صحيفة المثقف

دراما سبتمبرية

بليغ حمدي اسماعيلحينما تقرر طواعية أن تجلس أمام شاشة التلفاز لتتابع الفضائيات المصرية والعربية أي الناطقة باللغة العربية فإنك أمام تنبؤ محتمل وهو أن يتصدر المشهد المصري الراهن مساحة كبيرة من اللحظات الإخبارية والتقارير السياسية المصورة، حتى تظن أن المنطقة العربية لا تضمن دولا أخرى سوى مصر، وتلك المشاهد والتقارير واللحظات الإخبارية السريعة والطويلة تفي بأن تخرج بثمة ملحوظات محددة يمكن توصيفها وتقنينها في عبارات تقريرية إخبارية أيضا لا تحتمل صدقا بالقدر الذي لا يمكن نفيها أيضا سواء إن كان المواطن مؤيدا لنظامه السياسي الرسمي، أو معارضا ومخالفا لكافة سياسات الدولة .

من مثل هذه العبارات التقريرية،  أأنت مع النظام، أنت ضد النظام، هناك ثورة شعبية ضد الرئيس، لا توجد ثورة بل حفنة من الصبية خرجوا في وجه النظام، الشعب يمارس كراهيته المستدامة ضد الشرطة البوليسية إن صح التعبير، الشرطة في خدمة الشعب وتحمل عبء حفظ الأمن والاستقرار، كل القنوات التي تعادي مصر الأيام الراهنة هي بتمويل تركي قطري وتسعى لإسقاط نظام الرئيس السيسي وإضعاف الروح المعنوية للجيش المصري، كل القنوات المصرية الاستثمارية الخاصة تتقمص دور المحامي والدرع والرمح والسيف للدفاع عن النظام المصري القائم ضد هؤلاء المرتزقة . ومنصة تويتر تشتعل بين هاشتاج ارحل يا سيسي، وبين هاشتاج كلنا معك يا سيسي. قناة الجزيرة القطرية المعادية للوطن والمواطن والدولة تثير الفتنة وتبث الرعب والخوف وتحرض الناس على الخروج في وجه النظام، قنوات فضائية مصرية تؤكد أن الوضع أكثر استقرارا وثباتا والمشهد تحت السيطرة.

وهذا المقاول الفنان الفاشل محمد علي في الخارج يمثل دورا هزليا ضعيفا لتحريض الشعب ومطالبته الخروج في ثورة، في نفس الوقت الذي نرى فيه الوجوه الإعلامية التي أقبل بعضها وأرفض الكثير منها يهللون للدولة .

تخيل معي أن كل ما سبق هو ما يشغل المصريون منذ فترة، وأصبح الجميع بين حالتين ؛ الأولى التربص بالآخر، والثانية الخوف من الفوضى التي قد تؤثر على الحياة الشخصية للمواطن، ولاشك أنني أقف في صف النظام المصري لأسباب كثيرة وطويلة من أبرزها أن النظام السياسي القائم هو الذي حمى مصر من الجماعات الراديكالية التي حاولت احتكار مصر وإقصاء الجميع سوى من حالف وناصر وأيد تنظيم حسن البنا .

فضلا عن أنه لا يمكن إنكار حجم الإنجازات التي تمت ولا تزال على أرض مصر ومساحة الحراك المجتمعي والسياسي الذي قاده شباب مصر سواء في الجامعات المصرية أو المنتديات المحلية والعالمية التي احتضنتها مصر، إلا أن ثمة ممارسات وزارية اصطدمت بمطامح الأسر المصرية التي لم تخرج بعد من تبعيات جائحة كورونا الاقتصادية، هذه الممارسات الوزارية لا أعرف سببا مقعنا لي أنها تتم بمنأى عن رؤية الدولة المصرية، وأحيانا كثيرة أظن أن بعضا من إجراءات الوزارات والمؤسسات الحكومية تتم بعيدا عن متابعة ورقابة الدولة لاسيما وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وأنا وغيري يرون أن هناك تخبطا في السياسات التعليمية وإدارة غير جيدة لملف التعليم في مصر بل أذهب مع الكثيرين في الراي القائل بأن وزير التربية والتعليم وعشرات القيادات التعليمية في مصر لا يفطنون من أمر التعليم والتمدرس ومعالجة الأنظمة التعليمية شيئا وأن الوزارة تبتكر وتخترع سياسات وإجراءات من وجهة نظري كمتخصص في التعليم هي عبثية لا ترتبط بواقع التعليم ودراسات الحالة ولا تفي بمتطلبات التطوير الذي ننشده ولا هي فعلا كفيلة بخلق جيل واع مرتبط بقضايا بلاده، وكذلك بعض الرسوم التي فرضت مؤخرا وربما تمت بدون دراسة أو تخطيط أو مراعاة للبعد الاقتصادي الناجم عن الجائحة الكونية المعروفة بكوفيد ـ 19، وكان المشهد إزاء بعض السياسات الحكومية هو تذمر البعض وتعجب البعض الآخر، وغضب الكثيرين .

ومنها جاءت الدعوات الخبيثة داخل وخارج مصر التي من شأنها كانت تعمل على تعبئة الشارع المصري القابل للغضب في الخروج لتظاهرات لا يعرف مداها ولا يمكن التنبؤ بنتائجها اللهم سوى الفوضى المرتقبة . ومصر عانت تلك الفوضى وقت انتفاضة يناير التي قادتها مجموعات من الشباب غير المؤهل سياسيا أو المدرب على إدارة الأزمات والكوارث وتنظيم جماعة الإخوان الذي وجد في الانتفاضة الشعبية فرصة سانحة قوية لم تتكرر من أجل استقطاب الملايين من المصريين من أجل الوصول إلى سدة الحكم وهو ما تم بالفعل.

وتلك الأصوات التي تدفع الغضب دفعا صوب الشوارع والميادين تركز فقط على أبسط الإحداثيات المجتمعية مثل الغلاء ومشكلات الطعام والشراب، وأيضا تلعب على غضب البعض من التصالحات العقارية المخالفة، رغم أننا لو فكرنا بمنأى عن حالة الغضب الشعبي فإن كل من شيد عقارا بصورة مخالفة فهو أحق بالمساءلة والمحاكمة لمخالفته لقوانين البناء .

لكن الشأن الذي يهمني كمواطن خرج وأيد وناصر الرئيس السيسي في كل خطواته أن يقدم النصيحة حبا للوطن أولا ولمصر العظيمة الذي علمت الإنسانية الحضارة في أبهى صورها، وللرئيس من جهة أخرى تأييدا وقناعة بوطنيته التي لا يمكن التشكيك فيها رغم تلك المحاولات الرخيصة التي يقوم بها المعادون لوطن العظيم.

هذه النصيحة تتلخص في قاعدة سياسية محضة مفادها المواجهة من مسافة النقطة صفر أي المواجهة القريبة المباشرة للأزمات الطارئة والتي تتسبب في إزعاج إحداثيات البناء والنهضة في مصر، هذه القاعدة السياسية تفرض على الأجهزة الرقابية والمؤسسات المجتمعية الرسمية التابعة للدولة أن ترصد وبحث وتؤول حالات امتعاض المواطن من المشهد الانتخابي المنصرم لمجلس الشيوخ ولماذا لم يخرج المواطن للتصويت لهؤلاء الوجوه غير المعروفة، في الوقت الذي أقسم لي فيه كثيرون أنهم لا ولن يتأخرون في أي تصويت لاستحقاق ديموقراطي بحق الرئيس أو الدستور أو مصلحة الوطن، الأمر الذي يدعو للدهشة والإعجاب أيضا في نفس الوقت.

فهم يفضلون الخروج للتصويت فيما يخص الوطن ويرفضون الخروج للتصويت لصالح أشخاص ربما تبدو مجهولة أو مشبوهة التوجه أو محفوفة بالأزمات الشخصية السابقة، والإعجاب أنهم يحبون أن يقفون بجوار رئيسهم في كل استحقاق ديموقراطي يضمن استقرار رأس النظام السياسي، هذه المواجهة القريبة المسافة والمساحة ليست بالضرورة أمنية بل مواجهة سياسية تتطلب الوعي بمطالب ومطامح المواطن المشروعة مع التأكيد على كلمة المشروعة أي التي تخضع للقانون .

وهذه المواجهة من مسافة النقطة صفر تقتضي بالضرورة أيضا تحييد الصورة الإعلامية القائمة لأنها بالفعل تضر بالنظام السياسي أكثر من نفعه وأن تركز على حجم الإنجازات السياسية التي تتم على أرض الواقع وأن ترصد بدقة حجم المشكلات والأزمات والتحديات التي تواجهها مصر وكيف تتحرك الدولة لحلها وإدارة الأزمة كل هذه الأمور من شأنها أن تخفض حدة الغضب للنقطة صفر أيضا وتبعد تفكير المواطن عن تلك الدعوات الخبيثة من أجل التظاهر وشيوع الفوضى في الشارع المصري.

وتقتضي الوطنية أيضا أن تدفعنا لتقديم النصيحة بإعادة النظر في المشهد الانتخابي المرتقب لانتخابات مجلس النواب وتحليل الطرح الإلكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر والذي يشير إلى احتقان الكثير من الوجوه المرشحة ومن القوائم الانتخابية الموحدة وهذا التحليل من أجل تصويب بعض الخطوات التي ستتم في المستقبل والتي تعيد تمام الثقة بين المواطن ونظامه السياسي.

إن مصر من قدرها أن تكون محط أنظار الجميع القاصي والداني، المحب والمكره والكاره، الوطني المخلص لبلاده والخائن لأرضنا الطيبة، هذا القدر هو الذي يجعلنا أكثر حرصا على استقراره وثبات نظامه السياسي لاسيما وأنني من الجيل الذي شهد إحداثيات فوضى يناير ويرفض أن تعود بنا الأيام إلى تلك الفترة غير الطبيعية في تاريخ مصر، وإذ أننا ننشد الاستقرار والطمأنينة بين طوائف المجتمع المصري فإنه على النظام المصري أن يواجه تحدياته الداخلية بقدر كبير من الحكمة والرؤية الثاقبة، وخصوصا أن مصر بالفعل تواجه تحديات اكبر وأخطر منها على سبيل المثال لا الحصر أزمة سد النهضة وتعثر المفاوضات المصرية الإثيوبية، والتحرش التركي على الحدود الليبية، وهذا التوتر الإقليمي في المنطقة .

 

الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

ـ أستاذ المناهج وطرائق التدريس.

كلية التربية، جامعة المنيا، مصر.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم