صحيفة المثقف

حديقتي.. الذئب والغراب

حسين فاعور الساعديحديقتي جميلةٌ وضيعتي غنّاءْ

حديقتي في قلبِ ضيعتي

وضيعتي يحيطُها جدارْ

يصونُها جدارٌ شاهقٌ متينٌ

ليس من اسمنت أو أحجارْ

يردُّ عنها الريحَ والذئابَ والغربانْ

يصونُها ويمنعُ الأخطارْ

يصونُ أهلَها

يمدّهم بالحبِّ واليقينْ

ويملأ النفوسَ بالإخاءِ والإباءْ

حديقتي في قلب ضيعتي الفيحاءْ

وضيعتي يصونُها جدارْ

يغرّدُ العصفورُ في ربوعِها

وفي نهارها يصرصرُ الصرصارْ

يطنطن الدبّورُ للثمارِ

يمرحُ الخروفُ في أحضانها

لم أصُنْ حديقتي

غفوتُ عن ثمارِها

غفلتُ عن جدارِها

وأهل ضيعتي نيام

تشقّقَ الترابُ في حديقتي

تجعّدتْ أشجارُها،

تطايرتْ أوراقُها،

تبخّرتْ ظلالُها،

تعفّرَ العصفورُ في أرجائها

رأيتُ الموتَ صائلاً وجائلاً

في عرضها وطولها

فهاجرَ العصفورُ والخروفُ

والدبّورُ والصرصارُ والغزالُ

دوّى الصمتُ في أرجائها

وأجدبتْ حديقتي من شدّةِ الأحوال

وكنت نائماً

وعزوتي نيام

أفَقْتُ من غيبوبتي وغفلتي

وجدتُ الذئبَ حوَّلَ الأنهارَ

عن حديقتي وضيعتي

وهدَّمَ الجدار

ناديتُ عزوتي أبناء ضيعتي

استنهضتهم

ناديتهم

ناديتهم فغلّقوا الأبواب

جمّعتُ طاقتي

أسندتُ قامتي

جمّعت خبرتي

نفضتُ اليأسَ والضياع

سحقتُ الصخرة الصماءْ

بمعولي حفرتُ حاجزَ الترابْ

فعادت الأنهارُ في حديقتي

وضيعتي تنسابْ

شجّرتها حديقتي بأحسن الأنواع

شذّبتُها

حضَنتُها

سقيتُها

مزقتُ ما لديَّ من ملابسٍ

هجّنتُ ما استطعتُ من أشجارها

راقبتُها ...

رافقتها فبرعمتْ

راقبتها فأطلقتْ

رافقتها بغبطةٍ

حضنتُها فنوّرتْ

حضنتها ...

رافقتها فأثمرتْ

رافقتها ...

حضنتها فأينعتْ

وأعطتْ أطيبَ الثمار

فغرّدَ العصفورُ في الصباحِ

عند الظهر أعلنَ الصرصار حفلةً

وبعد الظهرِ طنطنَ الدبورُ

عادت الثمارْ

وكم فرحتُ حين في حديقتي تبخترَ الغزال

فدقَّ قلبي من جديدٍ راقصاً

وعادتْ طاقتي

شعرتُ بالفخار

بنيتُ حولها عقيدتي قصائدي جدار

لم يكن للذئبِ شأن بالجدار

لكنه أطل من ورائه

وقدّمَ احتجاجاً

أرسلَ الغرابَ ناعقاً:

الحياةُ أفقها انفتاحْ

وعزها انبطاحْ

والخيرُ قادمٌ يعيقهُ الجدار!

فهب أهل ضيعتي وصدّقوهُ

صفقوا لقولِهِ

واستنكروا الجدار

فدار بينه وبينهم حوارْ

تشعّب الحوار واستفاض

فالغرابُ لا يزالُ

في تراث عزوتي ينام

والغرابُ يمشي في عروق عزوتي

وأهل ضيعتي

وبينه وبينهم غرام

فهدّموا الجدارَ

أسقطوهُ...

بايعوا الغرابْ

خليفةً وقائماً مقامَ

ربّ الأرضِ والسماءْ

فحوّل الأنهارَ عن حديقتي وضيعتي

ويبّسَ الأشجارَ

أشعل النيران في عشرين موقعاً

وقسّمَ الجيرانَ مؤمناً وكافراً

وعلّمَ الأطفالَ رقصة الفناءِ

والولاءَ للغرابْ

ليحفظ الخرابْ

ويضمن البقاءَ في حديقتي ما شاءْ

***

حسين فاعور الساعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم