صحيفة المثقف

فلاسفة التشويه الغربي وقصدية الإساءة للرسول محمد

محمد كريم الساعدييعد الفيلسوف والاجتماعي والروائي والمؤرخ (شارل لوي دي سيكوندا) المعروف بأسم (مونتسكيو 1689-1755) من الشخصيات الفكرية والفلسفية التي حاولت أن ترسم صورة مشوهه عن رسول الاسلام الكريم محمد (ص)، هو صاحب الرسائل التي نسبها الى اقلام شرقية ليصف المجتمع الاسلامية بما يتلاءم مع الرؤية التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية التي تصور المسلمين على وفق الافكار والتصورات المناوئة لهم، وهنا يذكر (ديورانت) صاحب (قصة الحضارة) إنّ (مونتسكيو) قدم "الرسائل على انها مكتوبة بقلم (ريكا وأوزبك) وهما سائحان فارسيان في فرنسا ومراسليهما في اصفهان، أنّ هذه الرسائل لم تعرض فقط نقاط الضعف والاهواء والتحيز عند الفرنسيين، ولكنها كشفت ايضاً عن حماقات السلوك والمعتقدات الشرقية من خلال الكُتاب انفسهم (...) وكانت الهرطقات الدينية في الرسائل اكثر ترويعاً وتنفيراً من الهرطقات السياسية"(1). فهو يرى بأن الديانة المسيحية خالية من أي هرطقات دينية لأنها هي الاولى وتأتي في مقدمة الديانات الاخرى، بل هي في درجات عليا من حيث المعتقدات والتصورات عن العبادة والألة وما يجعل من هذه الديانة هي الخالدة والديانات الاخرى مليئة بالصور المشينة والعادات السيئة، لذلك فأن تصورات (مونتسكيو)، التي حاول تدوينها في رسائله كانت تعبر عن طبيعة الصور المرسومة عن أبناء الديانة الاسلامية في المعتقدات الكنسية، و(مونتسكيو) لم يخرج عن هذا الاطار، بل حاول أنّ يجعل من هذه المعتقدات تنطق عن لسان أهل الشرق والمسلمين أنفسهم من خلال (ريكا وأوزبك) ومراسليهما في أصفهان، حتى يظهر للعالم الغربي مصداقية تصوراته عن الشرق المسلم، هذه الارض التي قامت على الانحرافات والهرطقات والمخالفات العقلية والفكرية التي تتعارض مع المعتقدات السليمة المنتشرة عند الغرب وكنائسهم دون التحقق من هذه المعتقدات الخاطئة من أرض الواقع، حتى أنّ هذه المعتقدات الخاطئة عن الشرق والاسلام والمسلمين وعن مؤسس الدولة الاسلامية الرسول محمد(ص)، قد جعلها كجزء من أفكاره أثناء تدوين كتابه (روح القوانين او روح الشرائع) التي يرى فيها ان الدولة الاسلامية هي مناقضة لروح القانون، وأنّ هذه الدولة قائمة على الاستبداد الذي أصبح من سمات الدولة وركنها الذي توسعت من خلاله الى بقية المناطق التي وصل اليها الاسلام(2).

وإذا انتقلنا الى مفكر غربي آخر، هو (فرانسوا ماري آروويه) المعروف بـ(فولتير1694-1778) ويراه البعض بأنه صاحب الخطاب التنويري الذي اعطى للفكر الغربي دفعه الى الأمام في مواجهه الافكار الرجعية في وقته، لكن هذا لا يمنع من أنّ (فولتير) قد بقي حبيس الافكار المنغلقة تجاه الاسلام والرسول محمد (ص)، على الرغم من أنّ افكاره خالفت بعض الشيء من سبقوه في الرؤية الى الإسلام بصورة عامة لكنها تجاه الرسول (ص) بقيت منغلقة، لذلك فأن "الخطاب التنويري: وتجسده فلسفة الأنوار التي تمثل أحد اهم الأركان المؤسسة للفكر الغربي المعاصر ومرجعيته يعتز بها الفرنسيون. هذه الفلسفة، كما هو معلوم، ظلت حبيسة رؤية توفيقية براغماتية تجمع بين مدح الاسلام وذمه، والاعجاب به واستهجانه، والانبهار به والسخرية منه. وقد تجسد ذلك في مواقف فولتير(Voltaire) الذي اقر بأن الاسلام لم ينتشر بواسطة السيف، لكنه في الوقت نفسه يعد الرسول (ص) (متمرداً)، (خائنا) و(مجرماً) "(3).

إنّ هذه التصورات التي وضعها (فولتير)على الرغم من إنه يشير الى إنّ دولة الإسلام لم تنتشر بالسيف، أي بالقوة، لكن مثل هكذا تعاليم تنتشر بدون قتال لايمكن ان تنتشر مع شخصية تتسم بالتمرد والخيانة والجرم . وهنا اما وقع (المحجوب) في سوء فهم نوايا (فولتير)، أو أنّ (فولتير) كان غير منطقي في رسم صورة لرسول الاسلام وهي صورة مشوهة لايمكن أنّ تحقق أفكارها انتشار واسع في المجتمع الاسلامي، ونحن مع الرأي الثاني ، لأن (فولتير) كان يرى في شخصية الرسول (ص) رؤية غير جيدة كونت مجدها بالجرم والتمرد والخيانة، وهي الحقيقة التي بنى عليها فولتير تصوراته، اذ صور الرسول (ص) "كنموذج للتعصب والطغيان الدينيين، في استغلاله مشاعر البسطاء ومعتقداتهم الساذجة لبلوغ غاياته الشريرة كما أنه في نظره متعصب، عنيف، محتال وعار على الجنس البشري، وأنه انتقل من كونه تاجراً، ليصبح نبياً مشرعاً وملكاً، وبقوله: (ان محمد عندي ليس سوى مَراء Tartuffe بيده سلاح، انه زير نساء وأعظم عدو للعقل" (4)، وهذه الاوصاف اكدها في مسرحية بعنوان (محمد)، والتي يصور فيها شخصية الرسول (ص) على ما كان يعتقده من اوصاف مشوهه وصور بعيدة عن هذه الشخصية العظيمة، وهذه المسرحية، سنتناولها في الفصل القادم المخصص للأعمال الفنية والادبية المسيئة للرسول(ص).

إنّ كل (مونتسكيو وفولتير) قد أصبحا من مصادر المهمة التي أستقى منها الفيلسوف الالماني (جورج فيلهلم فريدريش هيغل 1770- 1831)، في نظرته للإسلام وللمسلمين والمؤسس لهذه الدولة الرسول (محمد ص) . إنّ تأثير (مونتسكيو) على (هيغل) كان من خلال كتابه (روح الشرائع) ومصادره التي بنى عليها تصوراته للنظرة للإسلام، بل ان التأثير جعل (هيغل) يستخدم الالفاظ نفسها فيما يخص تكوين الدولة الاسلامية المناقضة لروح القانون، وكذلك تصورات (مونتسكيو) عن الاستبداد الاسلامي، أما تأثير الذي خلفه (فولتير) على (هيغل) فيما يخص المظهر السياسي الاسلامي، وعلى الرغم من أنّ (فولتير) قد انتقد (مونتسكيو) فيما يخص الدولة الاسلامية عنده، لكنه لم يتخلص من النظرة ذاتها، وقد سار في نفس المنهج عند (مونتسكيو) مما شكلا مصدراً مهماً لهيغل في هذا المجال (5).

إنّ نظرة (هيغل) عن الشرق هي نفسها النظرة الى الاسلام وباعتبار الاسلام هو الامتداد التاريخي والطبيعي للشرق، لذلك فأن (الروح المطلقة) لديه والتي تعد الفكرة المركزية في فلسفته، قامت بمراحل تطورها التاريخي ابتداءً من العالم الشرقي، والعالمين الاغريقي والروماني وصولاً الى العالم الجرماني، والذي تطورت فيه الى درجة النضوج الانساني المتكامل وفي هذا المسار التطوري للروح المطلقة، أخرج (هيغل) الاسلام من دائرة التطور والانسانية التي تقوم على الجانب العقلي في نظامه الفلسفي، وهذا يأتي من أنّ الاسلام ونظامه العقدي والروحي استبعد الاهتمام "بالعالم الانساني، وهذا هو السبب الذي جعل المزاج الاسلامي يتأرجح مثل بندول بين الحماسة المتطرفة واليأس المطلق، من حد اقصى الى أخر، وبسبب من هذه الحدود القصوى انطوت الحضارة الاسلامية على نوع من التدمير الذاتي، والوقوف على حافة الخروج من التاريخ لا شيء لدى الاسلام يقدمه الأن سوى التطرف، والاستماع الجنسي، والطغيان"(6)، وهذه المرتكزات الثلاثة هي ما تكررت عند أغلب المفكرين ورجال الدين الغربيين وخصوصاً قضية الاستمتاع الجنسي والشهوانية المرافقة للمسلمين ورسوله محمد(ص)، حسب وجهة النظر الغربية، وطغيان الدولة وتوسعها على حساب الامم الاخرى بالتطرف والارهاب وقوة السيف، وكأن الاسلام امة متوحشة يصورها الفكر الغربي ويسوقها على مدار الاجيال الى العالم اجمع، ويركز (هيغل) في رؤيته الفلسفية على إنّ الشرقيين ومن ضمنهم المسلمين ذات النزعة الشهوانية هم ليسوا أحراراً، أي أنهم لم يعرفوا الحرية بكافة أشكالها، "فأنهم لم يكونوا احراراً، وكل ما عرفوه هو ان شخصاً معيناً هو حرٌ، ولكن على هذا الاعتبار نفسه،  فأن حرية ذلك الشخص الواحد لم تكن سوى نزوة شخصية وشراسه، وانفعال متهور وحشي، أو ترويضي واعتدال للرغبات، لا يكون هو ذاته سوى عرض من أعراض الطبيعة، أي مجرد نزوة كالنزوة السابقة، ومن ثم هذا الشخص الواحد ليس الا طاغية، لا انساناً حراً، ولم يظهر الوعي بالحرية"(7)، وهذه التصورات هي مطابقة في الرؤية للإسلام ولرسوله(ص) هذه الأمة التي لا يعتبرها امة حرة، بل هم عبيد يوجههم شخصية واحدة لديها نزوات شخصية وشراسة، وهي ما تنطبق على تصوراتهم الفكرية في الغرب عن الرسول محمد (ص)، علماً إنّ (هيغل) جعل الاسلام هو الامتداد التاريخي والطبيعي للعالم الشرقي.

 

أ. د. محمد كريم الساعدي     

.................

الهوامش

1- ديورانت، ول وايريل: قصة الحضارة، عصر فولتير، الجزء الثاني من المجلد التاسع، ترجمة: محمد علي ابو درة، بيروت: دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، ص150-151.

2- ينظر رشيدة، محمد رياحي :هيغل والشرق، بيروت :دار الروافد الثقافية ناشرون، ووهران : ابن النديم للنشر والتوزيع، 2012، ص54-55 .

3- بن سعيد، المحجوب: الاسلام والاعلاموفوبيا، دمشق : دار الفكر، 2010، ص13.

4- احمد، السيد ابراهيم : مسيرة الاساءات الى خاتم الرسالات(ص)، انترنت: شبكة الالوكة، شبكة اسلامية فكرية وثقافية شاملة، في 12/1/2013.

5- ينظر: رشيدة، محمد رياحي: المصدر السابق، ص52-56.

6- ساردار، ضياء الدين : الاستشراق، صورة الشرق في الآداب والمعارف الغربية، ترجمة، ترجمة :فخري صالح، ابو ظبي : كلمة، 2011، ص96.

7- ابراهيم، عبدالله: الثقافة الغربية والمرجعيات المستعارة، بيروت : دار العربية للعلوم ناشرون، 2010، ص182

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم