صحيفة المثقف

ماكرون يشعل النار الطائفية في الهشيم

بكر السباتينوفرنسا في مواجهة الكارثة

يعلم الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه في تضيقه الخناق على رقاب مسلمي فرنسا بذريعة محاصرة الإسلامفوبيا، إنما يبذر بذلك أسباب الإرهاب اليميني في فرنسا والحصاد بلا ريب سينتهي إلى كارثة قد تشهدها البلاد. لذلك فإن ماكرون هو أسوأ رئيس عنصري في تاريخ فرنسا وربما في عموم القارة العجوز.. كونه مستعداً لإشعال النيران الطائفية في المجتمع الفرنسي؛ لأسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية الفرنسية لكسب أصوات اليمين الفرنسي، وحتى يغطي على الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تجتاح فرنسا، وتسببت بخروج المتظاهرين من ذوي السترات الصفراء إلى الميادين العامة كل يوم سبت.

فكيف بعاقلِ يشعل النيران في طرف بنطاله وهو يعلم بأنه محاط بالهشيم! هذا الرجل الضيق الأفق كما يبدو، يبذر أسباب الخراب في فرنسا، من خلال السماح بنشر الصور المسيئة للرسول، لا بل وطباعتها دون التورّع من توزيعها في المدارس؛ لبرمجة عقول الطلاب على العنصرية والكراهية، وهذا بحد ذاته إرهاب يخالف مُثل العلمانية التي يتشدقون بها، ومبادئ الثورة الفرنسية. لقد سمح بذلك وهو يعلم بأن تعميم الرسومات المسيئة للرسول في المجتمع وغض الطرف عن تسريبها إلى المدارس الفرنسية، كانت سبباً في قيام أحد الطلبة من أصول شيشانية باقتراف جريمة قتل نكراء لأحد المدرسين أثناء استعراضة لهذه الصورة تحت عنوان حرية الرأي.

وكررت وسائل الإعلام الفرنسية الحديث عن الفاشية الإسلامية والإرهاب الإسلامى، وحتى أهالى بعض الطلاب الذين اعترضوا بالوسائل القانونية على ما قام به المدرس من إساءة للرسول؛ بتقديم شكاوى ضده، اعتبرهم البعض بكل أسف شركاء فى الجريمة.. وأدانهم المجتمع وهذه قمة الاستهتار بحقوق المسلمين الأساسية، وتعبر عن الإقصائية المقيتة وتفشي ظاهرة التطرف اليمين كما النار في الهشيم.

وفي ذات السياق، ركز الإعلام الفرنسى مؤخراً على مشاجرة حصلت بين فتاتين محجبتين وأخريين غير محجبتين كانتا تتجولان بصحبة كلبين، ،فاعترضت الفتاتان المحجبتان على ترك الكلاب بدون رباط ” كما ينص القانون" خاصة بعد عدة هجمات لكلاب أدت الى موت البعض اخيراً . مما أثار صاحبتي الكلاب فقامتا بطعن المحجبتين بعد سبهما وقذفهما وقالتا لهما: "عربيات قذرات". ورغم ذلك أدان المجتمع الفرنسي الضحيتين العربييتين كونهما مسلمتين دون النظر في الأسباب الحقيقية التي يتحمل وزرها ماكارون نفسه.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يسمح في فرنسا بشتم الأنبياء والذات الإهية فيما يجرّم كل من يشكك بالهلوكوست التي قيل بأن النازيين اقترفوها، مثلما حصل قبل عقود مع المفكر الفرنسي روجيه غوريدي الذي حوكم بسبب تشكيكه بها.

فرنسا تجلس على برميل بارود؛ لأن المسلمين الذين يتعرضون لسياسة الإقصاء، يشكلون جزءاً فاعلاً في عجلة التنمية المستدامة، ومن المكونات الأساسية في المجتمع الفرنسي الفسيفسائي.. حيث وصل عددهم إلى ستة ملايين نسمه.. وهو رقم صعب لا يمكن تهميشة حتى لو أجمع كل مجانين فرنسا على ذلك..

وفرنسا دولة لا دينية منذ عام 1905، فهي لا تعترف بالأديان ولا تعاديها، فدستورها ينص في مادته الثانية أنها «جمهورية علمانية، لكنها تحترم كل الأديان». فنظرياً وقانونياً، يعامل الإسلام في فرنسا كما تعامل جميع الأديان بما في ذلك الكاثوليكية التي كانت فرنسا تعتبر ابنتها البكر قبل الثورة الفرنسية. هذا ما تنص عليه قوانين كثيرة أما في الواقع المعاش فيختلف الأمر قليلاً أو كثيراً حسب تعاقب السياسات وتقلب الأحداث المتعلقة بالإسلام محلياً أو عالمياً وهو ما تشهده فرنسا اليوم..

و حسب تسريبات ويكليكس توجد برقية سرية استمدت معلوماتها من تقارير سرية للمخابرات العامة الفرنسية تفيد بأن الإسلام آخذ في الانتشار بين مختلف فئات المجتمع الفرنسي بما فيها الجيش، لافتا إلى أن "3.5% من العسكريين الفرنسيين بمن فيهم ضباط، اعتنقوا الإسلام" مؤخراً.

ويبدو أن ردة الفعل لدى المسلمين إزاء الإجراءات الأمنية والاجتماعية الموجهة ضدهم ستكون ذات عواقب وخيمة لا تتحملها فرنسا، ولعل أحد أهم المخرجات المحتملة هو ردة فعل عكسية سيشهدها المجتمع الفرنسي باتجاه دخول أعداد كبيرة من الفرنسيين في الإسلام وبخاصة من غير المتدينين، كما تشير إلى ذلك شواهدٌ كثيرة. ولا اعتقد أن المسلمين سيميلون إلى العنف المضاد، بل سيتحكمون بأنفسهم وسيعمدون إلى لغة الحوار، وستكون الفرصة متاحة لمحاصرة بؤر التطرف الإسلامي؛ لكنهم مقابل ذلك سيلجأون إلى القضاء الفرنسي وانتزاع حقوقهم بواسطة المحكمة الدستورية، والاعتماد على دعم المتعاطفين معهم من البرلمانيين الفرنسيين. ومنظمات حقوق الإنسان، ولا أستبعد بأن تستغل الأحزاب المنافسة هذه الإجراءات بالوقوف إلى جانب حقوق المسلمين الأساسية أيضاً لغايات انتخابية. وربما قيام المسلمين باحتجاجات سلمية إذا ما طفح الكيل، ولجوء القلة منهم فقط إلى ممارسة العنف المضاد؛ لتحقيق أهدافهم المشروعة في مواطنة قائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة.. وتكافؤ الفرص.. في مجتمع يتغنى بالعلمانية لكنه الأكثر إمعاناً في تجاوز مبادئها وطعنها في الظهر.

 

بقلم بكر السباتين

22 أكتوبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم