صحيفة المثقف

سيميائية الرؤى بتشكيل معاصر لنص: على حافة فقدانها للشاعر ريكان إبراهيم

انعام كمونةالشاعر المبدع مَنْ يبصر تأمله بمرآة عصره ويستوعب الاتجاهات الأدبية والتغيرات الفنية والنتاجات الفكرية المستجد ة بحداثتها ومراحل تطورها الحضاري لمواجهة الواقع لأنه جزء منه، فيسعى لأحياء الموروث من التقاليد باستمرار حيوي بما يلائم جيله ويغترف الحداثة من جميع الثقافات العصرية، لذا مسؤولية الشاعر بوجهة نظري لا على محك التقليد وانما يمد جذور تاريخه الأدبي وعراقة تراثه بأسلوب متوازن بين الماضي والحاضر ينقب عن المخفي ليظهره بين الأصالة والمعاصرة....

- ولنستشفع برأي للناقد العراقي فاضل ثامر (على الشاعر ان يفهم النبض الحقيقي للعصر والذات، لكي يكون قادرا على فهم متطلبات بناء قصيدة حداثية قابلة للحياة في مواجهة هذا السيل الذي لا ينقطع من التجارب الشعرية المتباينة عبر تحقيق لون من المزاوجة الخلاقة بين ما هو ذاتي وموضوعي، وبين ما هو تخيلي وما هو واقعي، وبين ما هو وجداني وعاطفي، وبين ما هو فلسفي تأملي واستبصاري، بين ما تفعله العين للمرئيات والأشياء، وما تفعله الذاكرة من اعادة صياغة الأحداث والمواقف، ونبشها من قعر الماضي الى فضاء الحاضر، بين هيمنة صوت الشاعر الأحادي وبين تعددية الأصوات الشعرية عند ذاك فقط سيكون الطريق سالكا أمام ممثلي "قصيدة الشعر " لكي يدخلوا مملكة الحداثة من أوسع أبوابها )1...

- وقد اعتمد الشاعر برؤاه على سوسيولوجيا الوجود منذ بادرة الخلق الأول وحتى الآن، فاتخذ من تاريخ الحياة الاجتماعية مهبط لرؤاه ومنبع قضيته، فرحل بنا عبر الزمن لعدة كونيات حية دينامية الفلسفة، تناول فيها عدة قضايا انسانية مختلفة بدلالة الفكرة مؤتلفة المضمون، تمثل حالات صراع نفسي وعاطفي دائم مع الأعراف الاجتماعية، ، بإشكالات التقليد البعيدة عن المنطق متغاضية عن افرازات الزمن بمعايشة الواقع، وما تخلف من اسباب ونتائج عقيمة ضد علاقة المرأة والرجل على حد سواء، لأن ما ان تتضرر المرأة حتى تكون عواقبها على نصفها الآخر ولكن هذا الإدراك أو أغفال مسكوت عنه بقصد أو غير قصد...!!

- وقد اهتم كثير من الشعراء والباحثين والفلاسفة لمعرفة سبب هذا الشرخ بين الجنسين ودراسته بحلول، ومنهم الباحث التنويري ماجد الغرباوي في مشروع كتابه الفلسفة النسوية، ذكر فيه عدة آراء لتحرير المرأة من عبودية الرجل وسلطته القهرية لأنها كائن سوي يستحق المساواة الإنسانية التي اوصى بها الله، اذكر احداها نصا (مالم يكن اعتراف المجتمع بإنسانية المرأة اعترافا حقيقيا يبقى التسامح معها تسامحا شكليا، ويواصل الرجل نظرة الازدراء .يضع نفسه فوقها، ويتعامل معها بتعال ذكوري)2، وهذه احدى قضايا المرأة التي تعاني منها نتيجة أسلوب تربية الأسرة، وتراكم تبعاتها العنصرية للنوع، والبيئة الاجتماعية المحفزة للتسلط بلا رادع انساني ولا ديني...

 

- ومن ذلك الاستلاب استلهم الشاعر مضمون القصيد وارتكز رسم صور متفاوتة لظواهر اجتماعية برصد واعي وفكر دارك، فتحدى حفيظة الأنا وجردها من سطوتها الخاصة، وأنطق ذات الصمت بحرفية شاعر، شخص رؤاه من مجتمع بهيمنة ذكورية، وغاص في بحر المعاناة بفلسفة معالج، فرسم هموم المرأة بأسلوب ومضات نصية، مكثفة، بعيدة عن التكلف ببساطة التعبير وعمق الدلالة، بمواقف احتجاجية واعترافات رافضة لمغالطات مستشرية اجتماعيا بتلقائية لغة نفسية ضاربة في عمق التأرجح النوعي، باستعارة رموز أو سيمائية إشارة لتجسيد فلسفة وجود ثنائي الكونية بمقاربات بنيت من تضاد الأفكار لتناقض متأزم نتلمس الإنكار الذاتي لمعتقد سائد وتصرف غالب ...

- العنوان

- (على حافة ) صيغة بنائية من عناصر اللغة، سهلة التعبير (الجار والمجرور) وهو مضاف، وفقدان مضاف إليه، والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه، وشبه الجملة (على حافة فقدانها) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هي)، وبما ان الفقد للشيء المادي والمعنوي بإحساس الا ان الضمير المتصل (ها) بما يوحي من اشارة أنثوية غائبة من الضمير (هي)، لاشك ان هناك عمق دلالي بعيد المآل في جوهر القصد فمن التي على حافة الفقدان..؟، فنلاحظ بساطة التعبير تستفز دهشة المتلقي/ القارئ فيسعى لبصيرة التساؤل بما توحي هذه الحافة ليستخلص دلالتها المرتكزة على مفردة (فقدانها)، مما يحدو بنا لفضاء التأويل الواسع فأي الدلالات ستكون بشرفات ذهن القارئ وأيهما سيحلق بها بعد التمعن ليوحدها مع بقية العتبات قد تعمم موضوعية الخطاب...

- يستكمل العنوان بيان الإيحاء بانزياح تركيبي يستبطن الدلالة ببعدها المعرفي أو يدفعنا للبحث عنها بين طيات الفكر الحسي فإيهما يشغل لهفة إدراك القارئ للإسراع باستحضارها، ليستوضح المعنى ويسعى لفك اسره، بما يفصح عن مناجاة نفسية ذاتية الرؤى تثير حسية القارئ وتدفق وعيه لإرشاده لمبتغى رؤى الشاعر ونبوءته المتوقعة لإنتاج الدلالة...

- كما ان للعنوان ثراء دلالي غير نمطي يستكمل الروعة في الاستغراب بما تخفيه اللفظة من مجانية رؤيا بلا زمنية محددة تفسح امام المتلقي دلالات بينية متغايرة..؟، فحالة الفقد شعور نفسي متناهي الحرمان يفك قيد الزمن ويمنحه ديمومة حاضرة ومستمرة لا ينفصل عن الأمكنة فيستشرف كينونة الذات ويتبلور في الأنا بتفاعل نفسي...

- النص:

يستدرجنا الفضول الأدبي لنستمد من نص الشاعر بعض الرؤى نستجلي ما يتوقد بذهنية مستبصر قد تقودنا لبعض الظواهر...

- من الرؤيا الأولى تتفتح شهية المتابعة فنسعى للغور في فك أحجية الإيحاء، وفرد تشابك القصد، بمقاربة ثنائية لحسية مشاعر بمعجميات صوفية هي (الموت والحياة ) والرابط المحوري لها مفردة واحدة هي (الحب) بمرآة ضدية الصور لقطبي الحياة (آدم وحواء) ...

 "حُبّ الموتْ"

و"موتُ الحُبْ"

كانت الاولى لي

وكانتْ لكِ الثانيةْ

- وبلغة ثنائية التشكيل ثلاثية الأبعاد، متضادة المفردات مختلفة الدلالة من صميم الحياة، تتجلى برؤى ميتافيزيقية المنحى سيميائية التصوف،  يتفجر منها منطق كينونة الوجود بتركيبها البسيط لذا تستدعينا لانزياح ذهني مموه الدلالة، بتوظيف الفاعل المحرك لكتلة الأحاسيس ونغمة الشعور هو رمزية (الحب)، فالحب عاطفة الوجود تتشظى منه دلالات حسية لا حد لها كلما أدركها العقل أو القلب اختلقها التأويل ك (الحياة، الحضور، النور، العلم، ...)، بجوهرية الحواس ومغناطيسية التحسس تلتئم الرؤى عفويا بما يحلق تأويل القارئ...

- وما لمعجمية الموت ظواهر جدلية معقدة يتلبسها الغموض بتوقيتها واسبابها وإشكالياتها في الزمان والمكان، تشغل فكر الإنسانية لما فيها من قدسية مشاعر روحية، حتى بحث الإنسان عن عشبة الخلود هروبا من الموت، كما في أسطورة كالكامش، وما للموت من ايقاع دال حزين المظهر وسيماء غائرة لدلالات مكتظة بالإيحاءات النفسية والعلمية والدينية، يوازي دلالات مفردة الحب ك (العدم، الغياب، الظلام، الجهل)وغيرها، منه تتراءى إحالة دلالية التأويل لجدلية مشاعر بتجاذبات تتناوب بين (القلب والعقل ) بمحور الأحاسيس، نلاحظ تقنية مقتدر بأدوات شاعر ...

- يبدو التكثيف في التعبير ("حُبّ الموتْ") فالحب عاطفة انسانية وجدانية الشعور تشغل كل الحواس بحيوية الأحاسيس إحالة لدلالة روحية بتغيرات معنوية التأثر النفسي والتأثير، أما رمز الموت فهو غياب الحياة واندثار الأحاسيس بدلالة تغير مادي إحالة لدلالة الجسد، أما تغيره المعنوي بما تخفي الكلمة من هدم وفناء، فالحب هواء والموت تراب، وكثير من الدلالات التي يستنتجها القارئ بذلك التضاد فليتمهل باستنطاقها...

 - وبما يختزن رمز الموت من شحنة ميتافيزيقية فلسفية الخيال، لرغبات جسدية وتأثيرات نفسية تشي بدلائل سببية متعددة لعوالم الغياب كالفراق والهجر، ينشدها الشاعر معاناة حسية بروح فكرية لحياة جديدة أخرى، وتساؤل يطرح نفسه لماذا يحب الموت ؟، ومتى ؟، بانزياح غير متوقع للقارئ تستدرج الدهشة لدلالات افتراضية التأويل من أجل مبدأ ما أو التضحية والتفاني للدفاع عن منبع جذوره وانتمائه ومشهد آراءه المتمثلة بالوطن، وطموحا لتشعب التأويل يتحفز في ذهن القارئ دلالة الإقصاء عن عالم الآخر لعدم التوافق بمكنون المشاعر، إحالة تأويلية لدلالة اغتراب عاطفي...

- ثم نرى انعكاس الصورة في مرآة الشاعر الثنائية الأوجه في التعبير الآتي (موت الحب ) بتبادل موقعي متكافئ، ليقحمنا الشاعر في لذة اكتشاف الغرض وشارة الدليل لرؤياه الصوفية،  فلنرى متى يموت الحب ..؟، هو إجابة للعبارة الأولى باعتراض سياق المعنى بتشكيل مترابط، فما زال حب الموت والفناء مستمر وجوديا فالموت هو التخلي عن الأحاسيس ونعي المشاعر بإجهاض مبدأ ما أو احباط نفسي، والذي يخمد جذوة الحب هو فراق قسري مفروض يغتصب الحياة وما الحياة القائمة بغير الحب الا عبث فوضوي لا عمر يطيقه، إحالة دلالية لليأس والقنوط ...

- باستعارة دال الضمائر تتماهى الدلالات خفاءً في ثنائية (المتكلم والمخاطب) وتوظيف بنية الخطاب الافتراضي ولربما واقعي، والتي يعبر عنها بصيغة التضاد بين الأنا والآخر بدلالة تملك في( الأولى لي، والثانية لك ) فتتعاضد وتتوحد باختلاف متجاذب، ترابط متين تعود بدلالاتها لرموز ذاتية القصد، وتتجلى بخطاب صوتي حميمي الشعور تارة واخرى تذبذبات جفاء، فنرى إحالة تأويلية لتباين الأحاسيس وعدم التوافق النفسي، تقنية مكين بأبسط التعابير...

- ومن الفعل (كانت) والذي صاغه الشاعر من الماضي بذاكرة توقد حضوره تنشر مداها مستقبلا بذهن المتلقي بتكرار دلالي يؤكد ابعاد الحالة النفسية لطبيعة شعور بتضاد متوتر لجدلية ثنائية الموت والحياة، يجذب القارئ لرسم دلائل ذهنية يمكن أن يبيحها بمستوى تذوقه ففي نبض الحروف سيل دلالات لا يمكن تجاوزها أو الأغفال عنها تستدرجنا لمقاربة تضاد دلالية بين عنفوان الحب وموت المشاعر، واحالة لرؤى استذكارية تتغمد الشاعر في اللاوعي بخيبات نفسية وحسرات استرجاعية تقيض ذهن القارئ بالتأويل والدلائل لاستذكار زمني حسي يتجدد، لغة مختزلة بخبرة شاعر...

- وبرموز ميثولوجية يستعين بها الشاعر بفكر صوفي تتجلى كثيرا من قصص اسطورية اجتماعية التوارث، تراود الشاعر بشغف السؤال بحثا عن مصدر النشوء وكينونة الوجود بتفكر عالق في الأذهان للتعرف عن ماهية الخلق وغيبيات نجهلها فنركن للحكايات بتجاذبات روحانية قد تقنعنا الإجابة أولا ...

لماذا صادقتِ الأفعى؟

لا تُنكري ذلكْ

التفّاحةُ التي في يدي

أخبرتني بكل شي

 - حوارية صوتية يستهلها الشاعر كناية عن(آدم) بسؤال سهل التعبير بليغ الإشارة موجه (لحواء) برموز بسيطة من محيط الطبيعة (الأفعى، التفاحة)، واستفهام استنكاري باستعارة رمز (الأفعى) وما توحي من دلالات غواية، بمقاربة استعارية التشبيه لكثير من الصفات تُتَهم بها حواء منذ نزول آدم على الأرض، إحالة تأويلية بإدانة عاطفة المرأة وعقلها بسهولة الاغواء ...

- وباستفسار اكتفائي بما يلحقه من تأكيد الأنا المطلق باستنتاج رؤيوي اجتماعي وتراثي بإنشائية تعبير (لا تنكري ذلك) إشارة نفي لأثبات التهمة على المرأة بما تتبناه أساطير خيال لا مرجعية دينية أو عقائدية لها على مر عصور الخلق، وأرى إن لذة التفكر بالأسطورة باستنتاج ميتافيزيقي هو صراع دنيوي بحدس معرفي طموح لاستكشاف أسرار الخلق بتناوب بين الشك واليقين يبقى على محك الوجود إحالة تأويلية لعدم الثقة بالمرأة ...

- وتوظيف استعاري بياني لرمز (التفاحة) دال يشي بشهادة مدلول الخطيئة بأبعاد رؤى تلهم القارىء بلاوعي من قصص توارثها عشقا بالغموض، قد يكون رسوخها جزء من متعة الغوص في فضاء التأمل لكشف أسرار الكون، أو لربما مرتهن بحكايات شعبية مختلفة أصبحت فلكلور ثابت، وتداولها فلسفة بحث ميتافيزيقي عن لغز كوني، علنا نصل لكُنه الخلق بشوق المعرفة ؟...

- نرى أن الضمائر المتصلة دلائل تضاد بين حاضر وغائب، كما في المخاطب (صادقتِ، تنكري)، وللمتكلم في (يدي، أخبرتني) فتبدو بالزياحات دلالية مركبة بين المذكر والمؤنث، يستعيرها ذهن القارئ احالة دلالية الحوار بين (أنتِ وأنا) ومنها نستدرك حضور هاء العنوان من (فقدانها)، ليتناغم مع بقية الضمائر لتأكيد الخطاب الموجه لها...

- نتحسس أثر طوبوغرافية الإنسان بعشقه المبهم لمجهول الخلق والنشوء، بسيمائية رموز دلالية الحُجة بادعاء غير موثق بما يجتاحه من تفاوت بين الرفض والقبول والاستيعاب والنكران، وبمزحة قصد او جدية غرض ملتصق بنصف الوجود (المرأة) لتبقى أُزر التهمة معاناة متجذرة عن أفكار مغلوطة بغالبية تعامل مباشر أو غير مباشر يلقي عليها تبعات نشوء كوني لا سلطة لها عليه بل مبررات مترسبة التوالد ...

- وتجسيد حالة شعورية بسمات نفسية واجتماعية بما تتمتع به المرأة من صفات تكوينية وفطرة ربانية يطوعها لتبيان مبتغاه الدلالي لفاعلية وجودها بمناخ رومانسي كما في....

عندما تهزّينَ الرضيعَ بيدِك

يهتزُّ العالَمْ

(هذا ما قالتْهُ وكالاتُ الأنباءْ

وعندما تهزّين العالَمْ

تهزّين قبله قلبي

(هذا ما قالتْهُ وكالةُ عقلي)

- يستخلص الشاعر مفرداته بدقة وعي ومقياس خبرة يشكلها بملكة شاعريته ببلاغة المعنى الموشى برؤياه الفكرية، فنلاحظ من اختيار مفردة (عندما) بتأكيد متكرر لها يفتح طاقة زمنية مستمرة مرتكزة على امتداد الوجود للذات والآخر...

- باستخدام الفعل (تهزين ويهتز) بما للاهتزاز من ردود فعل حركية نستمد نتائجها استمرارية حضور (زمكاني) بطبيعة الحال، بإحالة دلالية ترتكز على ضمير الغائب (أنتِ )، فيستثمر بايولوجية فسلجة تكوين المرأة وبنية وظائفها الحيوية باحتواء الجنين، وعاطفة الأمومة وغيرها من وظائف وأحاسيس رقيقة بجدارة الصبر وقدرة تحمل بشؤون التربية وغيرها، أما ما يشي بغرض الفعل يهتز دلالة الضمير الغائب هو سيميائية حوار تبعث على التواصل بين المتكلم والمخاطب بتداولية التأمل وخصوبة التأويل بسحر الخيال ...

 - فنرى الصورة البهية الآتية (عندما تهزّينَ الرضيعَ بيدِك يهتزُّ العالَمْ) تبدو سيمائية الحواس بدفء المشاعر مشرقة بروح شعورية رائعة، وانسياب الإيحاء بشكل تدريجي يؤكده الاسترسال من صيغة المفرد للجمع مما يلفت تأويلنا الدلالي لأهمية وجود المرأة وتقييمها كنصف مكمل بما لها من تأثير على استقرار أو تخلخل العائلة ومن ثم المجتمع، احالة دلالية تأويلية لفاعلية أثر المرأة في المجتمع...

- أما في هذه الصورة الشعرية (وعندما تهزّين العالَمْ تهزّين قبله قلبي) تستمر رؤى الشاعر التأكيدية لفلسفته الوجدانية يبث دلالات حسية أكثر اتساعا بمشاعره النفسية تنبع من عمق انساني ووعي معرفي، احالة تأويلية لأهمية الأحاسيس في العلاقات الإنسانية ...

- ولننحو لإيماءة مستبطنة بتضاد استعاري لرموز حسية بين (القلب والعقل)، كما في (تهزين الرضيع) تتمثل بدلالة افتراضية لعاطفة محمومة بالأحاسيس (القلب) وما تعني بقصدية مشاعر عاطفية، أما في(يهتزُّ العالَمْ) دلالة حسية بقصدية العقل احالة للتفكير المنطقي، فالرموز الحسية بين(العقل والقلب)ببنية تشكيل مخفي لتضاد استعاري نستقرِئه بأبداع فني لأدوات شاعر...

- وننحو لمقاربة رائعة بمستويات صوتية تتواتر على طرفي نقيض بأسلوب جميل غائر الدلالة، وتوظيف متمكن يوحي بالتوهج تصاعديا من العام الجمعي (هذا ما قالتْهُ وكالاتُ الأنباءْ) الى الخاص المفرد (هذا ما قالتْهُ وكالةُ عقلي)، تنامى الأصوات برموز حسية عامة الى رموز حسية خاصة، لا يفقدها ذاتية الموضوع رغم سلطة الأنا المتحكمة بفطرية الحواس، فنبحر برؤى المشاعر مع تلميحات اجتماعية وثقافية ورغبات نفسية ومنها نستنطق اشارات دلالية للنظرة الطرفية المحدودة تجاه المرأة في جميع المجتمعات بقيود العادات والتقاليد ينقضها بمشاعر ذاتية...

- وبنبرة تكرار الفعل المضارع( تهزين) الذي تكرر ثلاث مرات تشكيل فني لتأكيد نبرة التناغم من جوهر ذاتي المشاعر بإيقاع زمني مستمر، تلفت ذهن القارئ للتقصي عن لغة الإيحاء بشاعرية مؤثرة، فتتوهج ضمائر الخطاب تداولية تواصل تحفز للكشف عن المخبوء في تلافيف المجاز، فنرى بناء لغة شعرية بأسلوب جمالي ....

 - ولنتابع ومضة حسية في غاية الجمال برؤية انيوية ثنائية المشاعر بسيمائية عاطفية غائرة القصد، علينا أن ننقب في مكامن باطنها ونبحر في رؤى الشاعر ولغته النفسية بتأني لنلتقط الدلالة....

هذا ليس شِعري فيكْ

إنه دمي الذي يسيلْ

كلّما خدشَتْ الذاكرةْ

الشرايينَ المسؤولَة عن نسياني

- نرى دفقات شعورية لصور شعرية مركبة الانزياح نسرح مع رؤى الشاعر بكيان الحواس ومضمار تأمله حين يكتب شعرا لمن؟ (هذا ليس شِعري فيكْ) بإنشائية التعبير يستميل القارئ ليلتقط ما بعدها استكمالا للصورة التواصلية، وما يكتبه انهمار مشاعره للمرأة الحبيبة، بمداد دمه الذي ينزف وجعا، دلالة لارتقاء العاطفة بنقاء وجداني يتجلى جرحا مكلوما لا يندمل، فيشير لعنفوان الأحاسيس في اللاشعور مما يبدو من سمة تركيب الانزياح في الصورة الشعرية الآتية( كلّما خدشَتْ الذاكرةْ)، نستمد من ظرف الزمان (كلما) تعدد الحالة والتي متضمنة معنى الشرط بدلالة التكرار، وبينية حضور بإيقاع زمني متردد، إحالة دلالية التأويل برمز الذاكرة توقد احساس نفسي متأثر بتكرار الذكريات ...

- وكما يؤكد في الصورة الفنية التشكيل التالي(الشرايينَ المسؤولَة عن نسياني) فالدلالة الظاهرية من رمز(الشرايين) تُمثل أروقة الحياة النابعة من القلب، إحالة لصراع عاطفي، وكذلك نلتقط دلالة باطنية الإيحاء بليغة التعبير بالمعنى المعنوي فتشي بانسياب الشعور واستمرارية تذكر، إحالة تأويلية لهاجس نفسي مرهف الرؤى تستفز نفسية الشاعر ليسترجع الذكريات ...

- نلاحظ لغة شعرية موسومة بالانزياح الدلالي والتركيبي تنبع من انفعال الشاعر فيسكب خياله بتركيبة لغة غير مألوفة بتقنية تشكيل وبهذا تتشكل شعرية الشاعر، فحرى بنا نستذكر رأي الشاعر ادونيس (يعود جمال اللغة في الشعر الى نظام المفردات وعلاقاتها بعضها بالبعض الآخر، وهو نظام لا يتحكم به النحو بل الأنفعال والتجربة، ومن هنا كانت لغة الشعر لغة إيحاءات على نقيض اللغة العامة أو لغة العلم التي هي لغة تحديات")3

- كذلك توظيف معجميات حيوية برمزيتها الحياتية مثل( الدم، الذاكرة، الشرايين) المرتبطة بحواس مادية ليمنح القارئ التأمل بهاجس الرؤى ويرتشف من جزالة الدلالة تنوع منطق متناوب بضدية الشعور (الحقيقة والوهم، التذكر والنسيان، الوعي واللاوعي)، توظيف رائع للذات المتخيلة بتدفق مرهف المشاعر، وبيان لغة بروعة أدوات مقتدر، فدلالة النسيان حدث حسي مضى والتذكر حدث حسي آني وحاضر ومستمر...

- لننحو لرؤى سوسيولوجية عامة ( ثقافية واجتماعية) مدركة لإنسانية المرأة بعلاقات متوازنة مع الرجل في الحياة يتطرق إليها الشاعر بموضوعية حداثية بتأكيد ذاتية الآخر للذات العامة فيقول...

لماذا تقفينَ ورائي؟

ألكي أكونَ عظيماً؟

لن أكون كذلكَ

إلّا وأنت جنبي

أو في أواسطِ قلبي

أو - أحياناً – أمامي

-  يختار الشاعر ظاهرة اجتماعية عامة التداول ذاتية النزوع، صيغت بخطوط ذكورية سائدة، تخص أحدى قضايا المرأة في المجتمع، يتطرق لها بوعي فكري ورؤى ثقافية لمعالجة هذا الانطباع الغالب، ويرنو لإلغاء الفروقات بين الرجل والمرأة والتهميش المتعمد لها، ، ويستثمر مقولة من الأمثال الشعبية المتداولة والذي يعتبر جزء من التراث (وراء كل رجل عظيم امرأة ) تنسب على الأرجح لقائد فرنسي كما يشاع (نابليون بونابرت) يوظفها بسؤال استنكاري عرفاني الشعور يستهله بعبارة استفهامية كما في(لماذا تقفينَ ورائي؟)، ثم يجيب بسؤال أيضا مستدرك لواقع ملموس التطبيق (ألكي أكونَ عظيماً؟)، نلاحظ لغة التنبيه للإستعانة بوعيها أو استرداده من غفلتها ومحيطها ولا اقصد نقصا فيها وأنما كثيرا وعادة ما يوعز لها حجة تكريم بمساندة نصفها الوجودي ولنرى ما تتضح من دلائل لاحقا ...

-  فحين بجزم مؤكدا (لن أكون كذلكَ) ندرك دلالة نضوج رؤياه بخصائص إنسانية تنم عن أحساس وجداني معرفي ما للمرأة من مقياس كياني يوازي الرجل، فيؤكد بمديح غائر سهل التعبير ذاتي التقرير لينفي موقعها خلفه، لتتم المشاركة السوية في ميزان الحياة بنفس الخطوة كما في (إلّا وأنت جنبي) قد يكون تصويب استفزازي التلميح لقارئ أو ضمني الإشارة لآخر، لذا ستتنوع الآراء وبهذا يفتح مدارات تأويل لكل قارئ بتخاطر ذهني عما يضمر من تجاوب أو تغاضي ....

- ويبادرنا الشاعر بفكرة رؤيوية أخرى قد تكون استفزازية اجتماعيا في ( أو - أحياناً – أمامي)، نلاحظ ما بين المفردات من خطوط اعتراضية بدلالة التردد ليهئ القارئ تداولية معرفية، فيستميله بتمهل ماكر التأني والتأمل بمرونة تبصر، يمكن أن تسبقه لتمهد له خطوات الحياة ؟، لما لا وهي سكنا روحيا ..سندا اجتماعيا ..دعما اقتصاديا، وقد لا تتقبل بعض النساء هذه المركزية نتيجة التربية وبيئة المجتمع ولربما لقلة وعي فلا تملك حرية الإرادة للمطالبة بأبسط حقوقها، الا بدعم موثق فكريا ونفسيا وثقافيا، من نصفها الآخر أب، أخ، زوج، مرتهنة بمجتمعات نظامية...

- ويبدو أن الشاعر كرر مفردة ( أو) بنية نغمة شفيفة لاحتمالية عامة قد تؤكد دلالة اعتراضية أو ايماءة زمنية يستجلب بها فكر القارئ لتأني مضمر الرؤى لتنبيه القارئ بين الحين والآخر باستبطان فاعلية العنوان خوفا استشعاريا لفقدانها وبالتالي تتوقف الحياة، أو لكي يتفقد القارئ مضمون فقرات النص ينحو للعنوان الموازي لقصدية الشاعر، ولربما دعوة لأبناء جنسه وهو الملم والأقرب بمعرفة خلجات نفسية متوارثة في اللاوعي، إحالة تنشطر وتضج دلائل عن تأكيد إنسانية المرأة كمخلوق نوعي بمعترك الدلائل، قد تستنفر وجدان الرجل لمعارضته أو تأييده، إحالات رائعة الرمز والإشارة عن المساواة الفكرية والاجتماعية والحياتية المعلنة مجتمعيا والملغاة سرا عند الكثير، ترمز لتوعية (الرجل والمرأة) في مجتمعاتنا العربية خاصة تتمثل تبعياتها في دراما تراجيدية للب الحياة، إحالة دلالية عن الفكر الحضاري وعمق معرفي بدوافع إنسانية بفكر معاصر يشغل فكر الشاعر...

- وختاما

- نستشف من رؤى الشاعر دكتور ريكان بصيرة أدبية نابعة عن وعي روحي وفكري معاصر وجداني التفحص، لامتهانه الطب النفسي بتمرس خبرة بخفايا النفس البشرية ومعاناتها العميقة، بتشخيص معرفي لقضايا اجتماعية بضمير جمعي وشعور انساني، فضل التداوي بترياق التأمل العذب بجرعات موجوعة المداد تنبض بخيال خصب، عسى ان يزيح جزء من ضبابية التقليد، فلربما بلسم الكلمة المنتقاة يطيب جروح رؤى ليبعث بها حياة معافاة بالود والتفاهم ...

تمنياتي بالتوفيق

 

على حافة فقدانها / د. ريكان ابراهيم

قراءة إنعام كمونة

.....................

هامش

1- رهانات شعراء الحداثة / للناقد فاضل ثامر

2- الفلسفة النسوية في مشروع ماجد الغرباوي التنويري / للدكتور محمود محمد علي

3- الشعر العربي ومشكلة التجديد/ مجلة شعر / العدد الثاني /أدونيس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم