صحيفة المثقف

إضاءة وقراءة في ديوان الشاعر د. وليد العرفي: ويُورِقُ الحرفُ ياسميناً

الياسمين زهرة الحبّ العربية على شرفات الأحلام ، تطلُّ من ديوان الشاعر العرفي ليُورق الحرف عطراً وحباً وحنيناً في قصائده من خلال ديوانه: ( ويُورق الحرفُ ياسميناً )

لقد اختار شاعرنا المبدع الياسمين عنواناً لديوانه رمز الصفاء والنقاء، نعم إنَّ زهرة الياسمين الناصعة البياض رمز للحبّ، فقد ذكرها الشاعر: نزار قباني بمشاعر العاشق في قصيدته التي حملت اسم هذه الزهرة، حيث قال: "وشكراً  لطوق الياسمين يأتي به رجل إليك"، كما جعل الياسمين بداية الكتابة بوسمه أحد دواوينه بـ: "أبجدية الياسمين"  .

1794 وليد العرفي

 ويعدُّ طوق الياسمين الذي انتقل إلى العديد من بلدان العالم رمز الاحتفالات، ولا يُمكن أن يتمَّ الزواج في بعض البلاد  دون عقد من الياسمين؛ فالياسمين شعار ورمز وطني، وقد اشتُهرت  الشام بنسيمها العطر بالياسمين،  ولشدة تعلّق أهالي الشام بها حرصوا على زراعتها بكثافة؛ فاستوطن الياسمين حارات الشام القديمة، كما استوطنت مفردات الياسمين مفردات شاعرنا؛ فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من لفظة الياسمين . هل هي العذوبة في شعره، أم إنه الصدق الذي سكن في خلايا روح الشاعر في حبه لوطنه، ومدينته حمص؟ ليكون الياسمين رمز الإخلاص والصفاء بلونه الأبيض الذي يتسلَّح فيه بالأمل فيقول:

وما سوى ياسمينِ الشَّامِ عطَّرنا         وقدْ حملْناهُ ضمنَ الرُّوحِ أطواقا

وفي موضع آخر قال:

سُلَّمي للرُّوحِ أنثى ياسمينٍ

وبياضُ النَّفسِ تُجلى بصفاءِ

 محبة هذه الزهرة تتسم بالقلق الشديد تخاف المجهول وتترقبه، لا تحب الحلول الوسطى، وتفضل القرارات الحاسمة، لا تتراجع في رأيها، ويُعاب عليها التسرع والتهور ومع هذا فهي شديدة التأني في الأمور المصيرية؛ فيقول في قصيدته: "  العبور لبوابة المنفى الأخير":

 يا الَّتي أسميْتُها يوماً تُويجَ الياسمينِ

 وكنْتُ أوهمْتُ الرَّمادَ بأنَّني نحلٌ لروضةِ ثغرِها

كانَ الوصولُ إليكِ درباً أهلكَتْ أحجارَهُ تعبُ السّنينْ 

والياسمين زهور بيضاء لها رائحة جميلة، وهذا شاعرنا د. وليد العرفي يُبدع أسمى آيات الإبداع في قصيدته الموسومة بـ: " نبض شاعر" التي يٌسيطر فيها عبق الياسمين على قصيدته كما يُسيطر الحب لوطنه الذي يأبى أن يغادره فيقول:

فما أنتِ في حالي انتظارٌ لرحلةٍ           ولسْتُ بأرضِ الياسمين بعابرِ

حللتِ ببعضي حالةُ مُزجَتْ بنا             فما انكشفَ المخفيّ إلا بسافرِ

 فمنظومة الورد والياسمين  هي عائلة الشاعر الروحية وربما ملاذه فالياسمين رمز الصفاء والنقاء ينهي به قصيدته؛ ليبدأ قصيدة يُشوّقنا فيها أكثر من سابقتها؛ ففي قصيدته: " ياسمين الشام" يقول

الياسمينُ على الشرفاتِ موضعهُ          أكرمْ بها منزلاً بالحسنِ ترفعهُ 

وفي هذه القصيدة الرائعة يعطي الياسمين حقه بالوصف الجميل ، بل نكاد نشمُّ رائحة الياسمين ونلمسه من خلال أبياته الرائعة فيقول:

لقدْ تمدَّدَ مثلَ الثَّلجِ داليةُ                     إنَّ البياضَ ليُبدي منهُ أروعهُ

ما لأمسَتْ كفُّ إنسانٍ لزهرتِهِ                  إلَّا تعطَّرَ بالأوراقِ إصبعهُ 

استدعى الشاعر زهرة الياسمين؛ لتكون رمزاً كليا للمرأة الفاتنة يقول:

 أنوثةُ الكونِ صبَّتْ فيكِ فتنتَها           يا فتنةَ الرُّوحِ أنتِ العيشُ أمتعهُ

 فالياسمين رمز سورية الحبيبة التي تجلت في أشعار د . وليد والحزن الدفين  فكدنا نغرق بالدموع التي لا تسترد المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات كل دموع الأرض لا تستطيع أن ترد مهاجراً وآخر فقد الحياة، وهو ما زال على قيد الحياة فالنفس التي لا تتألم لا تستحق أن تسمو بسماء الإنسانية، ومن صورها الألم والبكاء فمن لا يبكي لا يمكن أن يكون إنسانا والدموع في غالب الأحيان دليل محبة، ولكنها ليست العلاج والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهراً وجميلاً وخالداً .

 نعم إنه حب حمص في أعماق الشاعر؛ فيقول بعدما دمرت يد الإرهاب مدينته التي يغسلها بدمعه ويرثيها بقلمه:

وأنا المحبُّ العاشقُ المغرورُ

أهربُ منْ إجابات وأسئلةٌ على الأهداب 

دمعاً يظلُّ ولسْتُ أعرفُ ما أقولُ

فأوراقي بلا حبرٍ

ورفعْتُ كفّي للإلهِ وغير دمعي ما حكيتْ

وخرجْتُ أمشي في طريقي ما دريتْ

أنّي أسيرُ بغيرِ روحي إذْ مشيتْ

 ليبوح الصمت بأروع الكلمات وتلتئم معها كلمات تتكسر على حروفها آهات من الشوق والحنين الشوق إحساس كبير في داخل كل قلب؛ فأصعب المشاعر هي التي تكون عندما نشتاق لأشخاص أو أماكن لها مكانة في نفوسنا؛ فالشاعر في ديوانه فما أجمل المرء يكون بارّاً بأطهر الناس وأقدسهم الأم التي يقول فيها الشاعر:

 أجيءُ إليكِ طفلاً هدَّهُ  السَّفرُ

وآوي نخلةَ التحنانِ في عينيكِ يا أمَّاً

أهزُّ بنبضِها تسَّاقطُ السَّنواتُ والعمرُ

 حيث إنه من الصعب نسيان من سكنوا بداخلنا وحبهم لنا يمنعنا من نسيانهم لكنَّ مكانتهم تبقى في القلب، وداخل الروح حين يكون المرء صادقاً مع أمه بارّاً بها سوف يكون من أنبل البشر في وفائه لوطنه وحسبنا ذلك في قوله:

وحسبي أنّي في غرامِكِ شاعرٌ                 لأملأ بالأشعارِ فيكِ الشَّآما

ديوان الشاعر يقع في مئة وعشر صفحات احتلتها خمس وثلاثون قصيدة تنوعت موضوعاتها بين الوطن والحب والحنين وزهر الياسمين  بدلالاتها لقد استمتعنا بشعر د. وليد الذي حلا من التكلف؛ فجاء سلساً عذبا، وقد تنوَّعت أنماطه بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة، كما يلحظ القارىء سعة ثقافة الشاعر التي تبدت في إفادته من التناص الديني كما في قوله:

لأنَّكِ سورةُ الرَّحمنِ في القرآنِ

ترتيلُ الصَّلاةِ بمريمي العذراءِ

توما الشَّكّ في توراةِ موسى

والعصا السَّحريَّة الكفّين

 رُديني إلى سُوريَّتي الأرقى

نُعيدُ حضارةَ الدُّنيا  

 ويبقى أجمل الشعر ما يتحدث عن الوطن  وليس ثمة شيء  أجمل من الضمير الصادق النبيل الذي نبحث عنه جميعاً وهو ما جاء في قول شاعرنا العرفي:

 أتيتُكِ باحثاً عنّي  وعنْ سُوريَّتي الأبقى 

وعنْ أرضٍ بها الإنسانُ صارَ بحاجةٍ ليرى

 ضميرَ اللهِ في إنسانِنا الأنقى  

وأخيراً نُشير إلى أنَّ د. وليد العرفي  شاعر وناقد و أكاديمي ومن كتبه في مجال النقد كتاب  "أطياف موشور الرؤيا "، وكتاب: " مرآة الشعر ستائر المعنى "، ومجموعة شعريّة  جديدة  بعنوان:  " رأيت خلفي جثتي " قيد الإصدار عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق .

 

سعدية عدنان الفجر  ـــ  جامعة حلب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم