صحيفة المثقف

حمى التطبيع ولسان العرب

محمد السعديقبل أن نلقي لمحة واقعية على محنة التطبيع والموقف العربي المتداعي منها، والتطور السريع على مستوى العلاقات العربية / الاسرائيلية، وبات الاعلان عنها بلا تردد وبدون وجل، بل جزء من إستراتيجية بعيدة المدى، رغم أنها طبخت على نار هادئة. نتوقف عند مفهوم التطبيع وهو مصطلح سياسي مفاده طبيعية العلاقات بين الشعوب والدول من خلال أتفاقات وعقود ومشاركات ثقافية وفنية. التطبيع الأخير الذي شهده العالم بين دولة إسرائيل وبعض البلدان العربية لم يلقى ذلك الرفض والأستنكار والمظاهرات والاعتصامات والكتابات المعارضة كما شهدت في ذلك التاريخ عندما ذهب الرئيس المصري أنور السادات الى منتجع (كامب ديفيد) ليلتقي بغريمه الاسرائيلي مناحيم بيغن وبرعاية أمريكية (جيمي كارتر) يوم ١٧ أيلول ١٩٧٨ . ولم أنسى ذلك اليوم، وهو جزء من ذاكرة طرية، عندما أخروجنا عنوة من المدارس وطافوا بنا شوارع مدينة بعقوبة ونضرب بكف أيدينا بقوة على حزمة الكتب المدرسية التي نحملها وبصوت واحد نصرخ .

(يا سادات يا جبان يلي لابس عباية النسوان) .

ولا أحد منا فطن الى مغزى هذا الكلام الفضفاض . وفي اليوم الثاني ألقى علينا أستاذ يحي البعثي المتعجرف محاضرة مردها تخلف دولة مصر عن محور المقاومة وتصدع دول الصمود والتصدي . العراق، ليبيا، سوريا . 

فات عن بال العديد من المتابعين والمعنيين عن مغزى التطبيع والاسلوب الهاديء في حراكه نحو هدفه الأول باعتباره واقع حال وآمر لامناص منه، وهذا ليس وليد اليوم وفعلاً لم يشكل مفاجأة لاوساط ودول كثيرة بما ضمنهم الفلسطينيين لأنه تجربة السنوات التي مضت وأنتهت بما يسمى الربيع العربي وأسقاط أنظمة وتفكيك مصير شعوب وأحتلالات ودواعش وميليشيات  هذه نتائجها الأولية في العلاقات العربية / الاسرائيلية آمر واقع يجب أن تتعايش معه شعوب وبلدان المنطقة، بعد حالات اليأس والتردد والمعاناة في حياة الشعوب العربية عامة والفلسطينيين خاصة  .

الشعب الفلسطيني هو الخاسر الوحيد من سياسة التطبيع هذه حيث جرت وتمت بعيداً عن أرادته ومصالحه، مازالت هناك سياسة الاستيطان قائمة على قدم وساق وجهل قرار العودة الى الاراضي الفلسطينية وتعويضهم حسب قرار الامم المتحدة ١٩٤، مغيب من قرارات التطبيع .

أين ذهبت أصوات محمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني ومظفر النواب وغسان الكنفاني في مناداتهم للقدس أن تكون عربية، لقد جفت صدى أصواتهم في تعبئة الشارع العربي نحو قدس عروسة عروبتكم، بعد أن حطموا العراق قلعة المواجهة لعمقه التاريخي وموقعه الجغرافي لتتبعه بلدان وشعوب قد تهاوت وتمزقت ليبيا، سوريا، اليمن، لبنان بشخص السيد حسن نصر الله في تغير بوصلة زحفه من القدس الى قلب لبنان لتتحول الى فوضى عارمة بس الله قادر أن يعيد عافيتها . وسقطت جميع الشعارات الطنانة والخطب الفضفاضة بتحرير القدس من صدام حسين الى الخميني . فماذا بقى أمام العرب غير سياسة التطبيع  كآلة طيعة ؟.

مرة .. سأل محسن إبراهيم مسؤول منظمة العمل الشيوعي اللبناني عن سبب ذهاب المرحوم ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية عن خيار (أوسلو) المر .

فقال .. يقصد عرفات قد . قرأ الوضع الدولي بعد غياب الاتحاد السوفيتي، وقرأ الوضع الاقليمي بعد معاقبة العراق على غزو دولة الكويت، وقرأ الاوضاع العربية وموازين القوى الدولية والأحوال المالية وخاف على قضيته من النسيان والضياع والتدمير . وخطوة بعض البلدان العربية على سجة التطبيع مرده تلك الاحداث والتراجع في المواقف والمباديء وستعقبها دول أخرى قريباً حيث لابديل أمامها بعد أن ميعت فلسطين وقضيتها المركزية، وما صرح به أخيراً عبر شاشة التلفزة النائب السابق والقيادي في التيار الصدري بهاء الاعرجي . أن العراق مقبل قريباً على التطبيع وسيصدر القرار من مدينة النجف المقدسة ومقر الحوزة الدينية، فهذا آمر حتمي ونتاج طبيعي لآلية الحكم في العراق ولم نرى ونلاحظ أي موقف إستهجان ورفض من كافة القوى في العراق سواء كانت إسلاموية أو علمانية ولا من الاوساط الثقافية أو الفكرية ولا من النخب السياسية الحاكمة، فيبدوا للمتابع أن هناك شوط كبير مقطوع بهذا الاتجاه، وهو في أنتظار الوقت المناسب للاعلان عنه وهذه واحدة من شروط صفقات الاحتلال وتحطيم العراق ودول المنطقة . 

 

محمد السعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم