صحيفة المثقف

ذِئابٌ وَأَشباحٌ وَوَطَنٌ مُسْتَباح

اكرم جلالبيانٌ مِنْ جَلالة السُلطان: كُلُّ مَنْ يُفكّر أو يَدعو إلى الفِكْر والتَّفَكّر هوَ خائن مُرتَد وعليه يُقامُ الحَدْ، أنْ يُطرد من حظيرة السلطان ويحرم من كل حق أو إحسان؛ وكلّ من يدعو إلى العقل والتعقل فهو شخص أبله معتوه، وخطر على الحرية والإنسان في بلدٍ الإخاء والوئام بين الذئاب والخرفان.

وَهكذا عَلى مَنهجِ قانونِ الغابْ، أصبحت تتحكّم فينا يا أخوتي الذئاب، فَلا قانون يُشَرّع ولا لجان تَشفع ولا دين يَردع؛ إنّها أسطورة أفلاطون يا أخوتي، حيثُ الطاغية ينقلب إلى ذئب لا محال إذا ما ذاقَ قطعةً مِنْ لًحمِ إنسان، قرابينَ مُقدّسة إلى وليّ السلطان، ذئبٌ ولكن بلباس إنسان؛ في بلدي يَحلّ أكل لحوم الأيتام وتدمير الأحلام ولا تسمع في أزقتها سوى أنين أوجاع وآلام؛ في بلدي تُسحق الأصوات وتُسرَق الخيرات ولسان حالهم يقول سنفترسكم أحياءا كنتم أم أموات، ونجعل بعضكم يقتل بعضاً، وَمَن يَقتل يَصرخ أنا الذي اعتديت فاشهدوا لأميري أنّي أوّل مَنْ رَمَيت.

نَعَم تلك الذئابُ تَذَوَّقَت لحومنا وَسَكَنَت ديارنا وَسَرَقَت خيراتنا؛ قَدّمونا الواحِدَ تلو الآخر قرابين بقوانين في مطابخ كهنة الطاغوت وشيوخ الشيطان، ذئاب كاسرة بلباس إنسان؛ والرعيةُ ما زالت نائمة على أنغام مقطوعة موسيقية في مشهد مسرحية تُمنّيها بيوم جديد وعيشٍ رَغيد، يا لسذاجتنا...

مُبكية مُضحكة أحوالنا، فالأحداث اليومية والصور الدامية والمآس المبكية ، هي مشاهدٌ قانونها الغاب، تتسارع فيها الدقائق والأيام في زمن بلدي المنهوب جهاراً نهارا، وعلى المَجانين، أصحابَ العقول، أنْ يصمتوا ولا يكثروا الحديث عَن سياسةَ الدين، بل لابد لهم أنْ يَدينوا بدين السياسة، دينٌ يُشَرْعِن لِقَتل الأبرياء وَسفك الدماء وإبعاد النجباء وتقريب الغرباء ؛ دينٌ يدعو لِمَسخ الإنسان وعبادة الأوثان وتأليه السلطان. الدينُ في بلدي يا أخوتي أُصُولُهُ التّجويع والتّركيع والتّطويع، وفروعه الأصنام والآثام والأوهام ، وبلدتي يا أخوتي يقودها الأقزام، صنيعة الفارس الهمام، واليوم عادت تقتل بصمت وتدريج دون صَخب أو ضَجيج.

أصبحت أرضنا مرتعاً للذئاب، دَيدَنهم واحد ومبدأهم واحد وهويتهم واحدة وهدفهم واحد؛ أرضنا اليومَ يصولُ فيها أصحاب الملايين من مرتزقة العمولات وتُجّار العقود النفطية الفاسدة؛ مدينتي اليوم يَتَسيّدها الخنازير والحمير، عرّابوا عقود الهواتف الخليوية والإتصالات السلكية واللاسلكية، أعانَهم على أهدافهم خونة الأقلام أعداء العقول والأفهام، يحسبون أنهم كتاب وشعراء وهم في الحقيقة كالحرباء تتلون فوق كل غصن وحينما تُكشف تلوذ بالخباء.

ولا شيء يَقضّ مَضجعي ويسيل له مَدمَعي أكثر مما أراه مِنْ رَقصِ الذئاب ومرح الوحوش وهي توغل في غيّهــا وإجرامها ولا تبالي في أكلِ أجسادٍ طريّة وَنَهمِ أحلامٍ وردية، وَسَحق عقول ناعمة وبمستقبل فيه الخلاص حالمة.

 يا لوقاحتهم، يتسابقون لقتل الحياة وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا، يجادلون ويظنّون أنّهم من أهل الفكر والبنّاء، تَعساً لوجوههم السوداء، فما أسوء حالهم وهم يجادلون في آياتِ السماء، وَيلوون أعناق الحقائق دون خَجَلٍ أو حياء.

وحوشٌ آدميّة شنيعة، سايكولوجيّة سايكوباتيّة مَروعة، إلتَحَفَت بلباسِ السياسة والخديعة؛ أسودٌ على المستصعفين، نسوة مع الحاكمين، يتباكون بدموع الخديعة أمام المُتعبين، ويضحكون مُستهزئين، وخلف خمار أسود مُتخفّين. مجرمون بكلِّ زهوٍ وجنون، وعلى الذقون يضحكون، تتسع شدقات أفواههم لأحزان الثكالى فيلهوون ويسخرون؛ يمرحون ويفرحون يحنما يرون الرعية منشغلون وخلف أرزاقهم يهرولون.

ونحن ما زلنا نَهزّ الرؤوس، ونشرب الآلام والأوجاع كؤوس وكؤوس، ونلطم الخدود والصدور وننتظر حقوقنا كأنّها منّة شهورا وشهور، لعلّ عَينَيْ أميرنا المُفدّى نحو أوجاعنا تدور.

 

بقلم: د. أكرم جلال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم