صحيفة المثقف

الانتخابات الأمريكية.. والمعضلة الترامبية !

عبد السلام فاروقالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة هى الأشهر والأشد إثارةً للجدل. ومع الاقتراب الحثيث للانتخابات المزمع إجراؤها فى الثالث من نوفمبر القادم تزداد سخونة الأحداث والأخبار والشائعات والأقاويل والتهاويل هنا وهناك. لاسيما وأن البطل الأول لهذه الانتخابات هو أكثر رئيس أمريكي محاط بعلامات التعجب والاستفهام!

استطلاعات الرأى الأخيرة ترجح كفة جو بايدن، وهى استطلاعات تبدو بلا قيمة خاصةً وأنها لم تصدق منذ أربع سنوات فى توقعاتها المضللة؛ حيث قطعت أغلب استطلاعات الانتخابات السابقة بترجيح فوز هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية ذات الفرص الأكبر للفوز، والتى كانت تحظى بتأييد قطاعات عريضة من السياسيين والفنانين والشباب الأمريكي، ورغم كل هذا جاءت النتائج مخالفة لسائر التوقعات وصادمة للديمقراطيين الذين لم يهضموا فوز ترامب، وظلوا متربصين مترصدين لأخطاء وزلات ترامب التى تتابعَت فى ملفات داخلية وخارجية شتى، ورغم ذلك لم يفلحوا فى هز صورته لدى الشعب الأمريكى ؛ إذ يبدو أنه يتمتع فى الداخل الأمريكي بنفوذ قوى إعلامياً وسياسياً.

أزمات ترامب الأخيرة

كان تركيز الديمقراطيين الأكبر على التشكيك فى نزاهة انتخابات 2016 وأنها شهدت تدخلاً مخابراتياً روسياً، وهو ما لم يستطيعوا إثباته أبداً رغم تعدد الشواهد والقرائن والمعلومات وتعدد مصادرها. وبرغم نجاح الديمقراطيين فى انتزاع تصويت الكونجرس لمساءلة ترامب فى ديسمبر  2019  لتتم المحاكمة فى مجلس الشيوخ فى يناير 2020، إلا أنها انتهت بتبرئته من سائر التهم. ومنذ ذلك الحين تلاحقت الأزمات المحيطة بترامب، ورغم كثافتها لم تُنهك ترامب، لكنها رفعت أسهم بايدن.

 الأزمة الأكبر التى واجَهت ترامب منذ فبراير 2020 جائحة كورونا التى تفاقمت شيئاً فشيئاً وبسببها تم إلغاء الكثير من فعاليات الحملات التمهيدية التى بدأت منذ يناير، واعتباراً من 24 مارس تم إيقاف الحملات الانتخابية خوفاً من انتقال الوباء أثناء التجمعات الانتخابية الحاشدة.وذكر المحللون السياسيون أن الوقف الاختياري للحملات التقليدية المقترن بآثار الوباء قد يُفضي إلى آثار لا يمكن التنبؤ بها على جمهور التصويت، ومن المحتمل أن يلقي بظلاله على كيفية عقْد الانتخابات.

ازدادت الضغوط على ترامب بسبب الآثار الاقتصادية الكارثية للجائحة وهو ما أشعل وسائل التواصل والحملات الإعلامية ضد ترامب منذ شهر أبريل الماضى، لكنه استطاع أن يحول الدفة لصالحه وخرج منتقداً خصومه وصحافتهم التى وصفها بأنها "وسائط إخبارية مزيفة"، واتهم وسائل الإعلام بأنها هى السبب فى انتشار الجائحة بسبب تهوينها لآثار الفيروس من البداية. وخلال فترات قريبة ظهرت بالأسواق الأمريكية عدة كتب تتناول الرئيس ترامب بالنقد اللاذع، وجاء فى مقدمتها كتابان أحدهما لابنة شقيقه مارى ترامب، والثانى لمستشار الأمن الوطنى السابق جون بولتون. شهر واحد كان الفاصل بين صدور الكتابين، حيث يصف الكتاب الثانى الذي يحمل عنوان: "الغرفة التي شهدت الأحداث" ترامب باعتباره رئيساً جاهلاً بأبسط الحقائق الجغرافية، ولا تتعدى قراراته رغبته في التمسك بمنصبه لفترة ولاية ثانية. وأكد بولتون في كتابه الادعاءات التي دفع بها الديمقراطيون حول سعي ترامب إلى وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا من أجل إجبارها على التحقيق مع خصمه السياسي الديمقراطي جو بايدن، وهو الأمر الذي دفع الديمقراطيين إلى الشروع في إجراءات عزله.

وفي كتابها الذي حمل عنوان:"كثير ولكن ليس كافياً: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم" اتهمت ماري ابنة شقيق الرئيس الأمريكي، والد ترامب، بتأسيس ديناميكية عائلية سامة تشرح بصورة جيدة كيف يتصرف الرئيس اليوم. ووجهت ماري ترامب، ابنة شقيق الرئيس ترامب انتقادات لاذعة له اتهمته فيها بأنه "معتل اجتماعياً" وكيف أن "الغطرسة والجهل المتعمد" والذي يعود إلى أوائل أيامه "يهدد مستقبل البلاد".

لم يكد ترامب يتخلص من التأثير الإعلامى لأصداء الكتابين حتى واجهته أزمة أخرى كبري هى أزمة الاحتجاجات التى ثارت ضد الشرطة الأمريكية وعنفها العنصري الذى أفضى لقتل المواطن الأسود جورج فلويد. وكان من الممكن أن تمر الأزمة سريعاً كما مرت أزمات أخرى مشابهة، إلا أن طريقة تصرف ترامب تجاه الأزمة تسبب فى إشعالها واستمرارها لعدة أشهر.

فنانون ضد ترامب

أثبتت هزيمة هيلاري كلينتون التي كانت مدعومة على نطاق واسع من قبل عالم الفنون والترفيه، أن دعم المشاهير لا يؤدي إلى الفوز في الانتخابات، إلا أن دعمهم المادي وشعبيتهم ربما يكونان ذَوا تأثير نوعى فى المعركة الانتخابية. وكالعادة فإن أغلب المشاهير منحازون لبايدن ليس حباً فى بايدن أو فى الديمقراطيين وإنما بغضاً لترامب. وقد أشارت إذاعة RTL الفرنسية إلى انحياز نجوم هوليود وفى مقدمتهم ووبى جولد برج وجورج كلونى وروبرت دى نيرو وشير وبيلى بورتر الذين يدعمون حركات حقوقية لمناهضة العنصرية ومناصرة البيئة نحو دعم المرشح الديمقراطى جو بايدن، كما يدعم النجوم الشباب ترشيح بايدن من خلال تشجيع الشباب والأقليات على التسجيل في القوائم الانتخابية ومن خلال مساعدة الحملة الانتخابية للديمقراطيين. وساهم بعض النجوم مالياً فى حملة بايدن ومنهم النجم ليوناردو دى كابريو وبن أفليك وتوم هانكس ومادونا. ووفقاً للإذاعة الفرنسية، أن الغالبية العظمى من المشاهير في الموسيقى والتلفزيون والسينما والأزياء يدعمون الحزب الديمقراطي بقوة. لكن فى المقابل هناك مشاهير آخرون يدفعون غالياً أحيانًا تجاه مواقفهم السياسية لصالح الحزب الجمهوري.

وكان من بين داعمى ترامب من نجوم هوليود الممثل جون فويت والد أنجلينا جولى، وجيمس وودز، ودين كاين بطل مسلسل سوبرمان التليفزيونى فى التسعينيات.

استطلاعات وتطلعات

أظهر الاستطلاع الذي أجرته وكالة رويترز وشركة إيبسوس أن52 بالمئة من الناخبين المحتملين يعتزمون دعم بايدن، مقابل 40 بالمئة سيصوتون لترامب. وبرغم ذلك فإن فرص ترامب للفوز تظل مضاعفة لإمكانية إعادة انتخابه فى حالة تعادل الكفتين وعدم حسم النتيجة؛ إذ لا يتم حسم نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية من خلال عدد أصوات الناخبين، بل بمن يفوز فيما يُعرف بـ "المجمع الانتخابي".

والمطلوب للفوز برئاسة أمريكا تحقيق 270 صوتاً انتخابياً من واقع 538 صوتاً فى المجمع الانتخابي. ويتم الانتخاب وفقًا لقاعدة أن الولاية تعتبر دائرة انتخابية واحدة، فالمرشح الذي يحظى بأغلبية الأصوات فيها يحصد أصوات كل مندوبي الولاية.

وطبقاً للاتجاهات الديموجرافية يُعتقد أن الفئة العمرية التي ستكون ضمن شريحة البالغين بين 18إلى45 من العمر ستمثل أقل من 40% من الناخبين الذين يحق لهم التصويت. ويُعتقد أن نسبة 30% من الناخبين الأمريكيين المؤهلين ستكون من غير البيض. وقد أظهر تقرير حزبي ثنائي أن التغيرات الحاصلة في ديمجرافية الناخبين منذ انتخابات العام 2016 قد تؤثر على نتائج انتخابات 2020. من المتوقع أن تزداد نسبة الناخبين المؤهلين للتصويت في الانتخابات من الأقليات الأمريكية الأفريقية والأسبانية والآسيوية إضافة إلى «البيض من حملة الشهادات الجامعية» في حين ستنخفض نسبة «البيض من غير حملة الشهادات الجامعية".. وبشكل عام يسود الاعتقاد باحتمال كون هذه التغييرات ستصبّ في صالح المرشح الديمقراطي.

تصريح أخير مخيف

الحق أن المجتمع الأمريكى اليوم يشهد انقساماً عنيفاً فى المشهد السياسي .

وفيما يبدو أن الأمور لن تسير على نحو نمطى أو طبقاً لمعايير المنطق السياسي ومعادلات المختصين وتطلعات السياسة واستطلاعات الآراء. بل ربما كانت الاستقطابات الحادة بين الحزبين ليست إلا مظهراً من مظاهر تلك المعضلة الترامبية التى تتمثل فى تمسكه المستميت بمقعده، وبدا ذلك جلياً فى التصريح الإعلامى الأخير لترامب حين سئل عن "التسليم السلمى للسلطة" فقال: سوف أسلم السلطة سلمياً فى حالة كون الانتخابات نزيهة.

 إنه تسليم مشروط للسلطة إذن، فماذا لو انتفى الشرط وغابت النزاهة فى زعم ترامب، فماذا سيفعل حينها؟

إن تصريح ترامب الأخير حوَّل الانتخابات الأمريكية القادمة إلى نوع من الميلودراما المثيرة التى تستحق المتابعة والمشاهدة والترقب.

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم