صحيفة المثقف

هل يحق للانسان ان يتعب؟

صلاح حزامهذا السؤال، والذي اراه مشروعاً وجديراً أن يُطرح، خطر في بالي بعد الانفجار الكبير الذي وقع في مرفأ بيروت قبل اسابيع وسبب دماراً كبيراً وضحايا بشرية.

ظهر العديد من اللبنانيين على شاشات التلفزيون وهم يعلنون بصوت عالٍ:

لقد تعبنا، كفانا ماحصل ولانريد الاستمرار بنفس الاسلوب في ادارة بلدنا. لم نعد قادرين على التحمّل ..

الانفجار جاء بعد ازمة اقتصادية طاحنة ألحقت ضرراً كبيراً بالمواطن لاسيما من زاوية القدرة الشرائية للدخول بسبب التضخم وانهيار قيمة الليرة اللبنانية..

معاناة اللبنانيين ليست جديدة فلقد عانت أجيال منهم الحرب الاهلية والصراع الداخلي والطائفية والمحاصصة والتدخل في شؤونهم من قبل الجميع والاحتلال الاسرائيلي والحروب الحدودية مع اسرائيل والاغتيالات على أرض لبنان والاعمال الارهابية المتنوعة...

بعد كل هذا التاريخ الدموي يصبح التعب نتيجة حتمية لاسيما ان الناس ليسوا جميعاً ابطال ومناضلين وانبياء.

الغريب ان عدداً من المحللين والكتاب انتقدوا بشدة اعلان الناس عن تعبهم !!!

البعض اعتبره خيانة للقضية وخيانة للمباديء وهزيمة امام الأعداء الخ..

المفارقة ان معظم المنتقدين ليسوا لبنانيين ولم يتعرضوا للشقاء الذي تعرض له اللبنانيين ..

بعضهم يعيش لاجئاً منعّماً في دول الغرب الامبريالي او يعيش في بلد عربي آمن وفي بحبوحة !!

أحد الكتاب، وكنت احسبه كاتباً مبدعاً، ذهب في انتقاده وادانته لاعلانات التعب الى حد القول : اكاد اقول للمرأة التي قالت أني تعبت:

هل ان شعورك بالتعب يمكن ان يكون مبرراً لممارستك الدعارة؟

علماً ان المرأة التي اشتكت من التعب ليست مناضلة وليست عضوة في حزب او حركة، بل هي امرأة عادية لديها أسرة وتريد ان تعيش لسلام وهدوء فقط..

التخلي عن النضال بسبب التعب هو تخلي عن القيم وهو يشبه ممارسة المرأة للدعارة ..

بالله عليكم هل يمكن ان يكون العنف اللفظي بهذه القسوة والفظاعة؟

ثم، اليست القيم والمباديء هي اختيار وقرار شخصي؟

مادخلك انت القابع في كسلك وعطالتك باختيارات الناس المبدئية؟

لماذا تركت بلدك وهربت الى الخارج اذا كنت من النوع الذي لايتعب؟

في المجتمعات المتحضرة يعتبر الشعور بالتعب حق طبيعي وممكن الوقوع ويجب احترامه ومساعدة من يشعر بالتعب عن طريق توفير سبل الراحة والعلاج الجسدي والنفسي والروحي..

حتى الآلات، وهي بلا مشاعر، تُحترم حدود تحملها وفترات تشغيلها وحاجتها الدورية للصيانة والتصليح..

بل وحتى ظروف تشغيلها من حيث الحرارة والرطوبة ونقاء الهواء..

ما الذي يريده هؤلاء " المفكرين" من الناس؟

لقد جعلتنا وسائل التواصل الاجتماعي نبتلي باشخاص يحاولون ارغامنا على التعامل معهم كمفكرين كبار، في حين انهم ليسوا اكثر من كتّاب انشاء جميل وممتع ( للأمانة والدقة وحتى لانبخسهم حقهم).

انهم كائنات خطيرة لانهم يساهمون في تشكيل رأي عام مشوه فوق ماهو عليه فعلاً من تشويه متراكم.

حتى في جيوش الدول المتحضرة هنالك بروتوكولات للتعامل مع ظاهرة تسمى : إجهاد المعركة، حينما ينهار بعض العسكريين جسديا او نفسياً .

حيث يتم إخلائهم الى الخطوط الخلفية او الى المصحات للعلاج..

هؤلاء الاشخاص (المفكرين) يحاولون تطبيق طريقة تعامل المؤسسة العسكرية العراقية مع الجنود المتعبين خلال الحروب الطاحنة، حيث لايوجد شيء اسمه تعب..

التعب يعني تخاذل، وكان المسؤول يوجه سؤالاً عاماً للمقاتلين : هل تعبتم؟

والجواب يجب ان يكون، بالطبع، كلا سيدي لم ولن نتعب ..

وهذه بالطبع من تجليات الاستبداد وسحق الانسان.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم