صحيفة المثقف

الحِمَارِ الحَزيّْنِ

محمد جواد سنبهمَقَامَةُ

الحِمَارِ الحَزيّْنِ في عِرَاقِ الدِّيمُقّْراطِيّْينّْ.


 

نَهَقَ الحِمَارُ نَهقَةً بِصَوّْتٍ حَزينّْ.

سَمِعَهُ الأَسَدُ وهُوَ جَالِسٌ في العَريْنّْ.

قَالَ لِحَاشِيَتِهِ:

مَا بَالُ هَذا الحِمَارِ المِسْكيْنّْ.

أَجَابَهُ الغُرابُ الفَطيْنّْ:

يَا سَيّدَ الغَابَةِ المَكِيْنّْ:

هَذَا الحِمَارُ لاجِئٌ عِنّْدَنَا مُنْذُ سِنيْنّْ.

 إِنَّهُ مِنّْ بِلادِ الرَافِدَيْنّْ.

فَرَّ مِنْها وسَيَبْقَى هُنا إِلى أَبَدِ الآبِدِيْنّْ.

هَرَبَ مِن وَطَنِهِ بِسَبَبِ فَسَادِ الفَاسِديْنّْ،

وَ ظُلّْمِ الظَّالميْنَ، وتَخَاذُلِ المُنْبَطِحيْنّْ.

**

قَالَ الأَسَدُ:

وَ نِعّْمَ البِلادُ بِلادُ الخَيّْراتِ أُمُّ الفُرَاتَيْنّْ.

بِلادُ النِفّْطِ والنِّعَمِ والبَسَاتِيْنّْ.

أَرضُ السَوادِ تَعّْرِفُهَا كُلُّ الخَلائِقِ أَجْمَعيْنّْ.

حَضَاراتُهُ تَمّْتَدُّ لآلافِ آلافِ السِنيْنّْ.

مُذّْ زَمَانِ عَادٍ والاسْكَنّْدَرَ ذِي القَرّْنَيْنّْ.

عَلى أَرضِهِ رَسَتّْ سَفيْنَةُ نُوحٍ الأَمِيْنّْ.

وَ بُورِكَتّْ مِنَ الأَوصِيَاءِ والمُرّْسَليْنّْ.

مَنْ نَالَ مِنّْ خَيّْراتِهَا صَارَ مِنَ الشَّاكريْنّْ.

**

وَ مَا أَنّْ سَكَتَ الأَسَدُ مِنْ كَلامِهِ الفَصيْحِ المُبِيْنّْ.

قَالَ لَهُ مَالِكُ الحَزيْنّْ:

يَا سَيّدَنَا مَتَى زِرتَ بِلادَ مَا بَيّْنَ النَّهريْنّْ؟.

قَالَ الأَسَدُ:

لَقَدّْ وَلَدَتّني أُمّْي هُناكَ تَحّْتَ ضِلالِ اليَاسَميْنّْ.

فَأَتَذَكَّرُ مِنّْها ذِكريَاتٌ تَسِرُّ المُسّْتَذّْكِريْنّْ.

فَالخَيّْرُ فِي كُلِّ مَكانٍ مَبْذُولٌ لِلطَالِبيْنّْ.

**

قَالَ الغُرَابُ:

وَا أَسَفَاهُ ... يَا سَيدَنَا المُبَجَلُ الرَّزيْنّْ.

بِلادُ الرَافِدَينِ، كانَتّْ عَرُوسَ المَدائِنِ أَجّْمَعيْنّْ.

وَ أَصّْبَحَتّْ الآنَ خَرائِبَ تَضُرُّ النَاظِريْنّْ.

تَسْكُنُهَا البُوَمُ والكِلابُ والثَّعَابيْنّْ.

أَكّْوامُ النِّفَاياتِ صَارَتّْ مَلاذاً لِلفِئرانِ والبَائِسِيْنّْ.

كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ لا مَساكِنَ لَهُمّْ، فَسَكَنُوا مَقَابِرَ المَيِّتْينّْ.

**

قَالَ الأَسَدُ:

مَا حَلَّ بذِيْ البلادِ؟، حَتّى صَارَتّْ أَسّْفَلَ سَافِليْنّْ !!.

أَجَابَهُ الغُرَابُ:

مَوّْلايْ .... لَقَدّْ حَكَمَ البِلادَ أُناسٌ مِنَ الفَاسِدِيْنّْ.

 كانُوا يَتَسَكَّعُونَ في البُلدَانِ، ذَاتُ الشِّمالِ وذَاتُ اليَميْنّْ.

لا ضَمَائِرَ لَهُمّْ، لا يَردَعُهُمّْ خُلُقٌ ولا دِيْنّْ.

تَسَلَّطُوا عَلى رِقَابِ النَّاسِ، بِلا عِلّْمٍ ولا يَقيْنّْ.

أَطّْلَقُوا العِنَانَ لِلرِشَى ولِلمُخَربيْنّْ.

سَكَتَ الشَّعْبُ عَنْ الظُلّْمِ فَكَثُرَ النَّاهِبيْنّْ.

وحّْدَةُ الشَّعْبِ مَزَقَهَا عَبَثُ العَابَثيْنّْ.

الأَهْواءُ والجَهْلُ فَرَّقَتّْ الشَّعْبَ إِلى أَنْصَافِ نِصّْفَيْنّْ.

وَ صَارَ الشَّعْبُ شِيَعاً، كُلٌّ في حِزبِهِ مِنَ الفَرِحِيْنّْ.

فَسَادَتّْ الأَحْزابُ وبَغَى أَكثَرُ السِّياسِيّْيْنّْ.

فَضَاعَتّْ البِلادُ وهَامَ أَهْلُهَا في البُلْدَانِ لاجِئيْنّْ.

وَ العِراقُ اليَوّْمَ مُهَدَّدٌ بَيّْنَ التَّقْسِيّْمِ والإِفْلاسِ المُبِيْنّْ.

**

قَالَ الأَسَدُ:

صَهٍ يَا غُرابَ الشُؤْمِ اللَّعِيْنّْ.

كَدَّرْتَ خَوَاطِرَنَا بِمَا هُوَ مُؤْذٍ مُهِيْنّْ.

أَحْضِرُوا لـِي ذَاكَ الحِمَارِ العِرَاقيّ المِسّْكيْنّْ.

لِنَأْكُلَهُ ونُخَلِصَهُ مِنْ كُلِّ حُزّْنٍ وأَنِيْنّْ.

فَالعِرَاقُ أَصّْبَحَ بَلَدَ الصَّعَالِيْكِ الضَّائِعيْنّْ.

وَ إِنَّا للهِ رَبُنَا ورَبُّ العَالَـميْنّْ.

***

مُحَمَّدُّ جَوَادُ سُنّْبَهْ

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم