صحيفة المثقف

مواقف الشعراء من الحروب الاهلية

سوران محمدإميلي ديكنسون انموذجا

ان للشعراء والادباء دورا فاعلا  أثناء الحروب الأهلية، حيث لا يقف الشعراء مكتوفوا الايدي عن التعبير الوجداني الخالص لرفض اراقة الدماء داخل وطن واحد، وقد قدم بعض  الشعراء العالميين أكثر من مجرد كلمة عابرة للتعبير عن مشاعرهم بشأن الحرب، ولم يرضخوا  للتأثير السياسي أو كسب  مادي مقابل بيع أقلامهم ومواقفهم في نفس الوقت، وهذا ما ينتظره الجمهور دوما من الشعراء.

وكما يعتقد البعض بأن  الشعر له غرض ورسالة. سواء أكان ذلك لإقناع المخاطب، أو   للتذكير بأحداث مٶلمة وأخذ الدروس منها أو لنقل استجابة عاطفية وهكذا... كان الشعر ومايزال يعتبر نوعًا شائعًا وفعالا من التعبير الأدبي. وخلال الحروب الأهلية  أكثر ما بين الشعر موقفه رفضا واستنكارا، بل حتى استخدم الشعر لحشد  موقف الرفض أو الدعم، أو التعبير عن الولاء أو لتجسيد مآسي الحرب. بينما يجد كل شاعر في نتاجه غرضًا مختلفًا، فعلى سبيل المثال لقد استخدم الشعراء خلال الحرب الأهلية الأمريكية الشعر للتعبير عن رفضهم أو دعمهم وابراز جانب القسوة والرعب  فيها حتى الوصول الی درجات اليأس المزرية داخل النفوس.

لم تظهر الی الملأ نتاجات إميلي ديكنسون إلا بعد وفاتها. غالبًا ما يشار إليها بأسم غريبة الأطوار، حيث أبقت منعزلة  جل وقتها في غرفتها، وغالبا تفاعلها الاجتماعي كانت حصرا مع الزوار من خلال الترحيب بهم داخل غرفة منزل عائلتها. وبالرغم من افتقارها إلى التواصل الاجتماعي، لكن ديكنسون تعتبر واحدة من أكثر الشعراء الأمريكيين إنتاجًا وتعقيبا للأحداث.

كانت مواقف  ديكنسون ضد التفرقة ومع الاتحاد، وحافظت على المراسلات مع العقيد هيغينسون، الذي ادلی بتصريحه لاحقا في "الأطلنطي الشهري". قائلا ان فترة الحرب الأهلية كانت الفترة الأكثر غزارة لديكنسون، وقال بدوره أنها كتبت على الأقل نصف قصائدها أثناء مرحلة الحرب الاهلية. وبسبب طبيعتها المنعزلة لم تكن قصائدها مرتبطة بالحرب مباشرة ولم ترها بأم أعينها أو شاركت فيها.

هنا في مقطع الاول من هذه القصيدة تكشف ديكنسون عن الرعب الذي شعرت بها  أثناء   الحرب، وقد رقمت القصيدة بـ  ٤٤٤   وكتبتها الشاعرة في عام ١٨٦٣:

"من الخزي أن تكون على قيد الحياة -

عندما يموت الرجال الشجعان  - "

هنا ترجمة كاملة للمقاطع الخمس لهذه القصيدة الرباعية التي راعت فيها الشاعرة الوزن والقافية:

***

- القصيدة رقم ٤٤٤ –

من الخزي أن تكون على قيد الحياة -

عندما يموت الرجال الشجعان  -

و يحسد المرء  الغبار المتميز

عندما تسمح -  بالشروع في المعركة –

.

الحجر الذي يخبر عن الدفاع عن من

وضع هذا الاسبارطي بعيدا

كم نملك قليلا منه

رهنا من أجل الحرية -

.

الثمن رائع - مدفوع بشكل ممتاز -

هل نستحق - شيئا -

تتراكم تلك الارواح - مثل الدولارعلى البعض -

قبل أن نحصل عليها؟

.

ها نحن ننتظر - بقيمة كافية -

لمثل هذه اللؤلؤة العظيمة

لأن حياتنا - ذابت   -

في وعاء الحرب الرهيب ؟

.

قد يكون –   شهرة  حياة -

للرجال الذين ماتوا -

أولئك غير المساندين - المنقذين -

 وان الاله حاضر

***

جدير بالذكر ان تأريخ كتابة هذه القصيدة تصادف العام الذي وقع فيه أبراهام لينكولن على إعلان تحرير العبيد، ولكن بعد بضعة أشهر وقعت أكثر المعارك دموية في الحرب الأهلية - معركة غيتيسبيرغ. 

تتأمل  هنا ديكنسون في الأثر العبودي لسفك الدماء والأرواح التي فقدت في قضية "الحرية" الساخرة. حيث دارت الحرب الأهلية حول موضوع العبودية: الحق في امتلاك العبيد وجني الفوائد الاقتصادية من الآثار المدمرة للعبودية على البلد وحقوق العبيد أنفسهم من جهة أخرى. ومع ذلك، فهي لا تتحدث عن الجهة التي خاضت الحرب من أجلها وهل كانت تستحق  كل هذه التضحيات واراقة الدماء.

نعم فان الجنود الذين يموتون من أجل مصير بلدهم تطلق عليهم "بيادق الحرية". لكن إجابة السؤال عن من هم  رواد الحرية الذين يموتون من اجل نيلها، فهذه النقطة ستبقى غامضة في القصيدة. عندما تسأل ديكنسون عما إذا كانت "نحن ننتظر" .. تستحق الثمن الهائل المدفوع بالدم؟ فهي تشير إلى العبيد الذين ينتظرون التحرر. إنها تستخدم البلاغة في الجثث المتراكمة  عندما تشبهها بـ: "أوراق الدولار على البعض" لتوضيح وجهة نظرها حول مسألة العبيد، تشير ديكنسون أيضًا إلى الاسبارطة الذين ماتوا ببطولة في غزو تأريخي مع الفارس. هل تساءل المدنيون اليونانيون الذين حاربوا، أجرا وثوابا؟ هل أثمنوا المزارعون والرعاة وأهل البلدة أنفسهم بـ "القيمة الكافية وكانوا على قدر مسٶلية الاحداث؟".

في نهاية المطاف ، تضع  ديكنسون  نفسها في مكان أولئك الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب من اجل التحرير ولا تزال تسأل نفسها عما إذا كانت الحرية تستحق  اراقة الدماء "و خلق جو من الرهبة". وفي النهاية لا نعرف ما كتبه العقيد هيغينسون إلى ديكنسون عن معاركه وقواته، ولكن رسائله ربما قد زرعت هذە الافكار في مخيلة الشاعرة.

أستنباطات النص:

١- الحرية هدف سامي وانها تستحق التضحية، اذا لم توجد بدائل.

٢-لا يمكن تبرير الوسيلة أيا كانت، من اجل الوصول الی الغاية المرسومة.

٣- هل يمكننا ايجاد بدائل عن الحروب من اجل الحفاظ على كرامة الانسان وتجنب التدمير؟

٤- ليس هنالك المستفيد من الحروب وقد تٶدي الى التشريد والافزاع والكوارث.

٥- لا يموت من يستشهد من أجل قضية عادلة، بل دائما يتردد ذكراهم على الالسنة.

٦- ان حياة الانسان ذات قيمة لا بديل لها، فمن الافضل ايجاد حلول سلمية للنزاعات.

٧- تجنب الحروب الاهلية ايا كانت مبرراتها وانها بالنتيجة ستٶدي الى الخراب والتخلف.

٨- بما ان الشاعرة لا تتدخل في تفاصيل الحرب الاهلي ولا تميل الی أي جماعة الا انها عبرت عن استنكارها لها، وهذه هي الرسالة السامية للأدب علی مدار القرون.

 

سوران محمد

........................

المصادر:

genius.com/Emily-dickinson-it-feels-a-shame-to-be-alive١- 

 engquiringminds.wordpress٢-

  Wikipedia/ Emily-dickinson٣-

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم