صحيفة المثقف

علم الاستغراب عند حسن حنفي بين المبادئ المعلنة والتجسيد الواقعي

نابي بوعلي(لا يمكن أن نبقى نحن التلميذ الأبدي والغرب هو المعلم الأبدي).. حسن حنفي

لعله من نافلة القول والبديهيات الشائعة التأكيد على أن الواقع العربي الذي تعيشه الأمة العربية اليوم، واقع ليس في مستوى تطلعاتها وآمال أبنائها، وقد وظفت اخفاقاتها بفعل التحديات الخارجية والداخلية لخدمة الانحطاط الفكري والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتبعية والاغتراب تحت ظلال الفكر الغربي لفترة زمنية طويلة، وعدم الوعي بحركة التاريخ، والركب الحضاري للأمم التي تقود معارك ضخمة في مختلف المجالات، وتترجمها يوميا إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع في إطار رؤية واضحة الأبعاد والمعالم الحضارية.

إن هذا الواقع العربي المأزوم دفع المفكر حسن حنفي إلى استشعار ضرورة الحاجة إلى تأسيس مشروع فكري ضخم تحت عنوان" التراث والتجديد" يتناول فيه بالدراسة والتحليل تشريح جوانب الضعف وخلفياته التاريخية ومركبات الواقع والبحث عن امكانية الخلاص والتحرر، ومن ثم التأسيس لنهضة وحداثة تسمح لنا باللحاق بركب الأمم المتقدمة ضمن الفضاء الحضاري العالمي.

يتميز مشروع حسن حنفي بقدر كبير من الشمولية، فهو ينسحب على التراث القديم والتراث الغربي والواقع المباشر، وذلك من دون التركيز على جانب واحد واهمال بقية الجوانب الأخرى. ولقد بدأت ارهاصات هذا المشروع الأولى تتبلور منذ سنة 1956 لما كان حسن حنفي يدرس في باريس. ويتكون هذا المشروع من ثلاث جبهات هي كما يلي:

الجبهة الأولى: موقف حسن حنفي من التراث وإعادة بنائه طبقا لظروف العصر. تحتوي الجبهة الأولى من مشروعه على سبعة أجزاء يحددها حسن حنفي كما يلي" قمت بالجزء الأول منه عن علم أصول الفقه بالفرنسية "مناهج التأويل في علم أصول الفقه" وأخرجت الجزء الثاني" من العقيدة إلى الثورة" لإعادة بناء علم أصول الدين. وأعد الآن الجزء الثالث" من النقل إلى الابداع" لإعادة بناء علوم الحكمة. ثم أبدأ في الجزء الرابع" من الفناء إلى البقاء" لإعادة بناء علوم التصوف. ثم أبدأ في الجزء الخامس" من النقل إلى العقل" لإعادة بناء العلوم النقلية: القرآن، والحديث، والتفسير، والسيرة، والفقه، والجزء السادس" الوحي والعقل والطبيعة" لإعادة بناء العلوم الرياضية والطبيعية: الحساب، والجبر، والهندسة، والفلك، والموسيقى، والطبيعة، والكيمياء والطب والصيدلة والنبات والحيوان، ثم الجزء السابع" الإنسان والتاريخ" لإعادة بناء العلوم الإنسانية: اللغة والأدب، والجغرافية، والتاريخ.

الجبهة الثانية:

يحدد حسن حنفي في الجبهة الثانية موقفه من التراث الغربي، وذلك من أجل وعيه ومعرفة أسسه ومكوناته وتطوره التاريخي، ونقده وبالتالي وضعه في إطاره كمرحلة من مراحل التاريخ، بطريقة موضوعية علمية، للرد على المركزية الأوروبية. لأن التراث الغربي ليس هو النموذج الوحيد والصيغة الفريدة التي يجب أن تمر بها جميع الأمم والحضارات على مر التاريخ. ولا يمكن اعتبار الغرب كما يرى حسن حنفي:" النمط الأوحد لكل تقدم حضاري، ولا نمط سواه، وعلى كل الشعوب تقليده، والسير على منواله. وقد أدى ذلك إلى إلغاء خصوصيات الشعوب وتجاربها المستقلة، واحتكار الغرب وحده حق إبداع التجارب الجديدة والأنماط الأخرى للتقدم"(1).

إن الهدف المعلن من هذا المسعى هو محاولة تخليص الأنا من التقليد للتراث الغربي وفك القيود عنها حتى تتمكن من الخلاص أولا، والإبداع ثانيا، والاستقلال ثالثا، والتأثير في مجرى التاريخ رابعا. وفي هذا الصدد يقول حسن حنفي:" من أجل تحرر الأنا من الوقوع في تقليد الغرب بعد أن تحررت من تقليد القدماء. وقد قمت بالجزء الأول في الرسالتين الفرنسيتين" تفسير الظاهريات" و"ظاهريات التفسير"، ثم " مقدمة في علم الاستغراب"، ثم دراساتي عن الفلسفة الغربية إما ترجمة أو تأليفا. وما زال في ذهني ثلاثية عن الوعي الأوروبي، البنية، والتطور، أصف فيه مصادر الوعي الأوروبي ثم تكوين الوعي الأوروبي ثم بنية الوعي الأوروبي كي أحوّل الغرب من كونه مصدرا للعلم كي يصبح موضوعا للعلم"(2). وعلى الرغم من قصر هذه الجبهة في وعينا القومي كما يرى حسن حنفي إلا أنها تأخذ حجما كبيرا أكثر من حجمها الطبيعي، بالإضافة إلى نقص الدراسات العلمية المتخصصة للتراث الغربي.

الجبهة الثالثة:

تمثل الجبهة الثالثة من مشروع حسن حنفي الموقف من الواقع أو نظرية التفسير، وفيها يحاول أن ينظّر للواقع تنظيرا مباشرا عبر منهج ظاهراتي يتعامل مع الواقع كما هو دون التقيد بنصوص سابقة، أو بالاعتماد على الغرب.

ويتم ذلك من خلال رصد مشاكل الواقع العربي وتصور حلولها الممكنة لمواجهتها والتقليل من حدتها، والإبداع لكسر حالة الجمود التي أضحت صفة لصيقة للواقع العربي حتى ليمكن القول أن الأمة أصيبت بالعقم، يقول حسن حنفي عن مضمون الجبهة الثالثة:" أحاول فيه- أي الموقف من الواقع- أن أرصد الواقع كفقيه، مشاكله وحلولها، وأحاول أن أحلل ظواهر الاستعمار والقهر والاستبداد والتخلف والتجزئة والفقر والتبعية واللامبالاة، لإنشاء فكر إسلامي جديد يعبر عن المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة، فليس المهم قراءة نص قديم بل إبداع نص جديد. الجبهة الأولى تمثل الماضي، والثانية تمثل المستقبل، والثالثة تمثل الحاضر." التراث والتجديد" إذن هو وضع الفكر الإسلامي في الزمان وفي مسار التاريخ حتى يتحرك من جديد، فنحن لسنا مستشرقين بل أهل الديار. الإسلام جزء منا ونحن جزء منه، نحن مسؤولون عنه، ولسنا متفرجين عليه، نصدر أحكاما عليه بالخطأ والصواب(3).

ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الجبهات ليست منفصلة عن بعضها البعض، لأن الأنا هي المحور الذي تدور عليه هذه الجبهات جميعا، وهي النقطة المركزية في هذا المشروع الفكري، وإنما جاء هذا التقسيم للضرورة المنهجية وما تفرضه الدراسة العلمية من مقتضيات.

ونظرا لاتساع المشروع سنتناول جزئية منه، ويتعلق الأمر بعلم الاستغراب، فماذا يعني هذا العلم؟ وما أسسه؟ وما أهدافه؟

أعلن حسن حنفي عن مجموعة من المبادئ والقيم التي يستند إليها علم الاستغراب والتي تحدد ماهيته في مقابل الاستشراق، والنتائج المنتظرة منه بعد ترسيمه كعلم قائم بذاته، نذكر منها ما يلي"

1 السيطرة على الوعي الأوروبي أي احتواؤه بداية ونهاية.

2 دراسة الوعي الأوروبي على أنه تاريخ وليس خارج التاريخ.

3 رد الغرب إلى حدوده الطبيعية، وإنهاء الغزو الثقافي الذي لا حدود له.

4 القضاء على أسطورة الثقافة العالمية واكتشاف خصوصيات الشعوب.

5 إفساح المجال للإبداع أمام الشعوب غير الأوروبية وتحريرها.

6 القضاء على عقدة النقص لدي الشعوب غير الأوروبية.

7 إعادة كتابة التاريخ بما يحقق أكبر قدر ممكن من المساواة في حق الشعوب.

8 بداية فلسفة جديدة للتاريخ.

9 انتهاء "الاستشراق " وتحول حضارات الشرق من موضوع إلى ذات.

10 إنشاء علم الاستغراب كعلم دقيق مهمته تحويل الحضارة الأوروبية من دراسة موضوع إلى موضوع دراسة.

11 تكوين الباحثين الوطنيين الذين يدرسون حضارتهم الخاصة من منظور وطني.

12 بداية جيل جديد من المفكرين بعد جيل الرواد الأوائل في عصر النهضة.

13 يهدف علم الاستغراب إلى تحقيق التحرر الأنطولوجي حيث تبدأ الأنا في وضع ذاتها كأنا، من خلال الكوجيتو "أنا لا أغترب" إذن" أنا موجود" أو "أنا لست آخر" إذن" أنا موجود".

14 وقد ينتج عن علم الاستغراب أخيرا أن تشهد الإنسانية عصرا جديدا يختفي منه داء العنصرية الدفين الذي نشأ إبان تكون الوعي الأوروبي حتى أصبح جزئا من بنيته"(4).

إن المتمعن في محتوى هذه المبادي والأهداف التي يسعى إلي تحقيقها علم الاستغراب، يجدها مشروعة كل المشروعية، ولكن في الوقت نفسه يدرك أن حسن حنفي قد رفع السقط عاليا، إذ بين القيم والمبادئ المعلنة وحالة الركود الكبير الذي تعيشه المجتمعات العربية مسافة شاسعة. ولذلك يفترض الأمر مساءلة حقيقة لتجاوز هذه الوضعية المفجعة للخلاص منها أولا، والسعي لبناء مجتمع أفضل يستجيب لمتطلبات الواقع وراهنية العصر وانشغالات الأمة وتطلعات أبنائها. غير أن الإشكالية التي ظلت تواجه كل من يحاول أن يطرق هذا الباب كانت تتمثل في كيفية التوفيق بين التراث والحداثة، بمعنى آخر كيف نتمسك بالتراث من جهة وندخل ساحة الحداثة من جهة ثانية؟ كيف نكون تراثيين ومعاصرين في الوقت نفسه؟ مع ما يفرضه الواقع من حتمية التعاطي مع العقل الغربي، حيث يقول علي الكبسي:" رغم الاختلاف البين بين العقل العربي والعقل الغربي، فإن العقل العربي محكوم بالتعامل معه، بل مقدر عليه ذلك طالما أنه يبحث عن مقومات النهضة والحداثة"(5). فهل هذا الربط العضوي بين العقل العربي والعقل الغربي له ما يبرره؟ وهل هناك من يعترض على هذا الرأي؟

يعد علم الاستغراب من أهم الحركات الفكرية التي عرفها الفكر العربي المعاصر، في ظل تقهقر الأمة العربية، وتأتي أهمية هذه المحاولة التي يقودها حسن حنفي من كونها تحتل موقعا وسطا بين ثنائية الحركات الفكرية التقليدية التراثية لتي تتخذ موقف الرفض المطلق من الغرب للتصدي للعدوان على الهوية الثقافية المستهدفة والمحافظة على الذات، وبين أنصار التفتح على الغرب والاستفادة من قيّمه العلمية وتجاربه المختلفة في مجالات السياسية والاقتصاد وغيرها من المجالات الأخرى. غير أن حسن حنفي يرى أن كلا الموقفين خاطئين وقد حان الوقت لتصحيح هذين الخطأين حيث يقول:" وقد آن الأوان لتصحيح هذين الخطأين، ونقل الموضوع من مستوى الانفعال إلى مستوى الفعل، ومن ردود الأفعال إلى التحليل العلمي الرصين"(6).

أكد حسن حنفي أن الغاية من علم الاستغراب هي تجاوز وليس الوقوف عند حدود نقد الاستشراق، لأن الاكتفاء بالنقد هو مجرد رد فعل، أي موقف دفاعي صرف، يعيب على الغرب دراساته غير الموضوعية عن الشرق والتي تحركها أسباب ودوافع كثيرة، والنتيجة أن هذا الموقف النقدي لا يقدم شيئا ايجابيا ولا يقدم البديل. فإذا كانت مهمة الاستشراق هي دراسة الغرب للشرق فإن مهمة الاستغراب هي دراسة الشرق للغرب، حيث يقول ملخصا هذه المهمة " مهمة علم الاستغراب هي القضاء على ثنائية المركز والأطراف على مستوى الثقافة والحضارة، فمهما حاول رجال السياسة والاقتصاد القضاء على هذه الثنائية في ميدان السياسة والاقتصاد دون القضاء عليها مسبقا في الثقافة فإن تبعية الأطراف للمركز في السياسة والاقتصاد قائمة. وطالما أن الثقافة الغربية هي المركز والثقافات اللاغربية في الأطراف ستظل هذه العلاقة أحادية الطرف، من المركز إلى الأطراف، علاقة المعلم بالتلميذ، والسيد بالعبد فالغرب هو المعلم الأبدي، واللاغرب هو التلميذ الأبدي والعلاقة بينهما أحادية الطرف، أخذ مستمر من الثاني وعطاء مستمر من الأول"(7).

وقد كتب عبد الجبار الرفاعي عن مهمة وأهداف علم الاستغراب بقوله:" وفي مقارنة الاستغراب بالاستشراق يلخص حسن حنفي مهمة الاستغراب، بأنه إذا كان الاستشراق هو رؤية الأنا من منظور الآخر، فإن الاستغراب هو محاولة معرفية ترمي إلي فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر، والجدل بين مركب النقص عند الأنا ومركب العظمة عند الآخر" . فمنذ الاستشراق القديم الذي نشأ واكتمل في عنفوان المد الاستعماري الأوروبي لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عند الشعوب المستعمرة أخد الغرب دور الأنا فأصبح ذاتا، واعتبر اللاغرب هو الآخر فأصبح موضوعا، فالاستشراق القديم يعني رؤية الأنا الأوروبي للآخر غير الأوروبي، علاقة الذات بالموضوع المدروس"(8).

وبعد تحديد موضوع علم الاستغراب ومعالمه العامة، ومهمته، وأهدافه، وأصوله العلمية والفلسفية، التي مهدت لظهوره، نحاول معرفة الأسباب ودواعي النشأة التي تقف وراء الدعوة إلى تأسيس علم الاستغراب؟

لعل أحسن جواب على ذلك نجده في ذلك الحوار، الذي دار بين حسن حنفي وعبد الجبار الرفاعي، الذي يلخص لنا ظروف النشأة، حيث يقول حسن حنفي:" وعيت نفسي مفكرا في موقف حضاري لجيلي، الإخوان المسلمون والحرب العالمية الثانية، وضياع فلسطين(1948) أدركت الجبهات الثلاث: موقفنا من التراث القديم "الإخوان"، موقفنا من التراث الغربي(الحرب)، موقفنا من الواقع فلسطين. والأنا العربي الإسلامي المحاصر بين هذه الأضلاع الثلاثة، أريد تحريرها من تقليد القدماء، وتقليد المحدثين أي الغرب، والهروب من الواقع أو التعامل معه تعاملا إنشائيا خطابيا بلاغيا"(9).

يعتبر كتاب حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب)، والذي أعاد تلخيصه في كتاب آخر بعنوان (ماذا يعني علم الاستغراب؟)، البيان النظري للجبهة الثانية من مشروعه، الذي يتعلق بموقفه من التراث الغربي.

إن أهمية قيام علم الاستغراب تأتي من مجموعة من الأسباب، من أبرزها فكرة التمايز الحضاري بين الشرق والغرب، والتي نجدها عند الإمام باقر الصدر والتي استفاد منها حسن حنفي ووظفها في مشروعه الفكري، حيث يقول:" إن أهمية محمد باقر الصدر هو هذا التمايز الشديد لديه بين الأنا والآخر كما وضح في "فلسفتنا"، "اقتصادنا" وهو تمايز جمعي وليس شخصيا بدليل ضمير المتكلم الجمع، بدلا من اعتبار الغرب مصدرا وحيدا للعلم وغيره من الشعوب ناقلة مستهلكة ومعلقة ومهمشة وملخصة وعارضة له. هذا التمايز الحضاري هو الذي تحول بعد ذلك إلى علم الاستغراب"(10).

إلى جانب الأسباب التاريخية والحضارية لنشأة علم الاستغراب، تنضاف النظرة المتعصبة، ضمن الحركة الاستشراقية العامة، لبعض المستشرقين المغرضين، الذين ظلوا ينظرون إلى الثقافة والتاريخ الأوروبي الغربي بوصفه الإطار المرجعي لتحليل وفهم الشخصية الإسلامية، كانت هي الأخرى سببا ضروريا لقيام علم الاستغراب، لمواجهة حركة التغريب الذي شمل تقريبا كل مناحي الحياة.

لقد آثار علم الاستغراب عند حسن حنفي تساؤلات من مثل: هل علم الاستغراب ضرورة تاريخية أم هو مجرد استشراق معكوس؟ هل نملك الامكانيات الكافية لدراسة الغرب من موقع الضعف الذي نحن عليه اليوم؟ هل ندرسه بنفس المناهج؟ هل يقدم الغرب لنا نفسه بسهولة لدراسته؟ وغيرها من التساؤلات التي تضع علم الاستغراب على المحك.

إن ما يلفت الانتباه في مشروع حسن حنفي هو الأمل والايمان بمستقبل الأمة العربية والإسلامية، وبضرورة استقلال الفكر العربي عن الفكر الغربي من أجل تحقيق نهضة شاملة تعادل النهضة الأولى في القرن الرابع الهجري. لأن التخلف ليس من قدرنا، والتقدم ليس حكرا على غيرنا. وعلم الاستغراب يعبر عن موقف شجاع في وجه حالة التغريب التي حولت المجتمع العربي إلى مجتمع استهلاكي ينتظر كل شيء من الغرب. وفي الأخير يتمنى حسن حنفي ألا تمر الأجيال القادمة بما مرت به الأجيال السابقة من انتكاسات أو أزمات، ويتمنى كذلك أن تنجز الأجيال القادمة ما عجزت عن انجازه الأجيال السابقة بسبب حصار الزمن، حيث يبقى علم الاستغراب على المستوى النظري يمثل لحظة القطيعة معلنا نهاية وعي الآخر وبداية وعي الأنا في طور تاريخي جديد.

لكن المسألة ليست على مستوى التنظير لذلك، تقفز إلى الذهن تساؤلات عن كيف ومتى يتحول مشروع علم الاستغراب من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق الفعلي الملموس، وأين هي المؤسسات العلمية والأقلام الفكرية والثقافية والسياسية التي تتبناه ليتحول من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، حيث تتحدد رسالته الحضارية والإنسانية التي يسعى إلى تحقيقها، أم سيبقى مجرد حلم مجهول المصير لمفكر مضطهد أتعبته هموم الفكر والوطن، ولأمة تصارع أقدارها.

 

د. نابي بوعلي

جامعة معسكر الجزائر

.............................

الهوامش:

1 - حسن حنفي، ماذا يعني علم الاستغراب؟ دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، سنة 2000،ص:57.

2 - عبد الجبار الرفاعي، الفكر الإسلامي المعاصر، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، سنة 2000، ص:220.

 3 - عبد الجبار الرفاعي، نفسه، ص ص: 219،220،221.

4 - حسن حنفي، نفسه، ص ص:72،73.

5 - محمد علي الكبسي، مشال فوكو، دار سيراس للنشر، تونس، سنة1993، ص:76 .

6 - حسن حنفي، نفسه، ص ص:34،35.

7 - المرجع نفسه، ص:59.

8 - المرجع نفسه، ص:16.

9 - عبد الجبار الرفاعي، نفسه، ص:250 .

10 - المرجع نفسه، ص:237.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم