صحيفة المثقف

اللهجات المحلية واستهداف الأمة

كاظم الموسوييكثر في الاونة الاخيرة استخدام لهجات محلية، واحيانا مطعمة بمفردات لغات اجنبية، حسب معرفة المتكلم او الكاتب وبلده، في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي والاعلام والمواقع الالكترونية، وبالتاكيد هذه العملية كانت ومازالت هدفا مطلوبا للمخططات الصهيو غربية في تفتيت جدار الوحدة العربية في الثقافة والتواصل الحضاري بعدما تمكنت كل هذه المخططات في تكريس تقسيمات سايكس بيكو ووعد بلفور ووعود واتفاقيات الذل والعار.

قبل سنوات سربت وثائق سرية لأجهزة المخابرات الدولية تكشف تخطيطها للقيام مباشرة او تحت اشرافها في نشر وبث وصناعة مؤسسات اعلامية تستخدم لهجات محلية، بهدف تكريسها وزراعة حدود التفرقة والتباعد، وكذلك التداخل والتشارك مع الاذاعات ومحطات التلفزة المحلية، ولا سيما المحطات الفضائية التي تنسب الى الناطقة زورا بالعربية، سواء التي تبثها أو تمولها حكومات عربية او اجنبية، ونجحت في جوانب من اختراق خطير لاخر جدار صامد، لحد الان، امام هذه الهجمة الشرسة والحملة المدروسة بعناية وخبرة وتمكن من نقاط الضعف، وخاصة في اغراء وشراء ذمم وبحث عن امكانات تخادم وتقبل وانصياع مذلة. وللأسف أو بدونه هناك من لديه القابلية والاستعداد لمثل هذه الخدمات والمشاركة في تلك السياسات. وكان قد أعلن مثلا في حينها وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول عن صرف ما يقارب 29 مليون دولار لمنظمات "مجتمع مدني" لنشر ثقافات تتوافق مع المخططات الأمريكية، في بلد عربي واحد كان قد وُضع مختبرا لمثل هذه المخططات.

وللاسف تنتشر الان بشكل واسع وصارخ يكاد القول عنه في الاغلب الاعم من وسائل الاتصال والاعلام اليومية، حيث ترن في اذان المستمعين والمشاهدين والقراء مفردات لهجات محلية التي بالكاد يعرفها ابن البلد الواحد نفسه، ويجري الإلحاح عليها والتكرار في كل الاوقات. ولا يحتاج هذا العمل الى ما يفسره ويعلنه خطرا مدسوسا وفيروسا وبائيا مقصودا ومطلوبا من الاعداء الكارهين للغة والعروبة والثقافة والحضارة والهوية الجامعة والتراث المفتخر به.

طبعا من المؤسف ايضا ان بعض من يمارسه يحسب نفسه او بتعريفه من طرف مواجهة المخططات الاستعمارية او الممانعة لانتشارها وتطبيقها ولكنه ينسى او يحاول ذلك في التورط في تنفيذ الاختراقات الجارية والخطيرة، وبدل ان يكون سدا امامها ينزلق في متاهاتها.... وتلك مصيبة!. والاعظم الاستمرار فيها وعدم التوقف والتنبه لمخاطرها واهدافها ونتائجها والمرسوم لها.

وهنا لابد من التحذير من الانجرار والاستسهال في ترويج لهجات محلية والعمل بجدية وصدق في السعي لتقريب اللغة العربية الفصيحة للراي العام والتمسك بها وسيلة تواصل وتثاقف يومي وحضاري، ومعبرة بيسر عن وعي وادراك جديرين بها وبمن يستخدمها ويتعلم منها وعليها، ويسهر عليها ويحافظ كما يحافظ على حدقتي عينيه، ولا يفرط بها، وكي لا تكر مسبحة التنازلات والسقطات.

 ان الاعتزاز باللغة العربية اعتزاز بالهوية الجامعة وبحس المواطنة الصالحة وبصدق المشاركة الانسانية في بناء نهضة حضارية متواصلة لتراث وامجاد تليدة. واللغة العربية هي اللغة التي صمدت كل هذه القرون وتطورت وتجددت مع التطورات واغنت التعبير بها.

يتطلب من المؤسسات الرسمية والشعبية وكل من يهمه الامر ان يبذلوا جهودا كبيرة في تيسير قواعد اللغة العربية ومنع استخدام للهجات المحلية في التعليم والاتصال والإعلام، ومن ثم مطالبة الجميع، بدءا من العائلة الصغيرة والمدارس، بتسلسل مراحلها، التعود على التعليم والدراسة والحديث والمخاطبة باللغة العربية الفصحى والامتناع عن ترويج لهجات محلية، لا تساعد على التثقف والتحضر والتمدن والتقدم على مختلف الصعد والمجالات والمسارات.

تحتفل الشعوب بيوم لغتها مقرونا برمز ثقافي لها، اللغة لانجليزية بشكسبير والالمانية بغوته والروسية ببوشكين والفرنسية ببودلير، الا العربية، اهلها غائبون في القرار عنها. ورغم مساع وجهود فردية، قامت الامم المتحدة التي اعترفت باللغة العربية واحدة من لغاتها المتداولة فيها، وقررت الموعد والتاريخ دون رابط له او اقتران بما يحتفل به. وهذا امر لافت ومهم لأنه يعبر عن احترام وتقدير لركن أصيل من أركان الأمة ووحدتها المستهدفة. والتي رغم تحديد يوم دولي للغة العربية الا أن ابتعاده عن رمزيته الحضارية وتقاليده التاريخية يؤثر على دلالات الاهتمام والاحتفاء به.

فشلت مؤسسات الحكومات العربية الرسمية رغم كل ما صرفته من مليارات الدولارات في عناوين ما أعلنه "بالحفاظ على هويتها القومية ولغتها الثرية ومشروعها الحضاري"، ولكن ما زال بعضها أو الأثرى منها يمارس ادوارا في التخريب والتضليل والانتحار الثقافي امام العالم وشعوبه، ومكانتها بين الامم والثقافات والحاضر والمستقبل. وتتراجع امام بعض الاختراقات من داخلها وبضغوط من خارجها لتمرير هذه المشاريع والمخططات العدوانية ضد الهوية واللغة العربية. فليس غريبا ان ترى من يزعم حرصا على اللغة العربية والقرآن الكريم فيؤسس منظمات داعمة لهما اسما أو اعلانا لفظيا وفي الوقت ذاته لا يوظف في اجهزته الإعلامية والحساسة الاخرى الا من يتكلم بلهجته المحلية، التي تحتاج إلى ترجمة للعيش بين ابناء ذلك البلد نفسه، ويقيم مؤسسات بواجهات ثقافية للتطبيع مع الاعداء وترويج الافكار التي يمكن ان تكون في اكثر الاحيان في خدمتهم وتمزيق الاواصر والصلات وتفتيت الشعوب وتحطيم العلاقات والتواصل القومي او حتى الانساني، وابرزه في الحصارات الظالمة والصراعات الدموية والحروب الداخلية القاتلة.

تكريس ا للهجات واقامة مؤسسات لها ومده الى التعليم والاعلام المرئي والمسموع وتوظيف من يتفنن بها وغض الطرف عن الاستهتار بقواعد اللغة العربية وتيسيرها واتقانها لفظا وصرفا ونحوا في تلك المؤسسات ولا سيما وسائل الاعلام يصب في الاستهداف المرسوم للثقافة العربية والهوية الجامعة للامة على امتداد الوطن العربي..

يكشف ترويج لهجات محلية مدى نجاح الاختراقات المعادية ومنهجها في التوسع والاستهداف لتفتيت المفتت وتجزيء المجزأ وهو ما يحصل الان ويتسرب امام انظار الجميع، بل ويكرس عمليا ويتحول إلى قواعد أساسية في التخاطب والتعليم والتبادل الثقافي وحتى في الندوات والاجتماعات المختصة أو المكلفة بالهوية واللغة والأدب والفن والعلاقات الاجتماعية.

امام هذه الاخطار المحدقة لابد من وقفة جدية وتحمل مسؤولية تاريخية واعادة النظر في كل ما يحصل وكشف كل ما يعمل في هذه المجالات وعدم الانتظار لوقع الفاس في الراس. إذ لا يمكن غض الطرف بعد كل هذا، ولم يعد الصمت ممكنا.

* نقطة حبر: من الواتس لور:

تبذل القوى الصهيوغربية واجهزتها الأمنية جهودا كبيرة في عدوانها وحربها على أهدافها ومن الشائع الان إستخدام الإعلام في اسلحتها،  وتجنيد كتاب وصحفيين واعلاميين لشيطنة تلك الأهداف وتشويه رموزها وشتم اشخاصها والمدافعين عن حقوق الشعب ونضال الأمة. وبات الأمر مكشوفا ومعروفا، ومع ذلك، يتبرع بعض من لم يوظف للقيام بالمهمات بقصد ارسال رسالة تطوع أو جهل يحسد على "تذاكيه فيه"، وفي كل الاحوال التخادم مع الاعداء خيانة وجريمة قانونية وأخلاقية.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم