صحيفة المثقف

مِيزانُ صائغِ الذهب

احمد الحليزاهدٌ بكلّ شيءٍ سواكِ

لا أجِدُ مَن يُضاهيني ثراءً

حينَ أراكِ

حينَ انحسرَ الودّ ما بيننا

انكسرتِ الأغنيةُ

في حَنجرةِ الكناري

 

منذُ أن أطلقتِ

وعيدَكِ بالرحيلِ

والعناكبُ وهوامُ الليلِ

تتأهبُ لنقلِ مَتاعِها

إلى خرائبِ جسَدي

 

كلّما تماديتِ في جفوةٍ

تدلّى حبلٌ بأنشوطةٍ

فوقَ رقبتي

 

تقفينَ بكلّ أبهةِ جسَدِكِ

أمامَ آلةِ قياسِ الوزنِ

لتتعرّفي كم صارَ وزنُكِ

وكانَ أحرى أن يقومَ

بهذه المَهمّةِ

ميزانُ صائغ

 

حينَ غبتِ

تشوَّشتِ الرؤى

أمامَ عينيَّ

ظلّ جسَدي يهرولُ

في الفراغِ  بحثاً عنكِ

مثلَ جرمٍ

يخرجُ عن مَدارِه

 

كانَ ينبغي لي

أن أكونَ على حذرٍ

وأنا أنظرُ في عينيكِ

وأن أتزوّدَ قبلَ الإبحارِ

بطوقِ نجاةٍ ولكنني سهوتُ

فانزلقتُ في هاوية

 

كلاهُما يستجيبُ للنارِ واللهَبْ:

الخشبُ والذهَبْ

فانظروا مآلَ كلٍّ منهما

تروا العَجَبْ

 

كثيرةٌ هي الخيباتُ

التي مررتُ بها

لكنني أوثِرُ كِتمانَها

إلّا خيبتي معكِ فإنها

تصهلُ بخِذلاني

 

تُشيرينَ بأصبَعكِ

في مُتحفٍ إلى مومياءَ

لملكٍ فَرعونيّ

ينتبِهُ الملكُ من رقدتِهِ

يلتفت يَميناً وشِمالاً

ثمّ يُنادي :

أينَ حُرّاسي ؟

لسببٍ مجهولٍ تماماً هربت ملكةُ النحلِ من خليّتِها وظلّ صاحبُ الحقلِ يتتبعُها هنا وهناك مستصحِباً معهُ طردَ الخليةِ في محاولةٍ يائسةٍ منه لإغرائِها بالعودةِ إلى بيتِ الطاعة . كانت الملكةُ التي نسيت صولجانَها في الخليةِ تمارسُ معه لُعبةَ الغُشّ والاختباء بحِرفيةٍ عاليةٍ ولكنّها أحسّت أخيراً بالتعبِ والإعياءِ وكادت أن تُسلِمَ له نفسَها فحطّت على جذعِ شجرةٍ قريبٍ وفجأةً وعلى غير توقّعٍ ظهرتِ أنتِ في الطريقِ بكاملِ زينتِكِ وأبّهتِكِ فما كان منها إلا ان تستجمعَ قواها لتطيرَ ثانيةً منحرِفةً عن الممشى باتجاه  دغلٍ قريبٍ  فالطريقُ لا يتّسِعُ لملكتين في آنٍ واحد .

هل تذكرين حين ذهبتِ إلى البئر في إحدى الليالي وكانت ضفائرك الطويلة تتدلى خلف ظهركِ والسكونُ يلفّ المكانَ جلستِ عند الحافّةِ ثم ألقيتِ نظرةً في البئر وهالكِ ما رأيتِ كانت صورةُ القمرِ الفضيّ تنعكسُ على صفحةِ الماءِ . وقفتِ مرتبِكةً لبعضِ الوقتِ ولم يطاوعكِ قلبُكِ أن تُلقي بالدلو خوفاً على المشهدِ الفريدَ أن يتبددَ ثم رفعتِ رأسكِ إلى السماءِ وهمستِ بشيءٍ للقمرِ البعيدِ .

مرّ وقتٌ طويلٌ على ذلك إلا أن قمرَ السماءِ ما يزالُ يحتفظُ بذكرى تلك الليلةِ ضمن ما يعتزّ به في أرشيفِهِ حيث تظهرُ صورةٌ تجمعكما معا .

 

جلسَ الضوءُ قانطاً

فقد جرّبَ لمرّاتٍ عديدة

أن يزيدَ في سُرعتِه لكنه فشلَ

ألقى نظرةً على قدميه

فاكتشفَ أن حذاءَه

أصبحَ مُهترئاً جدا

 

على جانبيّ الطريقِ

الذي يشهَدُ مرورَكِ

تشرئِبُّ الأعناقُ إليكِ

في ذهولٍ

كما لو كنتِ مَلاكاً

هبطَ للتوّ من السماء

 

أرأيتِ بذوراً

تهبطُ من السماءِ

كما لو أنها محمولةٌ بمظلات ؟

هكذا تتناثرُ أشواقي

من حولكِ

بانتظار أن تُتاحَ لإحداها

فرصةُ الإنباتِ

***

أحمد الحلي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم