صحيفة المثقف

رأسي في قفص الإتّهام

زهرة الحواشيفي بَهوِ الْمحكمةِ الأخرس الْمُهاب

مئاتُ الرؤوسِ التّائهة

تَرتقبُ في قلقٍ واٌضطراب

صُدورَ آخرِ الأحْكام

محكمة!

جلوسْ

سكوتْ

نظامْ !!

على يميني اُنتصبتْ مِلفّاتٌ

تهم ٌ... قضايا ...أحكامْ

كقنابلَ موقوتةٍ

كعمودِ ألغامْ

و على يَساري مُقرِّرٌ وسِجِلّ وأقلامْ

و أمامي ، في قفصِ الإتهّام

يَمْثلُ رأسي....

غائرَ العينينْ

مُكبّلَ اليديْنْ

لا امتناع لا اضطراب ولا استفهامْ

بيني وبين رأسي المتّهمِ

حاجزٌ قويُّ البنيانْ

سوٌر.. لا بل مدخُل قضبانْ

و ثلاثة ُامتارٍ...مِسافةُ أمانْ

_أنت موقوفٌ بتهمةِ الْعِصْيانْ!!

أجبْ .

فأنت مُدانْ !

-- سيدتي القاضية

أنا لا أعلمُ معنى العصيانْ

فهل يستقيم ُجوابٌ

في قضيةٍ مجهولةِ الْقَرائنِ والْبيانْ

-- تضليلُ الرّايِ العامّ

الْحشدُ والإعتصامْ

التّحريض على الحكّامْ

والدّعوة لإسقاط النّظامْ

تلك أركانُ تهمةِ العصيانْ

فلا مفرّ لك منَ الإعدام ْ!!

.

.

* التهمة الأولى تَضليلُ الرّأيِ الْعامّ

-- تقولُ الحكومةُ عبرَ الإعلام :

الوطنُ هزيلٌ منهكُ الأوْصالْ

والثرواتُ في اضْْمحلالْ

ومنَ الوطنيةِ مزيدُ التّقشّفِ

وَمضاعفةُ الجباية ِو الطّاعةُ والإمتثالْ

فكيفَ تَتهِمُ الْحكومةَ بالْكذبِ والبُهتانْ !!

-- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بِرأيي وبكلِّ الأقوالْ

فَوطني أكرمُ الأوطانْ

و أرضي طِيبَة وسخاءٌ وحنوّ وحنانْ

قمحٌ وزيتونٌ تمورٌ وبُقولٌ

وجنانُ كرومٍ وبرتقالْ

ومعادنُ خالصةٌ حديدٌ وبِلّورٌ ونحاسٌ

وفسفاطٌ ورخامْ

وَبحري وخِلجانيِ

دٌررٌ ومَرجانْ

وهذا العالمُ يا سيِّدتي

على خيراتِ أرضي شاهدٌ عِيانْ

وَليِ على كلِّ حرفٍ دليلُ وبرهانْ

وأنت يا سيدتي الفاضِلة

قد أدّيت القسم َو الإيمانْ

وليس لي غيرُ ضميرك ضمانْ

وشرفُك ووقارُك للإحتكامْ

فمن منّا الصّادق

فَمن المدانْ؟

.

.

*التهمة الثانية: الْحشْدُ والإعتصامْ

دعوتَ إلى الٌتجمْهرِ واٌحتلالِ الشارعِ والإعتصامْ

- سيدتي القاضية

أتمسّكُ بأقوالي

و إن عدتُ إلى الشّارعِ فسأكرّرُ أفعاليِ

فالشّارعُ يا سيّدتي منزليِ

مكانُ عملي إذ لا عملَ لي

مأوايَ وملجإي

أنا المفقّرُ المعطّلُ

أنا المفروزُ المكبّلُ

لا سكنَ لي ولا زيجةَ ولا أطفالْ

لا جوازَ سفرٍ ولا تأشيرةَ ولاعنوانْ

ليس لي غيرُ شارعيِ حيثُ أكونُ مكانْ

و لا غيرُ شارعي ورفقتي موطئَ أقدامْ

و العجبُ كلُّ.العجبِ

أن يختلفَ المقامْ

فأنا على الشّارع مرغمٌ إرغامْ

و أما الحشدُ يا سيدتي

فطبيعةُ الأمورِ أن تتقاربَ الأمثالْ

فالمهمّشُ للمهمّشِ حبيبْ

و المفقّرُ من المفقّرِ قريبْ

و المعطّلُ مع المعطّلِ معتصمٌ مجيبْ

نطالبُ بالشغلِ من أجل كرامتنِا فما الغريبْ

أليست هذه أبسطُ حقوقِ الإنسان !!

فهل مطلبي يا سيدتي جريمةٌ حتّى أدانْ !!.

.

.

* التّهمةُ الثالثة:

- التّحريضُ على الحكّامْ

فهل لك في هذا كلامْ ؟

-- سيدتي القاضية

في فقهِ التحريضِ جانبانْ

و أنت عارفةُ العرفانْ

أوّلهما مادّي ،،أكتوسْ ريّوسْ،،

أي التّأثيرُ .و أدواتُهُ

استعمالُ سلطة ٍ

أو إهداءُ هديّةٍ

أو تنفيذُ تهديدٍ

أو ابتكارُ حيلةٍ

أو إرسالُ عملةٍ وأموالْ

فهل تَرَيْنَني قادرا على هذه الأفعالْ

و أمّا المعنويُّ يا صاحبةَ الميزانْ

ال،،مانْس رِيَا،، أي العزمُ على تحقيقِ الجريمة

فاُسْمحي لي جنابَكِ بسؤالْ :

منْ قتّل أصدقائي عُزّلاً برصاصِ الْغدرِ والْعدوانْ

منْ شرّدَ أصحابي إلى أهوالِ البحارِ وجشعِ الرّبانْ

منْ أباح دمي في كهوفِ الدّاخلية ِ

و َوراءَ القُضبانْ

كمْ تفنّنَ الْجلّادونَ في تعْذيبي

كم اٌنتزعوا إنسانيةَ رفاقي وأنكرُوا مفاهيمَ الإنسانْ

فهل سمعتِ يا قاضيةَ الأحكامْ

عن قلعِ الأظافرِ..

و عنْ وضعِ ،،الدّجاج الْمصْليِّ.،،

و كرسيِّ الكهرباءْ

و إطفاءِ السّجائرِ فوق جلديِ

و رائحةِ الشّيّ والدّخانْ !!!

ذلك الْعزمُ أي الْ،،مانس ريا،،

على تحقيقِ الجريمةِ ليسَ عَزمي

بلْ هو عزمُ الحكّامْ

فهم أصحابُ التّشريعِ

و التّطويعِ والتّنفيذِ

و السَّجنِ والتّسخيرِ والتّسريحِ

و الأوامرِ والإلزامْ

و هذا ما قرّروه في شأني

فهل حرّضَ على تحقيقِ مأساتي

غيرُ الحكّامْ !!!

فيا قاضيةَ الميزانْ

منِ الضّحيةُ ومنِ الٌمدانْ !!!

.

.

* التّهمةُ الموالية: الدّعوة لإسقاط النّظام

بلْ هو ،،الشّعبُ يريدُ. إسقاطَ النّظام ْ،،

شعارُ الأحرارْ

أيقونة ُملايين الثّوّارْ

ضدّ أنظمةِ العهرِ والإستهتارْ

و إنْ ساقني جلّادي إلى آخر قرارْ

فَسيضلُّ مطلبيِ

تاجًا على هامتي

تُردّده جماهيرُ الأحرارْ

حاملةً نَعشي:،،الٌشعْب يريد إسقاط النّظام،،

و ينقشُه الرِّفاقُ على وجهِ قبري

فوق صفحاتِ الرّخامْ !!

فهل بعد قرارِ الشُّعوبِ

لهذا الوباءِ حقّ الإستمرار !!

و أنا يا قاضيةَ الأحْكامِ

قبل صدورِ الْحكم ِ

و بعدَ تنفيذِ الإعدامْ

متمسّكٌ بتجريمِ الحكّامْ

و بإسقاطِ النّظامْ !

ــ حَضرةَ النّائبِ الْعامّْ

نحنُ قاضيةُ القضاةِ والأحكامْ

حَكمناَ وأمْضينا وقد تأكدْنا

من تلفيقِ القضايا وكيدِ الإتّهام ْ :

بإسقاطِ حكمِ الإعدامْ !!

و عدمِ سماعِ الدّعوى !!

و إطلاقِ سراحِ المتّهمْ في الحالْ !!

ـــــ يَحيا العدل !!!!

يسْقط النظام !!!

***

الشاعرة التونسية زهرة الحوَّاشي .

من كتاب رأسي في قفص الإتهام .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم