صحيفة المثقف

البداية والنهاية.. قصة العشبة النادرة نموذجا

ناجي ظاهرتكتسب الكلمة الاولى- البداية. والكلمة الاخيرة- النهاية، في القصة اهمية خاصة لدى الكتاب والقراء على حد سواء، وقد اولى الكتاب الكلمة الاولى اهمية خاصة حتى ان كاتبا مثل الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، صاحب رواية" مائة عام من العزلة"، قال في اكثر من تصريح ادبي له، ان المشكلة الاساسية التي يعاني جراءها قبل الشروع في الكتابة، هي الكلمة الاولى.. فاذا ما حضرت هذه الكلمة، بات البدء في الكتابة سهلا ميسورا، وللتوسع في مسألة البداية اشير الى دراسة هامة جدا حولها، للكاتب المفكر ادوارد سعيد، اما فيما يتعلّق بالكلمة الاخيرة في القصة، فإنها يُفترض ان تجمع خيوط القصة في حزمة واحدة لتلقي بضوئها على كل ما تناثر من خيوط في القصة، وقد اطلق الدارسون الادبيون والنقاد على نهاية القصة صفة معبرة هي: لحظة التنوبر.

غني عن القول ان بداية القصة تهيء، في العادة، الجو لما يأتي بعدها، بمعنى ان الكاتب يحرص على اختيار الكلمة الاولى بألمعية وتحسّب، فهناك اكثر من معنى لكلمة دخل مثلا. منها ولج ، دلف، عبر وتسلل وما اليها من كلمات تفيد معنى الدخول. هكذا نلاحظ انه يفترض في الكاتب ان يكون واعيًا لوضع الكلمة الاولى في قصته تمام الوعي ..اما فيما يتعلّق بالكلمة الاخيرة في القصة فيفترض ان تكون اضافة إلى تنويريتها المشار اليها آنفًا.. معبّرة عن مجمل ما ارادت القصة ان تتمحور حوله وربما ان تقوله، وهناك رأي طريف لشكلاني روسي بارز هو شكلوفسكي، يقول ما مفاده، ان القصة، اشبه ما تكون برحلة جبلية تنتهي بالوصول الى القمة/ النهاية.. لننظر خلفنا فيهولنا ما قطعناه وما خلّفناه وراءنا من مسافات واسعة شاسعة، وقد لا نستطرد كثيرّا اذا ما اشرنا الى انه يوجد هناك نوعان من النهايات، إحداهما مغلقة وهي التقليدية، ويغلب عليها الطابع التعليمي عادة، والنهاية المفتوحة، وهي التي تتعامل مع قارئها بشفافية اكثر وتتيح له الامكانية لأن يكون مشاركًا في عملية التخييل القصصي، وفي تصور النهاية التي يراها مناسبة من وجهة نظره، وقد تعامل معظمُ الكتّاب الجادين في العالم مع هذا النوع الاخير من النهايات.. لقد شغلت النهايات الكتاب، حتى انه يقال ان الكاتب الامريكي ذائع السمعة والصيت ارنست همنجواي صاحب الرواية المعروفة عالميا "الشيخ والبحر"، كتب نهاية قصته المعروفة ايضا واقصد بها "الشمس ستشرق ايضا". اربعا وثلاثين مرة. وهناك الكثيرون من الكتاب الذين شغلتهم نهايات اعمال ادبية لهم، اشير منهم الى الكاتب الالماني برتولد بريخت الذي وضع نهايتين مختلفتين لواحدة من مسرحياته المشهورة.

قصتي.. العشبة النادرة نموذجا

حرصت في هذه القصة على ان ابدا بوصف جميلة الجميلات لغرض قصصي في نفسي.. بعدها انتقلت للتحدث عن اسمر الذي وفد للبحث عن العشبة النادرة. التي تحتاج اليها والدته المريضة للشفاء مما المّ بها من مرض مستعص. بعدها جمعت بين الاثنين متوسّلًا بحادث قصصي متخيّل.. وانهت القصة بعودة اسمر وبرفقته جميلة ألى حيث والدته.. الوالدة تستقبل الاثنين بترحاب ومحبة.. تنسى مرضها.. تقذف بالعشبة النادرة التي احضرها لها ابنها اسمر.. وتقبل على محبوبيها المقبلين.

يرى الاخوة القراء انني ابتدأت بوصف جميلة الجميلات.. العشبة النادرة. بعدها اخذت بالتدرج رويدا ريدا، كما تتطّلب القصص. وانهيت القصة بعودة اسمر إلى امه وبرفقته عشبته النادرة. جميلة الجميلات. القصة تنتهي باستقبال الام لغالييها الحبيبين، ابنها اسمر وحبيبته جميلة. هكذا انهيت القصة دون شرح او تفسير. تاركا الامكانية لقارئ القصة لان يتخيّل ويشارك بالتالي في اعادة صياغة القصة.. وربما في وضع النهاية المناسبة من وجهة نظره.

هكذا يرى الاخوة القراء انني ركّزت في بداية قصة العشبة النادرة على جميلة الجميلات وتدرّجت رويدًا رويدًا حتى وصلت إلى انها هي العشبة النادرة التي احتاج اليها اسمر.. وقبله امه.

 

ناجي ظاهر

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم