صحيفة المثقف

هل تشكل الأيديولوجيا عتلة نهضوية في دول العالم الثالث

عدنان عويدإن الأيديولوجيا عندما تُستخدم عتلة نهضوية في مجتمع لم يحوز بعد على الظروف الموضوعية والذاتية التي تستطيع استلهامها، أو استهلاكها، أي التفاعل معها، أو تكون هذه الظروف ذاتها هي غير المنتجة لها، ستظل هذه الأيديولوجيا حكماً في حالة طيران أو مفارقة للواقع، أي تظل بعيدة عن متطلبات الواقع أو مطابقة قضاياه، وهنا ستتحول المشاريع الفكرية من خلال حملة مشروعها السياسي وبخاصة عند الأحزاب والتنظيمات السياسية، عند تطبيقها إلى وسيلة تفقد سماتها وخصائصها النهضوية، وتمارس قسراً لتغيير الواقع أو ليّ عنقه، وخاصة إذا كانت الحوامل الاجتماعية لهذا المشروع أو ذاك غير حوامله الحقيقيين المعبرين عن مصالح الجماهير الحقيقية في المرحلة التاريخية المعيوشة، الأمر الذي سيزيد من تعقيد هذا الواقع وتعميق أزمته بدلاً من إفراجها. وهذا ما تجلى بكل وضوح في محاولات التطبيق العملي القسري لهذه الأيديولوجيات على الواقع العربي وفقاً لمبدأ (سرير بروكوست) في بعض التجارب الوحدوية السابقة، أو بعض محاولات التنظيمات الإسلامية الجهادية مؤخراً كداعش والنصرة مثلاً. أي هم عملوا على ليّ عنق الواقع المتجاوز زمنيا في معطياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وحتى الأخلاقية بالنسبة لهذه الأيديولوجيات التي تحملها و تسعى لتطبيقها هذه التنظيمات الإسلامية السياسية الجهادية من جهة. أو تخلف هذا الواقع نفسه في ظروفه المادية والفكرية بالنسبة للأيديولوجيات التي تحملها الأحزاب القومية الاشتراكية، أو الشيوعية ولي عنقه أيضاً - أي الواقع - كي ينسجم مع هذه الأيديولوجيات السابقة في معطياتها النهضوية موضوع البحث، على اعتبارها ممثلة لمصالح الجماهير أو الشعوب بنظر الحوامل الاجتماعية لهذه الأيديولوجيات كم جهة ثانية.

إذن إن التعويل على أي مشروع فكري (أيديولوجي)، متعالي على الواقع - أي لا يشكل وعياً مطابقاً للواقع -  من أجل تجاوز تخلف هذا الواقع وخلق نهضة فيه، هو غير قادر بالضرورة على تفسير هذا الواقع وتحليل أوالية عمله (الميكانزيم)، وبالتالي لن يكون أكثر من محاولة للي عنق الواقع كما أشرنا قبل قليل، وفرض حلول لمشاكله من خارج ظروفه الموضوعية والذاتية. أي محاولة تغييره برؤى فكرية ذات طابع مثالي وحدسي وبراغماتي سطحي بالغالب، يعتقد حملتها أن هذه الرؤى الفوق تاريخية هي وحدها القادرة على تقديم الوصفات الجاهزة لكل زمان ومكان دون أي دون مراعاة لخصوصيات الواقع وطبيعة حركته وتطوره وتبدله، وهذا ما سيساهم بلا شك في تعميق أزمة هذا الواقع والأيديولوجيا المتعاملة معه معاً.

 

د. عدنان عويّد

كاتب وباحث من سورية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم