صحيفة المثقف

موسم من الطقوس الأبدية

سوران محمدلقد تم

إعلان تحرير العبيد

لكن البطل ما زال(١)

يحدق في الجثة التي

لفت بالكَفن

يسأل: من هو؟

- امرأة، تبدو وكأنها

ماري آن بيفان (2)

ترثي بکاءا من بين جموع،   

ترد بأبتسامتها المعذبة:

إنه الملك الشاب (3)

والراية البيضاء التي رفعها

قد وضعت علی جبينه

*

1849 سوران محمدخارج القصر

هنالك طقوس أبدية:

يدفن الغربان موتاها بوقار،

لا ينام قابيل (4) قرير العين

كلما وضع رأسه علی المخدة

يری الذئاب يطاردهما هو و يهوذا، (5)

بينما يدحرج سيزيف (6) 

صخرة کبيرة الی أعلى الجبل ...

وهكذا لن ينتهي

 هذا الموسم  من الطقوس الأبدية

***

سوران محمد

…………………

الهوامش:

(١) أبراهام لنكولن: رئيس الولايات المتحدة السادس عشر  ومحرر العبيد فيها  1809-1865 . وفقاً لصديق لنکولن  وكاتب سيرة حياته، فإنه قبل ثلاثة أيام من عملية الاغتيال، ذكر لينكون لصديقه عن حلم راوده، قائلا:  قرابة عشرة أيام، خلدت للنوم متأخراً جداً، لقد كنت أنتظر برقيات من الجبهة، لقد دخلت في نوم عميق بسرعة لأنني كنت متعباً، ثم بدأت أحلم، كان هناك سكون طويل، ثم سمعت تنهدات ضعيفة، وكأن هنالك عدداً من الناس يبكون. اعتقدت أنني تركت سريري وتجولت في الطابق السفلي، كان هناك سكون تكسره بعض الصرخات، لكن الباكين لم يكونوا ظاهرين، لقد تفقدت كل غرفة، لم أجد شخصاً، لكن الصرخات كانت تشتدّ كلما مررت، رأيت ضوءاً في كل غرفة، كل شيء كان مألوفاً بالنسبة لي، لكن أين كل هؤلاء الذين كانوا يبكون وكأن قلوبهم ستتحطم؟ لقد كنت حائراً ومذعوراً، ما معنى كل هذا؟ كنت مصمماً على معرفة سبب أمورٍ غامضة جدّاً ومروِّعة، بقيت على هذا الحال حتى وصلت إلى الغرفة الشرقية ودخلتها، هناك وجدت مفاجأةً مقززة، كان أمامي نعش داخله جثة محاطة بملابس جنازة، وحول النعش جنود موضوعة كالحراس، وكان هناك تجمع من الناس مغطاة وجوههم يحدقون بشكل حزين على الجثة، وآخرون يبكون. "من الميت في البيت الأبيض؟" سألت أحد الجنود، "الرئيس، لقد اغتاله قاتل" كانت إجابته، بعدها بدأ الحشد في البكاء بصوت عال، مما أيقظني من حلمي، لم أعد للنوم في تلك الليلة، وعلى الرغم من أنه مجرد حلم فقد صرت منزعجاً بشكل غريب منذ ذلك الوقت.

(٢) ماري آن بيفان 1874-1933 .  كانت شابة جميلة تعمل مُمرضة بإحدى مستشفيات بريطانيا وتزوجت وأنجبت بعد زواجها أربعة أطفال قبل ظهور المرض عليها. وحينما بلغت عامها الثاني والثلاثين أصيبت بمرض ضخامة الأطراف و طردت من وظفتها. بالرغم من كل السخرية والألم التي عانت منها ماري، استطاعت أن تربي أبنائها وتعلمهم، وكانت تقول لأبنائها وسط البكاء الليلي هل استحق أن أكون أم صالحة أم الجمال ما يصنع الأم الصالحة. وكان الأطفال يقومون برمي الحجارة والأوراق عليها في السيرك لأنها مُخيفة، وينادونها بالوحش المُخيف. لقد استعملت هنا کرمز.

 (٣) في صباح يوم 14 يوليو/ تموز 1958 استيقظ الملك فيصل الثاني١٩٣٢-١٩٥٨/ آخر ملوك العراق على أصوات طلقات ناريّة, أعلن الملك استسلامه وطُلب منه الخروج و من معه، وبعد تجمّع الأسرة في باحة صغيرة في الحديقة فتح النار عبد الستار العبوسي من دون أي أوامر وقد أصاب الملك برصاصتين في رأسه ورقبته. ويروي البعض ممن كان حاضراً في تلك الفاجعة المؤلمة أن الملك فيصل الثاني حمل المصحف فوق رأسه ورفع الراية البيضاء بيده وخرج ليسلم نفسه بطريقة سلمية حفاظاً على عائلته من الفناء ولكن حدث ما حدث.

(٤) قابيل: أحد أبناء آدم، أول من شرع في جريمة القتل علی وجه الارض غيرة و حسدا علی أخوه هابيل..

(٥) النقيب عبدالستار العبوسي: قاتل العائلة المالكة يوم ١٤ تموز ١٩٥٨.  أول ليلة بعد قتله الملك رجع الی البيت وبينما هو مستغرقا في نومه، رأى نفسه واقفا على باب نفق مظلم وعميق وكأن قوة ما تسحبه الى الداخل، ووجها بعيدا ينادية من مؤخرة النفق يكبر كلما تقدم منه حتى أتضحت معالمه جيدا، أنه وجه الملك فيصل مخضبا بدمائه كما رآه صباح اليوم . كان الوجه يناديه: ستار.. لماذا قتلتني يا ستار؟ سأبقى ألاحقك حتى ألاقيك يا ستار.. أتعلم أنك فتحت أبواب الجحيم على العراق بفعلتك هذه؟.. وبينما هو كذلك، دفعه ذلك الوجه الى بئر عميق مملوء بالدماء، فسقط فيه وهو يصرخ: أغيثوني.. أدركوني، حتى أستفاق من نومه على يد زوجته توقظه وتهدأ من روعه.

وصف العقيد الركن المظلي عدنان محمد نوري مشاعر النقيب (العقيد الركن فيما بعد) عبدالستار العبوسي نحو الملك والعائلة المالكة ونهايتهم المأساوية بما يلي:- بالرغم من ان العقيد الركن عبد الستار العبوسي لا يخفى على احد دوره في القضاء على العائلة المالكة الاّ ان الكثير لايعلم ماذا كان في خلجات المومئ اليه من انفعالات نفسية قادت المومأ اليه الى الانتحار في شهر شباط من عام 1970. وفي احدى الامسيات قال لي:- عدنان انك لم تعلم بأنني لم اذق النوم منذ قتلي الملك، وانه يأتي اليّ في المنام كنت اراه لابسا ابيض ويقول لي:- لماذا قتلتني؟ هل اصابك ضرر مني؟ هل قمت بخطأ ما؟ لماذا حرمتني لذة الحياة وانا في ريعان الصبا ؟ ويتكرر عليّ الكلام كل ليلة ولم اذق طعم النوم طيلة هذه الفترة فيا ليتني اموت واتخلص من معاناتي.

(٥) يهوذا الإسخريوطي، هو واحد من تلاميذ المسيح الإثني عشر ويسمى أيضا بيهوذا سمعان الإسخريوطي، وكان كتبة الأناجيل يركزون على ذكر لقبه لتمييزه عن الرسول يهوذا تدَّاوس. بحسب الأناجيل القانونية فإن يهوذا الإسخريوطي هو التلميذ الذي خان يسوع وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة.

 (٦) سيزيف أو سيسيفوس كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية،  فعوقب بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم