صحيفة المثقف

السومريون وتدوين التاريخ (1)

كاظم شمهودالذي يقرأ تاريخ الامم السابقة يجد الدهشة والعجب وربما يحكم على ثلاثة ارباع كتب التاريخ بالاهمال والرمي مع النفايات وذلك لعدم مصداقيتها وخضوعها الى التحقيق والمنطق والعقل ولم تستند على مصدر علمي موثوق به . ومع الاسف ان معظم المؤرخين العرب اسوة بالمؤرخين الاجانب المعاصرين قد غاب عنهم التحقيق في نقل المعلومات والروايات وانما اخذوا يستنسخون عن المؤرخين القداما الذين معظمهم كان قد اخذها من الاساطير وشفاه الناس ..

و بعد تطور علم الآثار وقراءة نصوص الحضارات القديمة من مسمارية وهيروغليفية وغيرها اصبح لدينا مصدر علمي مادي منظور وملموس وموثوق به، فهذه الآثار التي عثر عليها في ارضي الرافدين ومصر تنقل لنا صور حية بالنص والصورة عن حال المجتمعات البدائية والحضارية السابقة منذ آلاف السنين .

و يذكر الاستاذ طه باقر بان هناك ثلاثة مصادر لمعرفة تاريخ الامم السابقة وبلاد الرافدين:

1 – علم الآثار

2 – الكتاب المقدس – التوراة

3 – المؤرخون اليونانيون

1806  القيثارة السومرية

نعلم ان علم الآثار(الاركيولجي – والبيولوجي) يهتم بدراسة ماخلفه الانسان القديم ويشمل جميع آثار الماضي من الادوات والنقوش على جدران الكهوف والمعابد وكذلك عظام الانسان والحيوان والنبات ودراسة كتاباتها القديمة وحل رموزها ونقوشها وغير ذلك . ولكن هناك مشكلة معقدة يواجهها اليوم عالم الآثار اثناء قراءة النصوص الطينية او الحجرية السومرية او البابلية او الآشورية القديمة وهي ان ثقافة تلك الشعوب قائمة على الاساطير والخرافات من عبادة الآلهة والملوك والتقاليد والعادات والطقوس الدينية وغيرها . وبالتالي فان عالم الآثار امامه مهمة جدا صعبة حيث عليه العمل الجاد والدقيق لفرز الحقائق التي تتفق مع المنطق والعقل عن الاساطير او الحكايات التي منشأها الخيالات والاوهام .

هناك بعض المؤرخين والكتاب العرب عندما يكتب عن هذه الاساطير القديمة يتخذها مثلا جميلا في اطروحاته ومناقشاته ودليلا على صحة كلامه، وهذه من المشاكل التي نعاني منها اليوم حيث يتزين بها بعض المثقفين والكتاب دون معرفة حقائق الامور .

1807  تماثيل سومرية

اما المصدر الآخر لمعرفة تاريخ الامم السابقة فهو الكتاب المقدس او التوراة التي حوت اسفارها على طائفة كبيرة من الاخبار عن بلاد الرافدين خاصة في زمن الملك البابلي نبوخذ نصر 605-562 ق م الذي حطم مملكة اليهود وسب اهلها ونقلهم الى بابل حيث عاشوا ردحا من الزمن فيها وتأثروا بالحضارة البابلية، وكان من جملة السبايا عدد من انبياء بني اسرائيل ومجموعة من علمائهم . وفي هذا الظرف كتب بنو اسرائيل التوراة والتلمود في بابل وقد حوت هذه الكتابات على كثير من القصص والحكايات والاساطير والخرافات السومرية والبابلية كما استمدت الكثير من القوانيين البابلية ودونت الكثير من تاريخ العراق بصورة عامة .

1808 رأس فتاة من الوركاء

و كانت التوراة المصدر الوحيد لتاريخ وادي الرافدين قبل تطور علم الآثار وحل رموز الكتابة المسمارية في القرن التاسع عشر . ويقول الاستاذ طه باقر يمكن اعتبار التوراة مصدر من مصادر التا ريخ بشرط خضوعها للنقد التاريخي الصحيح ورفع كل تلك الاساطير والخرافات التي حوتها .

اذن ان الاكثيرية من مؤرخي العرب كانت كتاباتهم عن الحضارات القديمة تعتمد على معارف التوراة وما كتبه اليهود عن تاريخ العراق والجزيرة من اساطير وروايات عادة ما تخدم جنسهم وعرقهم وهو ما نجده في كتب الطبري واليعقوبي وابن مسعود وابن كثير وكذلك المؤرخين المتأخرين من العرب ، وليس فقط شوهوا وعبثوا في التاريخ القديم انما دخلت الروايات الاسرائيلة في الروايات والاحاديث النبوية ولازالت في كتب فقه المسلمين ..

اما المؤرخون الاوربيون وخاصة اليهود والمسيحيون فقد اعتمدوا في كتاباتهم التاريخية كليا على التوراة وكان بعضهم ينقب في ارض العراق ويحمل معه الكتاب المقدس .

1809  لوح من منحوتات سومر

و اما المصدر الثالث لمعرفة تاريخ العراق القديم فهو المؤرخون اليونانيون الذين زاروا الشرق الادنى خاصة العراق مثل المؤرخ هيرودوتس في حدود 480-425 ق م وقد كتب عن احوال العراق القديم وبابل، وكذلك المؤرخ زينفون الذي عاصر هيرودوتس حيث كتب عن العراق والامبراطورية الفارسية، وايضا المؤرخ الصقلي ديودورس 40 ق م وهو ايضا كتب عن بابل والجنائن المعلقة . اما فيثاغورس 570 – 495 ق م فقد زار العراق ومصر ومكث فيهما فترة من الزمن ويذكر ان رحلته في الشرق دامت حوالي عشرين سنة وقد اهتم بالمواضيع العلمية والرياضيات والموسيقى وانه كتب عن العراق ومصر وتعلم من علوم البابليين والمصريين . .

وهكذا يبقى الشرق الادنى مهبط الرسالات والانبياء والنبع الحضاري الاصيل الذي لا ينضب عطائه منذ فجر التاريخ الى اليوم . والمثل يقول (من علمني حرفا ملكني عبدا) .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم