صحيفة المثقف

الناقد وجمهورية التحزبات الثقافية؟

حيدر عبدالرضامن الأكيد إن البنية الثقافية في العراق، تسير في هذه المرحلة الأخيرة، على أقدام عنوان واضح وصريح وهو (التحزبات الثقافية) ودال هذا العنوان صار متفشيا داخل صفوف الأدباء والشعراء والكتاب من أبناء مدن العراق بشكل خاص. ولعل القارىء لعنوان مقالنا، سوف يواجه ثمة مساءلة محيرة مع نفسه وثقافته: أي ما معنى التحزبات الثقافية وما صلة وصلها بإنتاجات الأدباء والعملية النقدية ودور الناقد، لذا سوف أوضح لقارئنا الكريم، عن ما يحدث الان داخل مشهد الابداع العراقي، لنفترض مثلا بادىء الأمر، بأنني كتبت مقالا ما عن أعمال ونصوص أحد الأدباء، فهذا بدوره لا يعني شيئا، عندما يكون المكتوب عنه أي صاحب النص من أبناء مدينتي البصرة، ولكن لربما الأمر يبدو مختلفا، عندما أحاول أن أفصح عن وجهة نظري، بمجموعة قصصية تخص قاص من مدينة نينوى أو كركوك مثلا، فبهذه الحالة وياللعجب تتحول عملية طرح وجهة نظري تلك إلى نوع ما من الحروب والصراعات والحنين الزائغ إلى جذور ذلك الكاتب الذي هو ينتمي إلى مدينة أخرى، تعاكس مدينة وهوية وجذور ذلك الناقد صاحب المقال . فإذن في هذه الحالة ينبغي على كل أدباء تلك المدينة التي هي عائدة لشخص ذلك الكاتب المكتوب عنه، الإنتفاضة والشجب بوجه ذلك الناقد، الذي قام بحرية أبداء وجهة نظره إزاء قصة أو رواية ذلك الكاتب . قد يبدو مثالنا هنا شبه أختباري وتندري، ولكن ما هو عليه أدباء مدن العراق من تعصب وطائفية وعشائرية ورجعية، ما لا يستحق منا الصبر والتريث إزاء هكذا ظواهر همجية ومتخلفة إلى حد الهامة . ومن أجل أن لا ننسى أقول وأذكر أدباء مدن العراق بشكل عام : لعل من أبرز علامات أنحدارية وسقوط ثقافة الأديب، هي أن تختلط لديه أحكام الثقافة بسطوة فحولة عناصر الطائفية والعرقية والأجتماعية، أي بمعنى أن تتحول لدى هذا الأديب جميع التطلعات المعرفية والذوقية، إلى مجرد صورة مشوهة تهيمن عليها، خطابات ومقولات النموذجية الأخوانية والعرقية . فأنا شخصيا أعرف بأنني قد وصلت مع بعض الأدباء إلى حد الحرب الطويلة والخصام المديد، أثر موقف قد كتبت فيه مقالا عن شاعرة من مدينة أخرى غير مدينتي، فبهذا الأمر صارت كل أقلام أدباء هذه المدينة تهاجمني وبأقسى ألفاظ الشتم والتجريد واللعن والبصاق . في حين أنني لم أقم بموضوع مقالي ذلك، سوى أنني حاولت تشخيص مجرد ظاهرة ثقافية معينة في حوار قد أجري مع تلك الشاعرة وهذا كل ما في الأمر : ألا يعتقد هؤلاء الأدباء أو ذلك الشاعر، الذي هو من مدينة أخرى غير مدينتي، إن ما قد قمت به في مقالي هو ما لا يستحق كل هذا الأعتبار بمسعى العداء والعدوانية من جهتهم على شخصي وعلى قلمي . إن حكاية الناقد وحزم أذيال الطائفية الثقافية والتحزبات الاخوانية لدينا في العراق، باتت تشكل يوما بعد يوم ظاهرة مثيرة للأنتباه والدهشة، لذا يراني القارىء الأن أسرد له بعض من هذه المفارقات العجيبة من معزوفة الطائفية والتحزبات الثقافية، كما ليعلم القارىء أيضا، بأن لدي هناك عدة نماذج شخوصية معينة في الدليل والدلالة، لربما من شأنها تسهيل حبكة مجريات مقالنا هذا، إذا تعاملنا مع هذه الظاهرة من جهة ما بحسية الأمثال والأسماء والمواقف، ولكن أعتقد من جهتي الشخصية، بأن ليس هناك من حاجة لذكر وأحصاء الأسماء والمواقف، لاسيما إن هذه الأسماء الأكاديمية التي هي في قرارة نفسي ومثالي هذا تعرف نفسها جيدا ودون حاجة لذكر الأسماء، بيد إنها هي من تحاول أن تشيع حول ذاتها ثمة هالة خاصة من الوقار والكياسة الزائفة والمفتعلة في كل أوراقها ونصوصها وهشاشة مواهبها . ولكن فقط من المهم جدا لدي أن يعلم القارىء، بأن هناك في أوساطنا الثقافية ومعشر الأدباء، تسكن ثمة بوادر من العناصر الخالدة والعظيمة بطائفيتها العشائرية والعرقية، كذلك في نفوس وشخوص من الأدباء من تهيمن على أذواقهم شبه المتكاملة ذوقيا، ثمة شحنات خاصة من التعصب والأرتجال في لا معقولية ما يعتقدون فيه من أفكار وملاحظات ونظرات ساذجة للأمور الثقافية والحوار .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم