صحيفة المثقف

(ثلاثية اللوحة الفارغة) رواية فنية بين لغة التشعير السردي والتشكيل الصوري الفني

جبار ماجد البهادليقراة في تجليات السرد المنثور

إذا كانت اللغة قديماً في منظور ابن جني (بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) والتعبير هنا اشارة واضحة ودقيقة إلى الناحية الصوتية والاجتماعية، كونها نسقاً كونياً إشارياً ورمزياً للمعرفة الإنسانية، فأنها لا تختلف كثيراً عما قاله المحدثون من الناحية التداولية،أي وضيفتها التداولية المناطة بها. وهذا يعني أن هناك فرقاً واضحاً بين مفهومي اللغة والكلام، أي أن اللغة شيء والكلام شيء آخر. واللغة كما يراها عالم اللسانيات الحديثة السويدي فرناند دي سوسير قائلاً : (أن اللغة والكلام عندنا ليسا بشيء واحد، وإنما هي منه بمثابة قسم معيَّن وإن كان أساسياً) أي أنها نتاج اجتماعي لملكة الكلام. والكلام أياً كانت أصوله أو مذاهبه أو مرجعياته الرئيسة (وحياً أو توثيقا أو تواضحاً أو اصطلاحاً أو محاكاة للطبيعة)، فإنه نتاج هذه اللغة الأم وتكوينها .

إن ما أريد أن قوله من خلال هذه التوطئة اللغوية الميسّرة إن النتاج الفكري الذي ينتجه المبدعون المحدثون شعراً أو نثراً هو نتاج وصنيعة هذه اللغة الخالدة في تطورها الزمني الطويل، وعبر آليات مختلفة من حيث المستوى النظري المنهجي أو الإجرائي التطبيقي، كونها لغة تعبيرية نفعية للإنسان . وقد اختلفت المستويات الأسلوبية الإبداعية في التعبير عن هذه اللغة اختلافا فنياً مغايراً من كاتب لآخر وفق ما يمتلكه الصانع الماهر من أدوات تعبيرية خلاقة تتحكم فيها محمولات ملكة استعداده الفطري الذاتي، واستعداده الثقافي المعرفي المكتسب الذي يكتنزه في خزين هائل من الثقافات المعرفية والإنسانية المتعددة الرؤى والاتجاهات .

لا شك أن هذا التمايز اللغوي الفارق بين هاتين الصفتين يشكل بوناً واسعاً وعلامة لافتة للنظر بين شاعر أصيل مبدع، وشاعر آخر لا يمتلك من لغة الشعر البيانية إلا الغثاء الجافي والهذيان العابر، وبين سارد رصين مُحكَم في لغته الجزلة واقتصاده الأدبي المتوازن، وآخر سارد ناثر لا يجيد من لغة النثر السردية سوى الأنشاء التقريري والثرثرة لملء الفراغ بالزبد غير النافع .

ويبدو أن هذا الأخير هو الغالب الذي كَثُرَ انتشاره الغَثُ، وتوسعت سطوته الركيكة عل حساب السمين المملوء فناً ولغةً. وربما تعود أسباب ذلك الى انحسار دور الرقيب الثقافي أو انعدامه، أو لسبب غياب وقلة الموازين النقدية واختلاط المفاهيم المعرفية لفن الرواية السردي لذلك شهدت الأوساط الثقافية عراقياً وعربياً ظاهرةٍ جديدةٍ، وإن كانت لها جذور قليلة تتمثل لدى بعض الطارئين على هذا الفن السردي بتضخيم حجم ولغة الرواية شكلاً لا مضموناً، كماً لا نوعاً دون النظر إلى آليات وشروط كتابة هذا الفن العالمي الحديث، وتدبّر قواعد قراءته من خلال تحشيد الألفاظ والعبارات والتراكيب اللغوية المصفوفة زخرفياً وفنياً بحكايات قصصية طويلة، وتصييرها شكلاً كتابياً على أنها رواية (كماً وكيفاً)متغافلين الوقوع في حبائل شرك الاقتصاد الأدبي، وتوفير الصحيح .

(ثلاثية اللوحة الفارغة) رواية واقعية حديثة للكاتب المبدع عبدالرضا صالح محمد، والصادرة عام 2015 بثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت / لبنان . وتتألف هذه الرواية من سبعة فصول متقاربة، جعل فصلها الأخير تتمة وخاتمة شائقة لفصولها، واللافت لفصولها السبعة أن الكاتب وسم مطالع هذه الفصول بمقدمات عنوانية، وقولية نصية لأبرز المشاهير من الكتاب والأدباء العالميين لتكون مرآة عاكسة وتعضيداً وإسناداً لوحه بنيات فصولها. وجاءت الدلالة اللغوية لهذه النصوص المتفردة تقنياً نصا ًموازياً لثيمات وأنساق النص الأدبي السردي الذي هو متن الرواية ووحدتها العضوية الكبرى.

إن قراءة متأنية فاحصة لأساليب السردية المعاصرة في التكوين اللغوي ل (ثلاثية اللوحة الفارغة) يُجيل بنا النظر عميقا إلى أن ندوس خلالها أرض هذه اللوحة الفنية الرامزة، ونقتفي آثار هندستها اللغوية المائزة، وجماليات أنساقها الثقافية، وأشكالها اللفظية المعمارية بقراءات تأويلية مُتجددة الألوان من حيث صيرورة رؤيتها الفكرية، وضبط ثيمات إيقاعها السردي المتضاد زمانياً ومكانياً وعُقداً وشخصيات، ومن ثمة الإيغال في مستويات نصّها السردي، والكشف عن منعطفات وتلوين بنياته التركيبية والدلالية والمعجمية، وتفكيك شفرات رموزها اللغوية التي ينتجها السياق المعرفي الدلالي للنص السردي جمالياً وفنياً، باعتبار أن اللغة كونا دلاليا قابلاً للتأويل. كل هذا الاشتباك النقدي لمستوياتها الثقافية وإنتاجها الجمالي والمعرفي يجعلك أن تقف مندهشاً صامتاً أمام عتبة هذه اللوحة الرئيس متفكراً في إيحاء مدلولها الضارب بالتأويل والتحليل، باعتبار أن العنوان بطبيعته يشكل شفرة مهمّة من شفرات العمل الأدبي، ومفتاحاً سحرياً من مفاتيح جماليات الرسالة النصية التي تستنطق عقل المتلقي، وتفتح مغاليق دهشته الفكرية بمهمازها الحركي المباغت للوعي الذهني الذي تلتقطه أنظار القارئ للوهلة الأولى من ذلك المثير الحسّي. وطبيعة الحال، إن هذه الشفرة العنوانية التي هي أساسا تمثل إيحائية رمزية دلالية مُتجلية في تركيبها اللغوي المكين، ونسقا معرفياً ثقافياً مرجعياً من أنساق العمل السردي الذي اكتملت خريطته التكوينية بثلاثة أبعاد وجوه نسوية في لوحة سردية واحدة مما يجعلها أن تكون تقنية سيمائية جديدة ونصا ًبارزاً موازياً للنص السردي الذي يقف وراءه السارد مضمراً ومُتجلياً بما تُفضي وتؤول إليه فضاءات الرسالة النصية .

(ثلاثية اللوحة الفارغة) ذات الأبعاد الثلاثة وجوه بشرية لثلاث نسوة أحبها مختار بطل الرواية الرئيس، فالوجه الأول يمثل وجه (مريم) حب الطفولة والبراءة والعفاف، والوجه الثاني يمثل وجه (ديدكا) الفتاة ذات الأصول الروسية التي جاء حبها عرضاً ورغبة وتعويضاً جنسياً وشبقاً عن حبه الطفولي الأول، أما الوجه الثالث من هذه اللوحة الأثيرة يُعد الوجه الأبرز والأهم فيها هو (زينب) التي تمثل الحب الحقيقي العذري لحياة البطل، فضلاً عن كونها رمزاً للبعد الثالث الذي تكررت وجوهه في الأبعاد الثلاثة لهذه اللوحة.

ولكل وجه من هذه الوجوه الثلاثة جاءت لغة السارد النثرية تحمل معادلاً موضوعياً مشتركاً بين رسم هذه الوجوه بلغة توصيفية نسقية رشيقة تُميّز كل وجه عن الوجه الآخر من حيث جماليات الدلالة اللغوية الفنية والتسريدية لأبعادها التوظيفية. وقد عمد الكاتب إلى أن يتحدث بلغة قوية هي لغة ضمير المتكلم الحاضر على لسان شخصياته الرئيسة والفرعية في بناء وسرد أحداث روايته، لذلك احتلت الأفعال الماضية المقترنة بتاء الفاعل، ولزمنية الحاضر ـ كدلالة حدثية زمانية ـ القدر الأكبر من فضاءات السرد الروائي (تذكرتُ ـ جلستُ ـ هممتُ) .

فمن بين الشواهد التي يتماهى فيها السارد بلغته التصويرية الشفيفة مع زينب الشخصية المحورية الثانية من أبطال روايته، فيروي سارداً على لسان حالها في توصيف حبها لبطل الرواية مختار متذكرة إياه (رأيته هنا، وهنا، وهناك، ابتسامة عبق فواح ملأ الفضاء، أو رفرفة جناحين بين الأغصان، أو لحناً سحرياً هادئاً، أو قبسا من نور ينير الظلام، فتحتُ عيني وعطره يملأ أنفاسي، وصوته يُجلجل في ذاكرتي، وهيأته ما تزال تملأ كياني وروحي). ص (17). وبهذه اللغة رسمتْ أحلامها وآمالها وتطلعاتها الفكرية والاجتماعية .

وفي معرض الحديث عن (ديدكا) الوجه الثاني من اللوحة التي بُنيَّ حبها على أساس من الرغبة الجسدية، وبدافع جنسي محض تأتي لغة السارد منسابة من لغة التفاصيل اليومية التقريرية إلى لغة يرتقي بها إلى مناص الفنية التشكيلية التي انماز بها بطل الرواية مختار باعتباره كائناً روائياً مثقفاً ورساماً تشكيلياً بارعاً. فتروي حبيبته زينب ما تعتمل ريشة هذا الفنان من أفكار وتداعيات مسوغة في الوقت نفسه أسباب رسم هذه اللوحة بالقول : (لهذا لم يضعها ضمن لوحاته، بل ترك إحدى زواياها بلطخ لونية قاتمة فارغة، ليكتفي بثلاث زوايا). ص 35، إذن اللغة الإشارية لرسم اللوحة من وجهة نظر السارد لم تكتمل فنياً، ولم تنته سردياً بعد ...

لن يكتفي عبدالرضا صالح محمد بالفضاء اللغوي السردي المعتاد للرواية بل ينعطف بلغته التسريدية إلى كون من كوائن البلاغة الحديثة في إزاحة لغوية تحويلية وتناص تاريخي إيحائي ليسقط فيه أحداث ألف ليلة وليلة الأسطورية على شخصية مركزية واقعية من أبطال روايته كنسق ثقافي ومرجعي يرمز به الى شخصية زينب الشخصية المجددة لحياة البطل مختار، ويُماهي بها رمزياً شخصية شهرزاد التاريخية المنقذة من الهلاك المحدق : (شهرزاد الأنثى التي أوقفت نزيف الدم الذي كان شهريار يمارسه كل ليلة من لياليه بطريقة بشعة، لا يقبلها العرف ولا المعتقد، لذلك كانت تضحيتها كبيرة جداً في راحتها والسهر الطويل لتروي له حكاية من أجل بنات مدينتها، التي لم تعرفهن أصلاً، إذن فهو يعتني (مختار) ويقصد بقوله : أنت يا زينب تضحين بشبابك من أجلي) ص 36 وفي هذه المقاربة السردية اللغوية لوقائع التاريخ مع الحاضر جاء التضمين متوافقاً مع شخصيتي الرواية المحوريتين شكلاً ومضموناً.

وبهذا التوصيف اللغوي التضميني الذي يؤرشف به تاريخاً ثقافة شعب، وتراث حضارة أمة تُحيلنا عبارة السارد (شهرزاد تعبث بأوراق الخريف)ص 36 التي وضعها بطل روايته عنواناً فرعياً بارزاً للفصل الأول من روايته الى دلالة لغوية سيمائية تشعيرية تجلّت بما أحدثته زينب أو (شهرزاد) من تغيير إيجابي طال حياة بطلي الحكايتين دون السقوط في هاوية المحظور السلبي.

وحين تُجيل النظر في مطلع فصله الثاني تطالعك مرة أخرى عبارة (شهرزاد تعبث بأوراق الخريف) تلك العبارة الأثيرة التي وسمها بطل الرواية لفصله الأول، حيث تتنامى بتلقائية سلسة لغة معجمه السردي النثرية الى لغة شعرية مكتنزة يهمس بها تارة بلغة تدفقية عذبة تميل الى تشعير النثر وتصويره فنياً إذا جاز لنا التوصيف، وتارة أخرى يجنح بها إلى مصاف التقريرية الجادة، حيث تكون لغة الحوار اليومي المألوف الذي يُجَسِدُ فيه إرادة وعزيمة بطله مختار مردداً: (فليس شيء يثنيني عن إرادتي، سأمتطي العاصفة الرعناء، وأطارد الغيمة الهائمة في وكرها، وأركب الموجة العاتية في محيطها، وأصنع الحروب، وأقاتل الأشباح التي تحول دون ذلك، وتهدد كياني، وتتحدى وجودي بسيوف من نار، فقد مضى العمر وجار بي الزمن لخمسين عاما من الألم والوحدة القاتلة...) ص 41ـ 42. إن هذه التلقائية في التشعير اللغوي الذي تبوح به عقلية بطله وتنفذه دخاناً سردياً نافعاً كانت السلوى الوحيدة والملاذ النفسي الآمن له في الحياة، ولولاه لفقد عقله وتحوّل الى مصح عقلي للأمراض النفسية .

وعبر مجسات أثيره النصي ينقلنا السارد بخفة لغوية إلى مشهد درامي آخر من مشاهد بطل روايته الذي يترنم بخيلاء وزهو بجمال حبيبته صوتاً وحركةً وطلَّةً بلغة تصويرية مدهشة تنم عن براعة حسية تجريبية ذاتية لافتة: (تهفو مجلجلة كأنها رشفة نسيم عابر، أرقبها من نافذة الغرفة، أهفو لرؤيتها بتأن ساعة طلتها عبر الزجاج نافذة القسم) ص 46 وكأننا هنا نرى أو نتأمل لوحة أو مشهداً فنياً تتوالى فيه حركية الأحداث بتتابع صوري متناغم ثم يمضي بنا السارد قدما متنقلاً بلغته الشفيفة واحاسيسه العذبة الى موضع تسريدي آخر يًوظف فيه طواعية اللغة توظيفاً حسياً ينسجم مع الدلالة السياقية التركيبية للحدث السردي الذي تسمو فيه الأفعال الافتراضية بحركتها الإيقاعية الرومانسية لتعزف قولها: (رقصت بما أُتيت من مهارة، ولما تعبت ألقيت بجسدي على السرير، وفتحت الكتاب ووضعته على صدري، أحسست وكأن (مختار) قريب مني، وأن عطره يملأ فضاء الغرفة ورائحته تفوح بين ثنايا صفحاته، وأن أنفاسه تحيط بي، أغمضت عيني، ونمت والكتاب على صدري حتى المساء) ص 50

وحين نتوغل بتجلٍ في مهيمنات السارد اللغوية، وننقب بتؤدةٍ عن آثار هذه السردية في معجمها اللغوي السياقي تنهض بنا لغة الكاتب قائمة لتتحول من لغة تدفقية تشعيرية نَميرةٍ الى لغة حرب وهجوم ودفاع صارم وفق ما يتطلبه مقتضى الحال ولغة المقال زمانياُ ومكانياً لتقرع نذير أجراسها الضروس بواقعة الحدث فتعلن: (حاولت مرةً اختراق سواترنا الأمامية، وخرق قواتنا الدفاعية حتى بلغت قلب الميدان، وكادت أن تثبت رايتها في مواقعنا، وفي اللحظات الأخيرة من هجومها، أفشلتُ محاولتها وأجبرتها على التقهقر إلى مواقعها الخلفية) ص 57ـ 58 ولعل هذا الانتقال المفاجئ في لغة الرواية يدل بإيحاء على الجو النفسي الذي يمرُّ به ويعيشه بطلها مع من يقصدها كحبيبة أثرت به الانتقال من حال إلى آخر .

وفي المحطة الأخيرة من محطات تسريده اللغوي نقف متأملين إلى ما يراه الكاتب من أن لغة التلاعب بالمشاعر والأحاسيس، وخاصة المشاعر الرومانسية الساخنة والحميمة، هي لغة خاصة وصامتة لا يمكن فهمها إلا بعد محاكاتها والتعبير عنها بطرائقها الخاصة . ولننظر بقراءة خاصة إلى قاموسه اللغوي الباذخ في التعبير عن المدلولات الجمالية لامرأة تدعى (سيدة القصر) من أتباع نظام السياسي قبل التغيير، أثارته بغنجها المترف، فكانت استجابته لها تصويراً فنياً زاخراً بإمارات  الجمال البديعي الباذخ بالصوت والحركة والإيقاع الأسلوبي اللافت حتى (كاد صدرها أن ينطلق لجماله، كأن ثدييها فرسا سباق تتأهبان للقفز والوثوب من حاجز مرتفع وهي تحمحم وتقول: هيت لك، ما ذا تنتظر؟ كنت أحس بهذه اللغة، وأتوق الى اللعب بها، وأرتمي في أحضانها ... إلا أن المواقف الصعبة التي تباغتك ولا تعرف نهايتها هي التي حجزت بيني وبينها) ص 171 . وهذا يدلك على أن المواقف الصعبة هي التي تنتج لغة السارد.

ومن مصداق القول ونافلته أن نقرّ حقيقة هذه الرواية التي وضع أساس خريطتها الفكرية بطلها مختار الذي حال الموت بينهما دون أن يتمها، فارتأت حبيبته وزوجته زينب إكمالها وإتمام وجوهها الثلاثة كونها وجهاً بارزاً من وجوهها الفارغة التي جاد بها قلم ساردها عبدالرضا صالح محمد .

كل هذه التعددية في الانتقالات اللغوية تؤكد بصدق أن لغة الكاتب لا تقف ميّتة أو عاجزة الأداء عند حدٍ معين أو متناهٍ من حدود اللغوية الثابتة، بل تتخطى ذلك الخط إلى فضاءات لونية من التجدد اللغوي الذي يضفي على أسلوبية السارد شيء من روحه وفكره، فيأتي تسريده للجملة أو العبارة التركيبية متساوقاً مع ثيمة الغرض والجوّ الذي وظفت من أجله أصلاً .

ولا شك أن هذا التأصيل اللغوي اللّوني الذي إنماز به المعجم السردي للكاتب تُحتّم علينا أن نُثبّت حقيقةً تأصيليةً مهمة تدلّك بقصدية واعية على أن خاصية الاستعداد الفطري والمكتسب ثقافياً لموهبة الإبداع التي يتمتع بها عبدالرضا صالح تجمع بين ثنائية الفن الروائي السردي والفن التشكيلي رسماً الذي عرف به رساماً تشكيلياً قبل أن يشتهر روائيا سارداً. لذلك جاءت أغلب أعماله الروائية والقصصية المرئية منها والخيالية لا تخلو من هذه الثنائية المتجانسة جماليا وفنيا التي أضفى عليها أجزاء كثيرة من أفياء محطات سيرته الذاتية والفنية. موظفا موضوعاتها الحياتية الشائقة بقالب سردي محكم يتماهى فيه مع شخصياته الثقافية الرئيسة بأسلوبية واضحة وقصدية مائزة تشدك نفسياً إلى أن تتفاعل بعفوية تلقائية، ورغبة كبيرة مع مجريات أسلوبه السردي الحكائي الواثب، دون الشعور بالنكوص المفاجئ أو الممل أو الضجر أو الرتابة الممقوتة، فضلا عن الإيقاع الحركي الأسلوبي في تنغيم الجملة السردية الذي يوظفه كتابياً في التعامل الدلالي اللغوي للبنية السردية، والانتقال به جمالياً وفنياً من موضع لآخر.

 

   د. جبار ماجد البهادلي            

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم