صحيفة المثقف

مركزية الرّجل وهامشية المرأة.. هل الأنوثة إيديولوجيا؟

علجية عيشقراءة في كتاب الفلسفة النسوية في مشروع ماجد الغرباوي التنويري للدكتور محمود محمد علي

(هل النسوية مذهب أم هي حركة سياسية؟ وهل الخطاب النسوي فلسفة أم مجرد لغو؟)

فلسفة جديدة استحدثها المفكرون والفلاسفة تختص بالأنثى أو كما عرفت بالفلسفة النسوية أو الفلسفة الأنثوية أخذت على عاتقها أن ترى الوجود كله بعيون الأنثى، ظهرت هذه الفلسفة مع قيام الثورة الصناعية، وشجعت الحاجة إلى اليد العاملة المرأة على الخروج للعمل، من هنا بدأ الفكر النسوي يظهر في شكل ثورة تطالب من خلالها المرأة بحقوقها نتيجة الإضطهد التي عانت منه في مختلف الديانات ومساواتها مع الرجل.

 هذا ما جاء في كتاب: (الفلسفة النسوية في مشروع ماجد الغرباوي التنويري) للدكتور محمود محمد علي، تحدث فيه عن ثلاث موجات نسوية شهدها العالم، ويمكن القفز عليها لأن الفرق الزمني شاسع وبعيد، وبين كل موجة وأخرى مرت أجيال وخلفتها أجيال أخرى بمختلف عقائدها وإيديولوجيتها وثقافتها وفي مختلف المجالات العلمية والفكرية، كانت للدكتور محمود محمد علي عضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط قراءة لقضايا "النسوية" في مشروع ماجد الغرباوي التنويري، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الغرباوي من المهتمين بقضية المرأة ومسألة تَحَرُّرِهَا، طرح فيه تساؤلات عدّة حول المنطلقات الفكرية لنسوية ما بعد الكولونيالية، وقضايا أخرى ذات صلة، كما ثبّت فيه مواقف الغرباوي، فهذا الأخير وضع مبادئ، أولها الدعوة إلى إقامة مجتمع مدني متحضر مبني على القيم والفضيلة باعتبارها قيم إنسانية أصيلة.

يرى الأستاذ ماجد الغرباوي أن تعريفه للنسوية feminisme وفقا للفلسفة المعاصرة القائمة على النقد والعقلانية هو تحرير وعي المرأة وإعادة تشكيله وفق رؤية إنسانية عادلة، والخطوة حسبه تبدأ باسترداد إنسانيتها واستعادة ثقتها بنفسها بعد تحرير الوعي والتخلص من عقدة النقص والدونية، مع توظيف الخطاب الديني العقلاني وقيم الحضارة الحديثة، ويفهم من هذا الكلام أن الأستاذ الغرباوي يدعو إلى نبذ التعصب الفكري، والتخلي عن الفروقات بين الرجل والمرأة طالما الإثنان يتميزان بالعقل، بمعنى أنهما يتساويان في مستوى التفكير، وينظران إلى الأمور بعقلانية، ولكون المرأة إنسان، والإنسان يجمع بين الذكر والأنثى، وبالتالي فإن تشكيل وعي الرجل بالمرأة يضعها على قدم المساواة معه، وعلى المجتمع أن يعترف بإنسانية المرأة، وإذا ما لم يحدث ذلك تبقى العلاقة بينهما ناقصة.

1823  الفلسفة النسوية

الواضح أن الأستاذ ماجد الغرباوي يقف إلى جانب المرأة ويدعمها لكي تحقق استقلاليتها في التفكير والعيش والمعاملة، أي تحقق مساواتها مع الرجل في كل شيء، باعتبارها شريك في الحياة، أي من حقها أن تقوم بما يقوم به الرجل بكل حرية، ولا أحد له الحق في أن يحاسبها أو يردعها، طالما أن الأحكام الشرعية كما يقول هو أحكاما نسبية، وليست ثابتة أو مطلقة، وهذا بالنظر إلى التحولات التي حصلت بعد أربعة عشر قرنا، صحيح أن المرأة قبل أربعة عشر قرنا ليست المرأة التي في العصر الحالي، فالزمن يتغير ويتغير معه نمط الحياة، فهناك أوجه اختلاف بين التفكير البدائي والتفكير الحداثي، وبالرغم من ذلك، يظل الرجل (المتعصّب) يرى نفسه أنه الأقوى وعلى المرأة أن تخضع له وتوافقه في كل شيء، ممنوع عليها أن تسأله أو تناقشه أو ترد عليه حين يغضب، ممنوع عليها أن تخرج دون إذنه أو دون علمه، ممنوع عليها أن تتحدث مع الأجانب لأنها بكل بساطة جنس ضعيف، تفكيرها ضيق بل ناقصة عقل ومهمتها محدودة.

الصراع اليوم هو صراع بين الرجل والمرأة، والعلاقة بينهما كعلاقة السيد بالعبد، وعلاقة المالك بالمملوك، حتى داخل الخلية الأولى التي هي الأسرة، وما تخلقه من مؤثرات نفسية، من خلال نظرة كل واحد منهما إلى الآخر من الناحية الجنسية والتغيرات الفيزيولوجية، كل هذه العوامل تلعب دورا هاما في ترقية الوعي الأنثوي، الواقع أن المرأة لا تكون متقدمة أحيانا عن الرجل، فنحن نرى أن المرأة في فترة الحمل مثلا أو أثناء وضعها جنينها وفي اوقات الرضاعة قد تتأخر عن الرجل في كثير من المجالات، ففي الفترة التي تكون فيها "نفساء" مثلا يكون هو قد قرأ كتبا أو أجرى أبحاثا أو شارك في ملتقيات، أو أنجز مشروعا، هي مدة زمنية يصعب على المرأة استدراكها وبالتالي يكون الرجل قد حقق نجاحات، لم تستطع حي تحقيقها في تلك الفترة، وهنا يمكن القول أن هناك فارق زمني بينها وبين الرجل، ولذا يرى بعض الرجال أن المرأة غير كاملة وأنها خلقت للفراش فقط والإنجاب وتربية الأولاد.

أما المحددات الأخرى لاسيما التي تتعلق بالخطيئة حيث لازمت هذه الأخيرة المرأة منذ ظهورها لأول مرة ممثلة في "حوّاء"، والسؤال هنا: لماذا التصقت الخطيئة بالمرأة وحدها دون الرجل؟ طالما الله يحاسب الإثنان إن وقعا في الخطيئة، وإذا كانت المرأة ناقصة عقل، كيف استطاعت أن تؤثر في الرجل؟ ثم أن الرجل ارتكب هو الآخر خطيئة وهي سفك الدماء (قصة قابيل وهابيل)، لكن المجتمع لا يحاسب الرجل لأنه (ذكر) والمرأة كأنثى معرضة دائما للأخطار، ولذا هي مطالبة بعدم الخروج من البيت إلا بوجود "مُحْرَمٍ" حتى لا تتعرض للأذى (الإختطاف والإغتصاب) ولا تجلب العار والفضيحة لأهلها، وهنا نتساءل ماذا يقصد الاستاد ماجد الغرباوي بنظرية "الخلافة"؟هل هي خلافة المرأة للرجل في أمور الدين والسياسة مثلما نراه اليوم نساء يدرن شؤون الدولة، تنافس الرجل في اعلى مناصب القيادة والمسؤوليات والسؤال يطرح نفسه: هل نحن في مجتمع رجولي أم ذكوري؟ وكيف ينظر الرجل لحرية المرأة، وماهي حدود هذه الحرية، هل حريتها تعني أنها تكون "مسترجلة"، تضرب زوجا إن اعتدى عليها، ويكون لها أصدقاء .

نرى أن الأستاذ الغرباوي تحدث عن فئة معينة من النساء وهن المثقفات، ولم يتطرق إلى فئات اخرى لم تسمح لهن ظروفهن في بناء أنفسهن ويكون لهن دور في المجتمع، فأجبرتهن الظروف على دخول عالم الجريمة، فكما نرى المرأة تقود الطائرة وتترأس حزبا سياسيا، هناك من تقود جماعة إجرامية، ونجدها ضمن صفوف الإرهاب (انتحارية)، ولكل فئة نسوية لها "خطابٌ" ؟ الواقع أن تأسيس فلسفة نسوية عالمية يأتي بعد تشخيص واقع المرأة في المجتمع الغربي، وواقعها في المجتمع العربي والإسلامي مع مراعاة جانب العادات والتقليد، فالمرأة في الهند أو في الصين أو المرأة التي تعيش في مجتمع متعصب دينا تختلف عن قريناتها في دول أخرى أكثر تحررا مثلما نراه في المجتمع الأمريكي، نرى أن مثل هذه المسائل تحتاج إلى إعادة نظر، أي "النسوية الراديكالية" التي تحدث عنها الغرباوي، مع تحديد بعض المفاهيم مثل عبارة أن المرأة متاع الرجل، هل يريد الأستاذ ماجد الغرباوي الإشارة إلى عهد الجواري، وحق السيّد في أن يضاجع جاريته وينجب منه أطفالا؟، ثم أن صاحب الكتاب استعمل مصطلح "الذكور"، الحقيقة لا نعرف ماذا يريد الأستاذ الغرباوي بهذا القول، هل هو غياب المجتمع الرجولي؟ أم أن العالم اليوم هو عالم بلا رجال؟.

و لو عدنا إلى السياق الزمني، نلاحظ أن هناك أصوات عربية تحدثت عن حرية المرأة وإعادة لها حقوقها على غرار قاسم أمين الذي أصدر كتابا عن تحرير المرأة عام 1899 قبل أن تتحرك أمريكا، فمشكلة المرأة مشكلة تاريخية تعود إلى ما قبل مجيء الإسلام، في عهد الأنبياء والملوك، كان النساء طبقات (الحرائر والجواري)، كما ظهرت كتابات حول النسوية انطلقت من أرضية إيديولوجية أكثر منها دينية، وإضافة إلى الأسماء التي ذكرها الأستاذ ماجد الغرباوي على الصعيد العربي كهدى الشعراوي، نوال السعداوي، جميلة بوحيرد، عائشة عبد الرحمان،هناك أسماء شخصيات نسوية معروفة عالميا وكان لها دور سياسي بارز، لم يأت ذكرها مثل أنديرا غاندي وبنظير بوتو التي كانت لها مساهمة قوية وفعّالة في بناء الفكر الديمقراطي وغيرهن.

فموضوع النسوية له سياقات تاريخية تعود إلى القرون الأولى، اي منذ ظهور البشرية، ولا أحد يعلم كيف تعامل سيدنا آدم مع حواء، وكيف تطورت العائلة "الآدمية"، الحديث هنا يقودنا إلى الحديث عن موقف المفكرين والفلاسفة من الآدمية التي يراد بها "ثنائية المرأة والرجل" والعلاقة القائمة بينهما، وهذه العلاقة تقوم على مبدأ أو قاعدة تحقق إنسانيتهما، لأن كل علاقة تقوم على بُعْدٍ واحد أو مستوى واحد تكون ناقصة، وقد تكلم العديد من المفكرين والفلاسفة عن آدمية الإنسان، أي "الثنائية الذكرية والأنثوية"، فإذا حدث انفصال بين الزوجين مثلا، فهذا يدل على أنهما غير متكاملان من ناحية الوعي، أو أن ثنائية الوظيفة الجسدية والنفسية لكل منهما غير متكاملة حتى لو أنجبا أطفالا..

و الحق أن كلمة" آدم" لا تتضمن معنى الرجل بقدر ما تعني الجنس البشري، أي الإنسان الواحد في الزمكان ولما كان الجنس البشري منذ نشأته ذكرا وأنثى، فيمكن القول أن الرجل آدم والمرأة آدم، الرجل إنسان والمرأة إنسان، وليست إنسانة، ولذا تضفي صفة الآدمية على الرجل والمرأة معا، وهو ما أشار إليه الأديب السوري ندرة اليازجي في دراساته عن حضارة البؤس تطرق فيها إلى"الظاهرة الإنسانية"، وقال أن صفة "الآدمية" ليست صفة ذكرية، إنما الرجل والمرأة بقطبيه، فمن هنا أصبح الحديث عن "الذكورة" غير مجدي في عصرنا الحالي، طالما المجتمع مركب من رجل وامرأة، أمّا أن تخرج الآدمية عن خطها الأحمر مثلما ما نقرأ عنه اليوم (جمعية فيمن) فتلك هي الطامّة .

المسألة هنا تتعلق بالخطاب النسوي وهو إن صح القول موضوع قراءتنا لمشروع النسوية عند الغرباوي، وخلاصة القول أن الكثيرين من اغفلوا إشكالية الخطاب النسوي ومقارنته بالخطاب الرجولي، فالدراسات التي جاءت في إطارها الإيديولوجي ترى ان التمييز الشِقّي استراتيجية قمعية يستعملها الرجال لتعزيز سلطتهم على النساء، إذ يرى البعض أن الخطاب النسوي يعبر عن المعارضة، فحبذا لو نقف على موقف الغرباوي من الخطاب النسوي، إن كان فلسفة أو مجرد لغو، وكيف يمكن مقارنته مع من تناولوا هذا الموضوع، إذا قلنا أن الخطاب النسوي يختلف من امرأة لأخرى، فخطاب المرأة المثقفة يختلف عن خطاب المرأة الماكثة في البيت، كما يختلف خطاب المرأة المحافظة عن خطاب المرأة المتحررة، كما يختلف الخطاب النسوي السياسي عن الخطاب النسوي الأدبي، فقد شهد القرن التاسع عشر ظهور أديبات على غرار الأديبة الرحالة ألكسندرا دافيد نيل alexandra david neel، التي كتبت عن رحلتها إلى منطقة التيبيت في بداية القرن العشرين، وقد أشار الأستاذ ماجد الغرباوي إلى اسماء أخرى في كتابه وهكذا..

 والخطاب النسوي لا يعني امتلاك المرأة حشودا من الكلمات، بل هو قد يتجاوز اللغة، بحيث يكفي  التعبي بحركات وسلوكات وما إلى ذلك، مما يؤخذ على أنه وصف لجوهر "الأنوثة"، وقد تحدث كثير من المفكرين والفلاسفة عن إشكالية الخطاب / الخطابات حيث قال أن هناك خطابات متعددة، وهي تختلف فيما بينها، واشار فوكوياما إلى خطاب النسائية وخطاب الأنثوية، وقد عرف فوكو الخطاب بأنه مجموعة من الآليات الخطابية التي تحدد ما يمكن أن يقال وبأي صيغة، كل من درسوا فوكو يجمعون على أن النظيرية النسائية استلهمت أعماله حول استعمال الخطاب لأغراض نسائية، ووقفوا على حقيقة انه من الصعب ترجمة أعماله وتحليلها خاصة موضوع " الجنسانية" التي تتعلق بهستيريا الأنثى، إلى حد أن من يسمونهم بـ: " النسائيين" يرون أن الأنوثة إيديولوجيا تفرض على النساء، ولذا يرى رجال السياسة أن السياسة بدون امرأة تشعرهم بالفراغ، فهم لا يستغلونها في الإنتخابات فقط، بل في الإشهار وفي تظاهرات عرض الأزياء مع إبراز مفاتنها لجلب انتباه الرجل وتحريك شهوته، وقد أشار المفكرون إلى رؤية الرجل لجسد المرأة دون روحها النقية، وعدم رؤيته لهذه الروح قد تقوده إلى الانحراف، عكس المرأة، فهي عندما تتعلق بالرجل فهي تنظر إليه شيئا كاملا متكاملا (جسدا وروحا). 

موقف ماجد الغرباوي من المدارس النسوية

تسعى المدارس النسوية بتعدد أفكارها وإيديولوجياتها لإعطاء وجها جديدا للمرأة في إطار التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي، وتحديد العلاقات بين الجنسين، وصولا إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجي، وقد انقسمت المدارس النسوية في خطاباتها بين خطاب معتدل وسطي وخطاب متشدد متطرف وتولد عن هذين الخطابين العداء والصراع بين الجنسين، والأستاذ ماجد الغرباوي مفكر تنويري وناقد عراقي له عدة إصدارات في مختلف المجالات الفكرية نذكر منها إشكاليات التجديد، النص وسؤال الحقيقة، تحديات العنف، مواريات النص وغيرها

مرت المدرسة النسوية بعدة مراحل وموجات من أجل تمكين المرأة في المجالات المختلفة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، معتمدة في ذلك على عدد من المفاهيم الرئيسية خلال مراحلها المختلفة من أجل تفسير الواقع السياسي، فنجد من هذه المفاهيم كلمة "الجندر" (Gender) الذي ظهر مع كتابات سيمون دو بوفوار، وهو يعني النوع الإجتماعي الذي يمكن القول أنه أصبح المفهوم المركزي للحركة النسوية كلها، وقد واجهت المدرسة النسوية بكافة مراحلها موجة انتقادية وهجومات واتهامات كذلك، بحجة أن هذه المدرسة تأسست لضرب الأسرة وتدميرها كمؤسسة أولى في التنشئة الإجتماعية، خاصة ما تعلق بـ: "الجندر" نظرا لكون هذا المفهوم يخرج عن الإطار المجتمعي والثقافي، كما يتعارض بشكل صريح مع الأطر الدينية التي تتبناها المجتمعات العربية والإسلامية.

في معرض رده على سؤال د. محمود محمد علي حول الأطر الثلاثة للنسوية: (النظرة النسوية الإصلاحية، النظرة النسوية المقاومة والنظرة النسوية المتمردة) حيث تسعى الأولى إلى تحسين ظروف المرأة والإرتقاء بأوضاعها الإجتماعية، والثانية تركز على العنف والقهر الجنسي الموجه ضد المرأة، قال الأستاذ ماجد الغرباي في ص157: (إن قضايا المرأة متشعبة ومركبة، وتسويتها تقتضي تفكيك أنساقها، والبحث عن جذر القهر والإضطهاد)، ويرى أن هدف النظرية الإصلاحية إصلاح أحوال المرأة المعيشية والإقتصادية فيكون الإستغلال وجهتها (وهذا النوع من التشخيص لا يمس جذر المشكلة، ويعالج قضايا فوقية، رغم الأهمية الاقتصادية)، دون التعمق في القضايا الجوهرية العميقة التي تواجهها، وهنا يتساءل الغرباوي إن كانت المشاكل الإقتصادية بديل عن الوعي ودوره في تعزيز القيم الإنسانية. الملاحظة التي سجلها ماجد الغرباوي ان مشكلة المرأة هي ثقافية عامة يشترك فيها الفرد والمجتمع، فلا هي مشكلة أنثوية ولا هي ذكورية.

وقد تناول ماجد الغرباوي بالنقد والمراجعة المدارس النسوية، وبين موقفه منها، كالمدرسة النسوية الاصلاحية، الاشتراكية، الماركسية، الرادكالية، الردكالية المتطرفة. كما قارب مسألة النسوية العربية أو ما سماها العرب إسلامية. وبين خصائص البيئة والثقافة، وضرروة أخذهما بنظر الاعتبار حين معالجة قضايا المرأة. وهناك تفصيلات كثير يمكن مراجعته ضمن صفحات الكتاب.

لقد حظي فكر ماجد الغرباوي باهتمام كثير من الباحثين الأكاديميين والمختصين في الفلسفة ومنهم الدكتور محمود محمد علي، الذي قدّم لمشروع الغرباوي قراءة فلسفية، عرض فيها أفكاره وموقفه من القضايا المطروحة لاسيما التي تلقى جدلا بين الباحثين والمفكرين، سيما في هذا الكتاب وآرائه حول الفلسفة النسوية، ما جعل الغرباوي يدعو إلى إعادة تشكيل الوعي من خلال تفكيك الأنساق الثقافية والمهيمن الفكري، وتشكيله على أسس إنسانية، حيث ينظر للمرأة نظرة إنسانية عادلة، وذلك عندما تحدث عن الوظيفة البيولوجية للمرأة ، إذ يرى أن هذه الوظيفة كانت وراء تصنيفها، فهي بالنسبة للرجل جسد، مرتهنة لقوته وإرادته جنسيا. يقول في ص163: (لا يخفى أن الوظيفة البيولوجية للمرأة كانت وراء تصنيفها. فهي بالنسبة للرجل جسد وطبيعة بيولوجية مغايرة). ويوضح الغرباوي كيف كان ينظر الرجل للمرأة في القرون التي خلت ، بحيث كان ينظر إليها نظرة مقدسة بل يضعها في مرتبة الألهة، بخلاف اليوم أسقطت منها صفة القدسية وأصبح ينظر إليها نظرة دونية، ويرجع الغرباوي هذه الأحكام إلى الفارق البيولوجي أو الجنسي للمرأة والرجل ، أما موقفه من "الجندر" عندما تحدث عن أساسيات الجغرافية النسوية وقال أن دراسة الجندر ومظهر الأرض أو كما يسمى بـ: "اللاندسكيب" وتقصي أثر النوع والخلفية الثقافية والإجتماعية للإنسان في تشكيل هذا المفهوم ، إلا أنه يوضح أكثر، أن مهمة الجندر نقد وتحليل النظرية التي تعتقد أن الفوارق الإجتماعية بينهما تم تزويرها لتعزيز السلطة الأبوية، وخلق قناعة لدى المرأة بأن مهمتها محصورة بالأمومة والمنزل.

من هذا المنطلق يبدو أن المفكر التنويري ماجد الغرباوي يؤيد الثورة النسوية المتوازنة ودورها في بناء الوعي في رده على الراديكالية المتطرفة التي تبيح الإجهاض وإقامة العلاقات الجنسية الغير شرعية، وحق المرأة في ممارسة السحاق، وماشابه ذلك وهو بذلك يتحيز إلى ثورة فكرية ثقافية يكون التنافس الفكري فيها مسموحا ومشروعا، أي دون هيمنة فكرية أو تعصب فكري و بعيدا عن ثقافة "الندّية" ، وكان الأستاذ ماجد الغرباوي قد ناقش مثل هذه القضايا في كتابه: " المرأة والقرآن" وأعطاها أبعادها الفكرية والإجتماعية والدينية ، لاسيما قضية حجاب المرأة، وعاد به إلى زمن الرسالة المحمدية، حيث ربطه بالحياء والإحتشام، ونقف هنا مع موقف الغرباوي عندما قال: "هناك من ترتدي الحجاب عن قناعة باعتباره شعيرة دينية، وهناك حجاب تفرضه العادات والتقاليد، وثمّة حجاب يخفي تمردا أنثويا" ، وممّا تقدم يطالب الغرباوي بإعادة قراءة حكم الحجاب في الشريعة ودعوات خلعه وحالات التمرد عليه من باب نظرية العبودية، خلاصة القول يلاحظ أن ماجد الغرباوي التنويري يسير على نهج الكثير من التنويريين، إذ يطل على منطقة الفكر على أساس أنها ساحة معرفية مشتركة تقع على خطوط التماس مع الدّين والفلسفة والسياسة لإرواء عطشه الفلسفي.

  

قراءة علجية عيش مع ملاحظات

..............................

* عن الخطاب الأنثوي عند فوكوياما أنظر كتاب الخطاب لسارة ميلز ترجمة يوسف بغول

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم