صحيفة المثقف

نوري المالكي.. تحليل شخصية بمعطيات العملية السياسية في العراق(2)

قاسم حسين صالحتنويه خاص بالسيد المالكي

من واجب علماء النفس تحليل شخصيات حكّام بلدانهم، بهدف ان يكونوا على معرفة بحقيقة دوافع خافية عليهم تجبرهم قسرا على القيام بتصرفات واتخاذ قرارات لا تخدم مصالح أوطانهم وشعوبهم، وتعدّ أحد أهم أسباب فشل القائد السياسي في أن يكون رجل دولة.

ولأن جنابك الكريم لا وقت لديك لقراءة ما يكتبه الأكاديميون، ولأن حكّام العراق بعامة لا يحبون علماء النفس والأجتماع،. وافترض فيك انك ما قرأت لي مقالا ولا اقتنيت لي كتابا بالرغم من ان تسعة من الأربعين تدّرس في جامعات عراقية وعربية،. فانني كنت اول سيكولوجي عربي يحلل شخصية اوباما ويتوقع فوزه مع ان محمد حسنين هيكل الذي عاصر سبعة رؤساء اميركيين، استبعد فوزه،. وكذا كان الحال مع ترامب الذي وصفوه بالأحمق فأنني من متابعتي للغتيه اللفظية والجسدية ولشخصيته في حملته الانتخابية، توقعت له الفوز،. وحصل. وعن صدق تنبؤاتي كتب اكاديميون ومنهم الدكتور طه جزاع،. وكلها موثقة في غوغل.

ومع ان الدكتور عدنان الباججي اضاع عليّ في 2003 فرصة اللقاء بصدام حسين يوم التقيته في بيته بشارع الأميرات رئيسا لوفد رابطة اساتذة جامعة بغداد، معتذرا بحجة أنه بذمة القوات الأمريكية، وكذا فعل الدكتور أياد علاوي الذي اجابني مازحا (أنت من كل عقلك تريد تشوف صدام، هو آني ليش اكدر اشوفه)،. فان تحليلنا لشخصية صدام كان افضل من كتاب رجل المخابرات الامريكية جون نيكسون الذي التقى صدام بمعتقله في ايلول – كانون اول 2003وكتب عنه كتابا بعنوان:

)Debriefing the President: The Interrogation of Saddam Hussein(

هذا يعني ان ما سأكتبه ليس صحافة ، مع انني عملت في الصحافة والاذاعة والتلفزيون اربعة عقود، بل اجتهاد علمي من اكاديمي متخصص بعلم النفس الشخصية، وأول سيكولوجست عراقي تكرّمه مؤسسة العلوم النفسية العربية بتسمية (جائزة المفلحون في علوم وطب النفس للعام 2020 ) بأسمه ليتنافس في الحصول عليها علماء النفس العرب، وجرى لي تكريم عربي وعالمي الا في حكومات ما بعد 2003 التي في زمنها هاجر اكثر من عشرة آلاف عقل عراقي مبدع.

عذرا، ما كنت احب قطعا ان اكتب هذا التنويه بصيغة (الأنا) لولا افتراضي أن ذاكرتك ممتلئة باسماء سياسيين وعلماء دين، وأن انشغالك بتفاصيل الشأن السياسي يلهيك عن قراءة ما يكتبه المعنيون بعلم النفس والاجتماع، وأنك لا يعنيك من علماء ومثقفي بلدك سوى الأشخاص الذين يقولون لك ما تحب أن تسمعه.

اخيرا:

نصحني كثيرون ان لا انشر هذه المقالات، ما يعني ان هنالك انطباع بأن جنابك لا تتفاهم بالفكر مع من يختلف معك في الرأي، او لا تتحمل ان يوجه لك نقد. ومع ذلك فعلت،. ليس تحديا (فأنت حكومة وانا اعزل) ولكن ليقيني انك ستدرك انني اقول لك وللعراقيين،. الصدق قدر اجتهادي.

توطئة

بدءا نقول ان الفشل السياسي لا يتحمله المالكي وحده بل وشركاؤه في العملية السياسية من يوم اقامها بريمر على التثليث ( شيعة وسنّة وكرد)،. مكتشفا بعد (سنته في العراق) أن قادتهم كانوا يطالبونه بمصالح جماعاتهم لا بمصالح الوطن، وهذا ما لم تدركه القيادة الامريكية في العراق في حينه مع اننا كنّا نبهنا بريمر بعد ثلاثة اشهر من توليه ادارة الحكم في مقالة موثقة في الصحف وكتابنا المجتمع العراقي بعنوان (نصيحة الى حاكم العراق السيد بريمر)،. جاء فيها: ( ان شعورا بزهو الانتصار ما يزال يغمركم، لكننا نخشى عليكم من يوم تكون فيه حتى الناس الذين تلقوكم بالاحضان، لا يخرجونكم من احضانهم فقط، بل ان يتحولوا الى اعداء لكم،. وعداء العراقيين لا يرحم).

واللافت، ان الحياة السياسية في العراق لم تفرز بعد التغيير قائدا سياسيا بمستوى رجل دولة، مع ان جنابك كنت المسؤول الأول في الدولة العراقية لثمان سنوات!.والسبب كما يراه المحللون السياسيون ان التغيير في العراق جاء بتدخل اجنبي، ولو ان القوى السياسية العراقية كانت هي التي اطاحت بالنظام الدكتاتوري، لأفرزت قائدا سياسيا يوحّدها فتلتف حوله، لكنها كانت اشبه بفرق عسكرية متجحفلة في خنادق،. لكل خندق عنوان وقائد،. يجمعها هدف واحد هو التخلص من النظام، فيما نرى ان الحاكم في العراق لا يمكن ان يكون رجل دولة الا اذا كان ممثلا لجميع مكوناته، موحّدا لهم بالهوية الوطنية العراقية ومغلبّا لها على هويته الطائفية او القومية او الدينية.

والذي حصل في نيسان 2003 ان اميركا لم تسقط النظام فقط، بل والدولة ايضا التي مسحت هيبتها بحلّها اقوى خامس جيش في العالم (لأسباب شرق اوسطية!) ومؤسساتها الخدمية واشاعتها الفرهود الذي يستهدف سيكولوجيا قتل الشعور بالانتماء الى وطن حين يتحول افراده الى ناهبين له!

ولأن ما كان يجمع تلك الأحزاب (قوى المعارضة) ينتهي بانتهاء النظام،. فان المصالح الحزبية والطائفية والقومية تتولى اذكاء الخلاف فيما بينها على حساب المصلحة العليا الخاصة بالوطن، فضلا عن ان الأحزاب والكتل السياسية التي استلمت السلطة (سلّمت لها) كانت طاردة للمفكرين من الطراز الموسوعي الرفيع، لأنها، وحزب الدعوة برئاسة المالكي تحديدا، تحكمها ايديولوجيات وعقائد خاصة بها ، فيما العراق لا يمكن ان تستوعبه ايديولوجيا واحدة او عقيدة محددة.

والكارثة الأخلاقية أن احزاب الاسلام السياسي التي تعتمد الاسلام عقيدة ومنهجا، فاقت جرائم الفساد في زمن توليها السلطة اضعاف ما كانت عليه زمن الانظمة الدكتاتورية، واوصلت الناس الى أن يتداولوا بسخرية مرّة: كان لدينا علي بابا واحد واربعون حرامي فصاروا الآن أربعين علي بابا وألاف الحرامية، وكان لدينا طلفاح واحد فصار عندنا الآن مئات الطلافيح،. اكثرهم في حزب الدعوة الذي تولى أمينه العام السيد المالكي حكم العراق ثمان سنوات،. اوصلته، وقادة أحزاب الأسلام السياسي الأخرى الى قناعة بأنهم استعبدوا الناس روحيا، وانهم في حوارهم الداخلي يقولون لهم:تتظاهرون ضدنا، ترفوضننا، تشتموننا ، تتهموننا بأننا نتحدث بالعدل ونحكمكم بالظلم، ونتباهى بالأمانة ونمارس الخيانة،. فانكم ستبقون تنتخبوننا لأننا سادتكم وقدركم المحتوم ولا ارادة لكم حتى لو سقناكم الى جهنم، ولا تملكون من وسائل الهرب سوى انكم تغادرون حزبنا هذا الى حزبنا الآخر!.

ويحسب للسيد المالكي انه من عائلة مرموقة، أبرزهم جده محمد حسن أبوالمحاسن، الشاعر والثائر ضد الاحتلال البريطاني للعراق في عشرينيات القرن الماضي، الذي يرى كثيرون انه كان مصدر الهام له، ونفترض انه كان قد تماهى سيكولوجيا بجده في مرحلتي الطفولة والشباب لاسيما في كرهه للمحتل الاجنبي،. بريطانيا بزمن جده وامريكا بزمنه.

ويرى فيه انصاره انه سياسي محنك وجريء وشجاع،. يكفيه انه صادق على حكم اعدام صدام حسين، ورفض السماح للقوات الامريكية بالبقاء في العراق بعد عام 2011.ويحسب له ايضا انه واجه خلال مدة رئاسته الحكومة( 2006-2014 )احداث عنف طائفي هددت وحدة البلاد وتمكن من تجاوز تهديدات خطيرة كادت تؤدي الى التقسيم وأخرى كانت تستهدفه.

اما ما يحسب عليه فهو في رأي خصومه ومحللين،. كثير، أخطرها انهم يحمّلونه سقوط مدينة الموصل وفاجعة سبايكر وشيوع الفساد، والفشل السياسي الذي يعترف به السيد المالكي شخصيا ، ولكن بصيغة الـ(نحن)،. الشركاء.

في الحلقة القادمة،. المؤشرات السيكولوجية عن شخصية السيد نوري المالكي.

*

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم