صحيفة المثقف

احياء فنون بلاد الرافدين

عمار حميداشتهرت حضارات الشرق الاوسط القديمة بأنها منبع لأولى الآداب والثقافات والفنون خصوصا وانها قد تركت لنا إرثا غنيا احتفظت به الاحجار والالواح والاعمال المصنوعة من الذهب والفضة والبرونز، وكان من جملة ما وصل الينا من نتاجاتها الأعمال والمنحوتات الحجرية التي اخذت اشكالا تنوعت في التماثيل والجداريات التي اعطت لنا فكرة وفهما واسعا عن الخيال الخصب والخلاّق لهؤلاء النحاتين والفنانين المَهَرة.

وقد اخذت الشعوب التي ورثت هذه الثقافات في ارضها بإحياء تراث هذه الحضارات عن طريق الترويج والتسويق لأعمالها الفنية ونرى مثالا واضحا جدا عن ذلك في مصر حيث تزخر المتاجر والاسواق والميادين العامة بالعديد من الاعمال النحتية المقلدة او المستوحاة من الاعمال النحتية الاصيلة للحضارة الفرعونية في وادي النيل وكان من نتاج ذلك ان اشتهرت الفنون المصرية على نطاق عالمي واسع وراجت سمعتها في كل مكان مما أسهم في تنشيط قطاع السياحة وشد الرحال الى مصر للتعرف على المكان الذي نشأت منه هذه الحضارة وثقافتها الغزيرة.

الا ان الحال يختلف في العراق الذي يعتبر مهد الحضارات والمنبع الاول لها فبسبب الحروب والأزمات السياسية والامنية نرى ان هناك اهمالا كبيرا لهذا الامر فلا يوجد اقبال او اهتمام بما يتعلق بالموروث الفني لحضارات وادي الرافدين او الترويج له عبر اعمال فنية تجارية الا في بعض الجهود الفردية التي يقوم بها بعض الاشخاص والفنانين الذين اسهموا في نشر الاهتمام بالفن العراقي القديم ضمن شرائح المجتمع العراقي نفسه ولكن الامر يحتاج الى امكانات مؤسساتية للانطلاق بهذا الترويج من العراق الى العالم وان يكون هذا الترويج ذي تأثير اكبر من الترويج والتسويق الذي تتبناه الآن المتاحف والمؤسسات الثقافية العالمية التي تستقطب السيّاح والزائرين الى متاحفها من خلال اعمال وبضائع متنوعة تحمل اللوغو المميز لبلاد الرافدين بجميع اشكاله الفنية فنرى تسويقا لأربطة العنق والملابس والمواد منزلية والمكتبية المتنوعة وهي تروج لصور وكتابات مسمارية وابطال وشعارات تعود لبلاد الرافدين لتعود عليها بالمال والربح الوفير.

بالإضافة الى اهمال هذا الجانب من قبل المؤسسات العراقية فقد اهملت ايضا الترويج للأعمال الفنية الرافدينية من خلال فقر وندرة التماثيل والجداريات التي تضعها في الميادين والساحات العامة فلم يقع النظر على تمثال او جدارية من هذا النوع بالرغم من الاعمال النحتية البرونزية العديدة التي وضعت في المدن والشوارع في السنوات الاخيرة على العكس من بقية الدول التي اهتمت اهتماما خاصا بهذا الجانب حيث تُشاهد التماثيل والجداريات التي تمثل حضارة بلاد الرافدين في دول وعواصم مختلفة في ارجاء العالم.

ان الصفة التي تميّزت بها حضارة وادي الرافدين كونها اول حضارة على وجه الارض لم تأخذ الصدى والاهتمام الكافي من قبل المؤسسات العراقية بمختلف اشكالها وان تم استغلال هذه الميزة بشكل ذكي لكانت مصدرا تسويقيا وترويجيا مهما في عالم اليوم ولكانت تسهم في خلق فرص عمل جديدة ومد شريان اقتصادي ومالي يضاف الى ثروات البلاد الاخرى التي لم يتم استغلالها هي الاخرى حتى الآن.

 

 عمار حميد مهدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم