صحيفة المثقف

قراءة في كتاب المعبد في وادي الرافدين للكتور نصير الحسيني

نبيل عبدالامير الربيعيتميز الانسان في وادي الرافدين بحاجاته ونزعاته الطبيعية المتزايدة مع الزمن، وتفاعله مع بيئته واحواله الحياتية، ومع ذلك فحو يعبر عن مشاعره ويظهر حاجاته ويستجيب للأخرين والاشياء المحيطة به، وفي هذه الاحوال يأتي الدين والمعبد ليلعب دوراً فعالً في اشباع هذه الحاجات الاساسية، وهذا يعني ان للمعبد وظائف استوجبت بقاءه منذ وجوده واستمراره، اذ ان من المتفق عليه ان الشيء الذي لا وظيفة له لا ضرورة لبقائه. حاجة الانسان الى الدين تنتج عن حقائق اساسية للوجود البشري، فالانسان يعيش في احوال غير ثابتة ومحاطاً بظروف وحوادث مهمة لسلامته وبقائه لكنها فوق طاقته وبصيرته. وهذا هو حال الفرد العراقي القديم الذي صور لنا صراعه مع محيطه وبيئته الطبيعية وكيفية التغلب عليها كما جاء في اساطير وملاحم بلاد الرافدين.

عن دار الفرات للثقافة والاعلام في الحلة صدر للأديب الدكتور المهندس اصدار جديد يحمل عنوان (المعبد في وادي الرافدين)، يقع الكتاب في (392) صفحة من الحجم الوزيري، وقد حشدَّ له (101) بين مصدر ومرجع وطرز بعض صفحاته بالرسوم الوثائقية والتخطيطات الهندسية للمعبد، فالكتاب انجاز جديد فيما يخص (المعبد في وادي الرافدين، قد بين الدكتور الحسينب في كتابه تاريخ الدين وبدائته في حضارة وادي الرافدين ودور الآلهة في حضارة بابل في دعم وترسيخ هذا الدين، ثم ينقلنا في ص155 إلى أهمية المعبد للفرد وانواع المعابد وطريقة بنائها والتخطيط لها. ويأتي تخطيط المعبد في  بلاد الرافدين أذ يتميز عادة بكون جدرانه وخاصة الواجهة مزينة بالطلعات والدخلات وهي ظاهرة معمارية قديمة عرفت في معابد عصر(العبيد) وظلت ملازمة للمعبد في مختلف الادوار الحضارية اللاحقة .كان مدخل المعبد يؤدي عادة الى حجرة صغيرة يمكن ان تسمى ب( حجرة المدخل ) التي تؤدي الى فناء او صحن واسع كان الناس يجتمعون فيه لاقامة الاحتفالات الدينية ويدخل المرء من هذه الساحة الى حجرة تؤدي بدورها الى ما يعرف ب( حجرة الهيكل ) و التي كانت من اهم واقدس اجزاء المعبد لأن فيها محراب الاله وتمثاله .وكان تمثال الاله يوضع عادة على دكة في المحراب وفي حجرة الهيكل هذه يوجد ايضا ( دكة المذبح ) التي كانت تقدم عليها الاضاحي، والملاحظ ان ابواب حجرات المعبد هذه تكون باتجاه واحد فالواقف في حجرة المدخل مثلا يستطيع ان يرى تمثال الاله في محرابه، غير ان بعض المعابد كانت فيها حجرة الهيكل واقعة الى الجانب وذلك من اجل ان يبقى تمثال الاله بعيدا عن انظار الناس، وكان المعبد يحتوي بطبيعة الحال على حجرات اخرى لخزن الادوات والاثاث والالبسة والاطعمة ويضم ايضا مكتبة لحفظ الوثائق والمؤلفات على اختلاف انواعها.

ثم يسلط الضوء الدكتور الحسيني على دور الفتاح فال والساحر والكاهن في المعبد، والطقوس التي تجرى في المعبد من صلاة وصوم وطواف وتطهير، فضلاص عن طقوس الزواج والولادة والبناء وطقوس ما بعد الموت. ويرى الدكتور الحسيني في ص157 ان المعبد قد لعب في حضارة وادي الرافدين دوراً فعالاً في التكوين الحضاري وتطور المعرفة والوعي، وكان المعبد أحد أهم معالم المدينة، حيث بدأ في المستوطنات البشرية مركزاً مهماً للفعاليات المختلفة التي تجمع الناس من حوله، وان أول ظهور للمعبد كان على شكل مصطبة عالية تطورت إلى برج مدرج يعرف باسم الزقورة. فالكتاب يعتبر من أهم الكتب التي كتبت وبجرأة عن تاريخ تطور المعبد عبر التاريخ وما يصحبه من مستلزمات النذور والكهنة ورجال الدين والسحرة سابقاً وهذا ما نجده في دور العبادة لاحقاً.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم