صحيفة المثقف

وهم التطبيع

جاسم الصفاركتبت هذه المقالة قبل ما أعلن اليوم عن التطبيع بين إسرائيل والبحرين، لذا فستكون البيانات المذكورة في المقالة مقتصرة على موضوع التطبيع بين إسرائيل والامارات. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فاني سأتجاوز الجانب التاريخي والسياسي والأخلاقي في موضوع التطبيع مع كيان عنصري غاصب وأهتم في المقالة بموضوع الفرص الاقتصادية التي بشر بها الطرفان واعتبراها من اهم مكاسب التطبيع.

فالحسابات البسيطة الظاهرية، تخلق وهم الفوائد الاقتصادية التي يمكن ان تتحقق من الجمع بين القدرات الإدارية وخبرة رجال الاعمال الإسرائيليين الى جانب موارد النفط الهائلة في الإمارات العربية المتحدة ليبدو الامر وكأنه فرصة ذهبية للطرفين. ولكن سرعان ما يتبدد الحلم وتتكشف هزالة ما يمكن ان يحققه الطرفان من هذا التطبيع، حيث تظهر الدراسة الجادة للبيانات الاقتصادية أن المنافع المتبادلة للاتفاقية ليست أكيدة كما تبدو.

مقارنة بإسرائيل، تتمتع الإمارات بمزيد من الناتج المحلي الإجمالي، كما تتجاوز الإمارات العربية المتحدة إسرائيل في الميزان التجاري، حيث تجاوزت الصادرات الواردات بكثير. بينما لدى إسرائيل ميزان تجاري سلبي. ومن المهم ملاحظة أن الإمارات العربية المتحدة، خلافًا للاعتقاد السائد، ليست عملاقًا اقتصاديًا لديه فرص هائلة تقدمها لإسرائيل. كما أن العلاقات الناشئة بين الدول لن تكون طريقاً ذا اتجاه واحد حيث تستفيد إسرائيل بينما لا تحصل الامارات الا على القليل. فلكي تزدهر العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، يجب ان يكون هنالك ما تقدمه إسرائيل للإمارات وبالمقابل هناك ما تقدمه الامارات لإسرائيل.

تشير التقديرات الأولية إلى أن الإمارات العربية المتحدة استوردت ما قيمته 12 مليار دولار من الماس في عام 2018 (آخر عام تتوفر له أرقام كاملة)، وفي هذا المجال تتمتع إسرائيل بميزة نسبية على شركاء أبو ظبي التجاريين الحاليين في مجال تجارة الماس. أما بالنسبة للبضائع الاخرى فإن حوالي 40٪ من واردات الإمارات تأتي من الولايات المتحدة واليابان وأوروبا الغربية، التي تتشابه صادراتها مع إسرائيل. من ناحية أخرى، لا يمكن لإسرائيل منافسة صادرات الصين والهند وفيتنام، الشركاء التجاريين الرئيسيين الآخرين للإمارات.

بالإضافة إلى الماس، تعد الإمارات العربية المتحدة رائدة في استيراد أجهزة الكمبيوتر وأدوات السيارات، وكذلك إلكترونيات الطيران. ولكنها في نفس الوقت تستخدم هذه المواد في مجال التصدير. فالإمارات العربية المتحدة، مثل إسرائيل، تستورد المواد الخام والمكونات لهذه الفئات من السلع ثم تصدر المنتجات النهائية. وبناءً عليه، يصبح من غير المجدي اعتماد هذه الفئة من البضائع في التبادل التجاري المباشر بين إسرائيل والامارات العربية المتحدة.

قد يتبادر للذهن ان الميزة الاقتصادية الرئيسية لإسرائيل، والتي سيوفرها التطبيع مع الامارات العربية المتحدة، هي الوصول إلى مصدر آخر للنفط. حاليًا، يوفر خط أنابيب النفط باكو - تبيليسي - جيهان (الذي يربط بين أذربيجان وجورجيا وتركيا) لإسرائيل 40 في المائة من نفطها. ومن بين الموردين الآخرين للدولة اليهودية المكسيك والنرويج وأنغولا ومصر وروسيا وكازاخستان. فإسرائيل قد تستفيد من قصر المسافة المباشرة بين إسرائيل والامارات، ولكني اشك في ان إسرائيل ستجازف بشراء النفط من خط توصيل غير امن وتتخلى لأجل فائدة مالية بسيطة عن مصادر استيرادها التقليدية المضمونة.

في محاولة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن اعتمادها الحالي على النفط، تحاول الإمارات تطوير صناعة السياحة. وتتوقع الدولة عائدات سياحية تبلغ 85 مليار دولار بحلول عام 2027. وبالنظر إلى حب الإسرائيليين للسفر إلى الخارج، يمكن للسياح نظريًا أن يصبحوا الميزة الرئيسية التي تقدمها إسرائيل للإمارات. ولكن لنكن واقعيين، فكم مرة يمكن لمواطني الكيان الصهيوني زيارة دولة مثل الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر صناعتها النفطية عامل الجذب الرئيسي فيها؟ كم عدد الأشخاص الذين سيسافرون إلى مثل هذا البلد مرة واحدة على الأقل؟ ثم هل يمكن توقع نشاط سياحي من الامارات الى إسرائيل؟ تجربة مصر والأردن تعلمنا ان إمكانية التطبيع الشعبي وتطوير السياحة الى إسرائيل مسألة ليست سهلة على الاطلاق.

أن عواقب هذا الاختراق الدبلوماسي أكثر تعقيدًا مما تراه العين، لذا يجب على إسرائيل أن تكون اقل تفاؤلا بشأن الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تكسبها من صديقها الجديد في الشرق الأوسط.

 

د. جاسم الصفار

12/09/2020

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم