والتقسيم ، واعتبارطرح مسألة انفصال الاقليم او الولاية الفيدرالية او المطالبة بها خروج على الدستور والقانون والسلم الاهلي، وتعد بمثابة جريمة الخيانة العظمى،  التي تتطلب التدخل العسكري لاحباطها، فهذه الدول المضطربة غير مستقرة ، وكما هو معروف ان السيطرة عليها وتوحيدها لاتتم اما بالاساليب الدكتاتورية والانظمة الشمولية،

ولان العالم بات يرفض ويعارض ويحارب احيانا هذه النماذج من الانظمة السياسية المنتهية الصلاحية ، اصبح لابد من اخضاع اي نظام  ديمقراطي حديث الى شروط ومواد دستورية حديدية،  لايسمح بتجاوزها مهما كلف الامر، اي فيدرالية الولايات تحت سقف الدولة والجيش الوطني المركزي الموحد..

الدول والمجتمعات الفاشلة المنخورة بالفساد والفوضى، ليس لها الا الثورة والانتفاضة على هذه الحالة البائسة، التي تأخذهم بأرادتهم او دونها الى المصير المجهول، وتجعلهم نموذج يمني او ليبي اخر، تتحكم به الدول الهامشية الصغيرة او الامبراطورية الاقليمية الكبيرة، فهي ارض وموقع الصراع بين القوى الامبراطورية المصيري، بين طريق الحرير الامبراطوري الصيني

 والوجود الامبراطوري الامريكي الاوربي من جهة وصراع الطموحات الامبراطورية الاقليمية (الميتة)..

جمد كل شيء، واطفأ شرارة الفتن، وافتح عقلك وعينيك واذنيك لمايحاك من حولك، فمن ظهر سيدا امامهم سيبقى كذلك، ومن لبس ثياب الذل والعبودية والتبعية سيبقى صعلوكا امام الاسياد الاخرين ، ولن تنفعه ثياب العتق بعد ذلك بشيء...

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم