صحيفة المثقف

الموظفون ضحية سوء الادارة والموازنات المنهوبة

عبد الخالق الفلاحعاش الملايين من الموظفين والعمال خلا ل الاسبوعين الماضيين القلق وهم ينتظرون ثمرة جهودهم بعد شهر من العمل وهي الرواتب على أحرّ من الجمر رغم تأكيد "وزارة المالية بأنها ملزمة بالايفاء بالتزاماتها القانونية على رغم النقص الحاد في الإيرادات الذي يواجه البلد، وتتطلع الى التعاون مع مجلس النواب والجهات ذات الصلة من اجل وضع الحلول السريعة لمعالجة الازمة الاقتصادية والمالية الحالية "وهو العهد الذي لم تلتزم به مع الاسف.

العراق في الوقت الحالي يرواح تحت  ظلال اقتصاد يعاني من تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع حجم المديونة  التي تراكمت في السنوات الأخيرة من جهة، ولجوء الحكومات السابقة إلى سياسة الاقتراض مما زاد من حجم العجز وخاصة الخارجية منها ، وتسديد مستحقاتها وفوائدها رغم ان مقدار الاموال التي خصصت في الموازنات العامة الاتحادية للسنوات الست عشرة الماضية مهولة ومخيفة ومرعبة، وان مشكلة العراق ليس في الاموال بل في سوء ادارتها، ولم تكن هناك  نقطة شروعه من هذه الموازنات لمحاكمة من تسبب في هدر وسرقة هذه الاموال والتي قدرها وزير المالية الحالي د. على العلاوي ب250 مليار دولار وعام بعد عام تفاقم نسبة العجز الذي وصل الى ارقام مخيفة نتيجة استمرار آفة الفساد المالي والإداري المستشرية في هذا البلد منذ ابتلائه بالنظام الجديد وكانت المواطن يشعر بأنه سوف يعيش في ظلاله بنعمة كانت يفتقر اليها ولكن اصطدم في سوء الإدارة الذي تسبب بهدر معظم الموارد والثروات وذهابها الى جيوب الفاسدين، في البلد الذي يعتبر أحد أغنى دول العالم نفطا، فإن خُمس السكان تحت خط الفقر، وتعاني البنى التحتية من الترهل ولم يتم أبدا تجديدها، في وقت تبخر في 17 سنة ضعفا الناتج الإجمالي في جيوب سياسيين ومستثمرين مشبوهين وتهريبها الى الخارج في ظل غياب المحاسبة القانونية .

إن مبلغ المديونية العراقية كبير جدا، وذهب جزء الاكبر منه إلى جيوب الفاسدين وبعض الأحزاب السياسية، عبر المشاريع الوهمية في ظل غياب الشفافية منذ عام 2003 تقدر بالاف إذ اصبح العراق يوصف بأنه واحد من أكثر البلدان فساداً على مستوى العالم، حيث يحتل المرتبة متقدمة  من أصل 168 بلداً في تصنيف الفساد، وان ارتفاع نسبة الفساد فيه أصبح سبباً لهدر الموارد والثروات وفقدان التخطيط والإدارة لأموال الدولة لريعية الاقتصاد العراقي و الذي لا خلاص منه إلا بهدم الأساس الذي يعتمد علية  هذا الاقتصاد وعدم الاستفادة منه واستثماره بالشكل الصحيح ودون وجود ميزانيات ختامية سنوية كما يجب ان تكون و الحكومة تقف الآن عاجزة عن معالجة المشاكل الكبيرة في الموازنة السنوية، وتوجه صعوبات في إعداد مشروعها في وقت يعاني فيه البلد أزمة مالية خانقة ناجمة عن انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية. ويعتمد العراق بنحو 97% على إيرادات النفط لتمويل موازنة البلاد السنوية وستضطر الى اتخاذ عدة اجراءات لمعالجة العجز غير المسبوق فيها، بينها اللجوء الى القروض الداخلية والخارجية التي  تطالب بها الحكومة ويعارضه مجلس النواب لانه يعتقد انه سوف يضيف عبئا آخر على  الموازنة التي سيبقى عجزها الكبير مستمرا الى نهاية العام الجاري والتي قد تصل إلى اكثؤ من  (48) ترليون دينار، والتي يمكن  تقليصها من خلال إلغاء العديد من الأبواب، ولكن الى الحد الذي يكون مقبولاً في دولة نفطية مثل العراق" .. ولا يمكن تمويله بأي طريقة اخرى، وفي حال تمرير الموازنة بهذا العجز دون البحث عن طريقة لمعالجته فانه يعد انتحارا اقتصاديا واللعب على وتر الرواتب بلاشك يترك اثاراً سلبية على نفسية العوائل بشكل واضح والكبيرة وانعكاسته على حركة السوق، وادى الى سلسلة من التداعيات بضمنها تعاظم حجم الضرر. يحصل هذا في وقت يشهد فيه اقتصاد البلاد حالة من الركود والانكماش، وترتفع نسب الفقر والبطالة، ويتلكأ توزيع مواد البطاقة التموينية التي تمثل الغلى التي تعتمد عليها العوائل الفقيرة والمستورة أصلا والمحدودة .

ومن باب اخر يستمر الجدل بين الحكومة ممثلة بوزارة المالية ومجلس النواب، بشأن رواتب الموظفين بعد ربطها بمصادقة مجلس النواب على قانون الاقتراض الجديد.

دون النظر في ماهية ذنب المواطن والموظف ليتحمل كل هذه الممارسات، وهو كان وما زال الضحية الأولى للسياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة منذ سقوط النظام ، ولتفشي  الفساد وهدر المال العام وضياع فرص حقيقية لتحقيق التنمية وتقليل الاعتماد على عائدات النفط المصدر، وتنويع الاقتصاد الوطني وتفعيل قطاعاته الإنتاجية.

وفيما يتعلق بالعراق، يمكن القول إن الفساد الإداري والمالي ليس وليد اليوم بل هو متجذر في البنية المجتمعية منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م وهذا يكشف عن أحد الأسباب المهمة التي تبلورت عن تلك الظاهرة الخطيرة التي تقف عقبة حقيقية في طريق تقدم عملية التنمية بأصعدتها المختلفة كافة عبر جميع المراحل التي مرت بها الدولة العراقية مبددة للطاقات البشرية والمادية (الموارد الاقتصادية) ومكرسة لحالة التخلف في مجتمعنا العراقي . بكافة أنواعه في مختلف مفاصل الدولة ، وجعل من المجتمع العراقي في ان ينقسم إلى فئات ذات غنى فاحش وأخرى فقيرة، ولعل هذه الحالة التي تثير الجدل بين الأوساط الشعبية. ما جعل من الموازنات العامة للدولة غير قادرة على تنفيذ أهدافها المرسومة لها من قبل السلطة التشريعية بشكل مقنع رغم المبالغ الضخمة التي تحتويها، والتي توهم بأن هناك تنمية انفجارية قادمة.

من جانب آخر يتوجب الكف عن اعتماد الحلول التي تبدو سهلة، لكنها ذات تداعيات  خطيرة. فسياسة الاقتراض ترهن الاقتصاد العراقي وموارد البلد الى الدائنين وتُراكم المديونية وما يترتب عليها من فوائد، كما تشل التوجه نحو مباشرة تنمية حقيقية .

ولابد من تأكيد أهمية وضرورة الشفافية والملموسية  في ما يخص موارد الدولة وآليات التصرف بها، وان تعمل الدولة ومؤسساتها المختلفة وفِي المقدمة الحكومة، على تجنيب المواطنين وخاصة الفقراء والكادحين وذوي الدخل المحدود،  تبعات الازمة المالية الراهنة .

 

عبد الخالق الفلاح

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم