صحيفة المثقف

دولة النفط وقوم لوط

حسين فاعور الساعديمنذُ أضحى الرملُ نفطاً

ثمَّ أضحى النفطُ دولةَ

والقيادةُ قومَ لوط

غابت الشمسُ حياءً

ابتلعنا الليلُ عنوةَ

انسحبنا من قلاعٍ

وهرعنا للسقوط

ضاعت الأحلامُ تهنا

في وحول الذلِّ غصنا

رَكِبتنا الطائفيّةُ أخطبوط

انحنينا...

فعشقنا الانحناءْ

ارتمينا...

فهوينا الارتماءْ

وتذابحنا ...

كأنَّ الدمَّ ماءْ

صارت الأوطانُ سجناً

والشعوبُ السجناءْ

وعواصمنا جحوراً

لممارسةِ البغاءْ!

 

منذ أضحى النفط دولةَ

والقيادةُ قومَ لوط

أمطرتْ ملحاً وذلا

أجدبتْ كلُّ الحقولْ

أقفرتْ كلُّ الكرومْ

غاصَ في الوحلِ القطيعْ

ضاعَ ما ضاعَ يضيعْ

والقليل المتبقي للضياعْ

باعَ من باعَ يبيعْ

والكثير البيع باعَ الزعماءْ

جسمي وجسمك للتناقضِ

للتفاوضِ،

للتناحرِ والصراعْ

ووقودٍ للسلاحْ

عقلي وعقلكَ

في بريق الفلسِ ضاعْ

 

منذُ أضحى النفطُ دولةَ

والقيادةُ قومَ لوط

صارَ مُهرُ الشعر بغلاً

والثقافة في التخلّفِ والسقوط

صار معنى الفنّ يقضي

أن نحاربَ أي معنى

أن نمجّدَ كل مبغى

دون معنى صار أجدى

صارت الفوضى حَضارةَ

والحضارةُ أن نموتْ

 

منذ أضحى النفطُ دولةَ

ماتَ بالتخوينِ قائدْ

ماتَ بالتهميشِ ناقدْ

جاءَ بالتلميعِ

والتهجينِ والتدجينِ حاقدْ

في ربوعِ الجنسِ يرتعُ ويناقشْ

ويغازلُ قومَ لوطٍ ويحاورُ

ثم يقبضُ ويفاخرْ!

 

منذ صار الرملُ نفطاً

ثم صار النفطُ دولةَ

والقيادةُ قومَ لوط

صار معنى الذلّ أجملَ

والتخلّفُ صار أحلى

التخلّفُ صار نهجاً

صارت الثورةُ مبغى

وكراسٍ للبغايا

فيه يشدو الثورُ شعراً

وحمارُ الوحشِ يلقي الشعرَ نثرا

ويديرُ الأمسياتْ

دخلَ السوسُ القوافي

وحصانُ الشعرِ ماتْ

 

منذُ صار الرملُ نفطاً

ثم صار النفطُ دولةَ

والقيادةُ قومَ لوط

أمطرت ملحاً وذلا

غطت الواحاتِ كثبانُ الرمالْ

ماتت الأشجارُ قهراً

جفَّ حقلُ القمحِ

كرم اللوزِ والزيتونِ

جفّ البرتقالْ

ضاعَ ماءُ النيلُ واغتُصِبَ الفراتْ

فنويتُ في هذا الخراب

أن أغنّي للصبايا

للعيونِ العسليةِ

في متاهات التردي والشتات

وأزفّ الكلماتِ الفارغاتْ

وأصوغ الأغنياتِ الهابطاتْ

للقطيعِ لقومِ لوطٍ

لزعيمٍ ليس أكثر من رفاتْ

ونويتْ

أن أغني،

والطفولةُ تتلوى تحت قصف الطائراتْ

للتخلّفِ،

للمُقصَّرِ والمُطوَّلِ من فساتين البناتْ

فأنال المجدَ نقداً

والجوائزَ مكرمات

 

كنتُ أنوي أن أسلَّ الكلماتْ

من قوافي الفتياتْ

وأصوغَ الشعرَ مدحاً

للعمالةِ والنذالةِ والخيانةِ

لملوك الشهوات

ليموت العقلُ قهراً

وتعيش النزواتْ

ثم أقبضُ

وأُمجّدُ في جميع القنواتْ

 

خرّبت بيتي القصيدةُ،

لم تطاوعني العنيدةُ

شردتني في الصحارى

جوعتني

عطشتني

لم تَدَعْني شارداً دون انتماء

أحتسي الخمرَ المعتّقَ

بين أرداف النساء

ورَّطتني

ألّبت ضدي الذئاب

حرمتني النومَ

قضّتْ مَضجعي

سَرَقتْ مني الشباب

لم تُطقْ عرشَ الأمير

لم تُطقْ شكلَ الأمير

كرّهتني كلَّ نذلٍ وحقير

توّهتْني في شعابٍ ومساربْ

وصراعاتِ ضمير

منعتني أن أكونْ

حقلَ بحثٍ وتجاربْ

فقضيت العمر وحدي

سرقتني من عيالي والأقارب

حرمتني من كراسٍ ومناصب

أبعدتني عن خضم الرقصِ والتدليسِ

عن نيلِ الجوائزِ والمكاسبْ

ألبستني ثوبَ راهبْ

أخلفتني والأميرْ

كرّهتني بالوزيرْ

حَمَلتني لأحلّقَ وأطيرْ

مثل نسرٍ

من جحيمٍ لسعيرْ

بينما غيري ينامْ

في فراشٍ من حريرٍ

تحت أقدامِ الأميرْ

 

ألف شكرٍ للقصيدةِ

حصنتني بالعقيدةِ

فَمَقتُّ الطائفيةَ

واحتقرتُ العنصريّةَ

خيرتني بين سلّةِ ومذلّةِ

علمتني أن أصوغ الحزن شعرا

وأصون العشقَ دهرا

وأحلق فوق غابات الجليلِ

أن أحلّقَ وأحلّقَ

أبعدتْ عني المساوئ

حفظتني بسلام

ناصعاً كالثلجِ،

أبيَضَ بين طيّاتِ الغمام

القصيدةُ دثرتني وحمتني

من متاهاتِ التخلّفِ

من صقيع النفطِ من ذل العبيد

لم تَدَعْ لي لحظةً إلا سبتني

كل صبحٍ فاجأتني

وأنا أحصدُ حقلي

وأنا أرعى قطيعي

وأنا أحلبُ شاتي فاجأتني

أخذتني من رفاقي

من أخلائي وصحبي سحبتني

ورمتني

في فضاءٍ لا نهائيٍّ رمتني

بجناحيها حَمَلتني

أخذتني لصفوفِ الفقراءْ

لأصوغ الشعرَ مجداً

ووفاءً وعطاءً

وأحلّق في فضاءٍ من نقاءْ

***

حسين فاعور الساعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم