صحيفة المثقف

حبيبتي تلمسان

سردار محمد سعيدذكّرتني زميلة تلمسانية بتاريخ مضى عليه قرابة نصف قرن فهاجت شجون.

لمدينة في الروح قد علقت

لم تغيّر لونها

زرقة لثمها البحرفرقص الحوت

عشقت خضرة سعف النخيل

وانحنت كسنبلة

أثقلها الحَب والحُب

مباركة سدرة المنتهى

ما أنقى  قلب الصبي

ما أصفى قطرات الندى

الرمال كثيرة الوفاء

سل أقدام الصعاليك

رقيقة كالبلور

وشفيفة كالهواء

كزجاجة المشكاة

خمسون مرّت  ومازالت ذكراك يانعة طازجة

(أنى طاف بي الخيال)1

وستبقى ماطال الأمَد

خمرتي التي  أشرب

وكتابي الذي أقرأ

 

وهناك حبيبتي

النحيلة تكفيها راحة كفّي إذا أخلق النصيف

الرقيقة كغصن زهرة الشمس

تعرف سرّصراط الأشعة

موسم اقتطاف نفحات الحنان

أنوت النوى في الأندلس

 

عبثت بأثناءأثوابنا السمام

وانسلت الخيوط

بغتة هبّ الجراد في حقلنا الوديع

وأدخلت... الحيّات والضفادع والقمّل السأم رفيقاً

وحلّ الحزن ضيفاً ثقيلاً

فمات الفرح والمسرّة

ونسيت كل شيء.. شكلي، ملامحي

حتى  أني لا أعرف من أنا

وفي المرآة حين أراني أسأل : مَن أكون؟

وإلى أي الكائنات أنتمي؟

 

يتبعني الطغاة والذباب

والهياكل العظمية

وجماجم بلا ملامح

خفافيش تقتات عناكب

وتضيع مقاطع القصيدة

تفقد قواها

فيعرّي "الرصافي "المنافقين

الكاذبين على الله

خنسوا بجزائر البحور

 

تمسّكي يا بسمة المساء بأي شيء

بحصن الضباب .... بسورالهباء

بحيطان اللاشيء في اللامكان

وجدران المقابرالكريهة

 

أنت كتابي الذي تمرد على غلافه الثخين

والرفوف الضيقة

والرؤوس الملآنة بالغباروالتراب والأرضة

 

الليلة حبيبة الروح والعقل

تسلمُ المحاجرالدموع

هي الواحدة بعدألف

يُسمع صياح الديك

آخر مرة

ينعى أخاديد رقبةجدتي

 

يتساقط النورعلى تلمسانْ

على ثانوية "ابن زرجب"2

وحي "عين النجار"3

على الجبل المغرم بالكتمان

الرؤوم المستسلم للطفولة

 

دموع حبيبتي الممفتوحة المقل

رذاذ شلال

تبكي نجمات هوت في بغداد

والفرح الذي نساه الزمن

تبكي شارع الرشيد

جامع الخلفاءالشاحب الوجه

دارالحكمة

المستنصرية  الخائبة

ومقام المأمون

تبكي أخوان الصفا

الإسطرلاب

ساعة "أبي حنيفة النعمان " الجامدة

مئذنة "الجيلالي"الخائفة

عارية قبة الإمام

الحمامات التي نفضت أرياشها

تمردت مع الكتب العتيقة

فنضّت أغلفتها الصفراء

 

"المعري" يبصرعقول الساسةالعميان

ولايأبه لتموجات ألوان اللظى

 

أحبابي في تلمسانْ

هل تذكرون فتى الزنابق

العَطش للشقائق

مَن لا ينام إلامع الساهرات بالألم ألدفين

طيرحب سجين

المجبول بحب البقعة الطيبة مفعمة الإخضرار

بحياءالجذور

وحتى التراب.. الزيتون.. البرتقال،

جبل "الوريط"4

الحصان الأصيل والعريس الجميل

المئذنة ذات القاعدة المربعة

حائك "بو رابح" والخمار5

والنجمات ترتعش

في مسرح السماء

 

أحبّتي :أيها الأوفياء

ياسراج مَن أحاطه الظلام

من تصبوا إليهم العيون

أنا وحدي هنا

أهفوإلى الخبز والزيتون

والثلج يغطي الغصون

في روضة غنّاء كنتُ

واليوم في غابة تنتحر فيها الفراشات

تكشرعن انيابها الضباع

وصريرالهوام

وفاقدوا البشريّة والإنسانيّة والضمير

فافدوا الإحساس وشمّ العبير

حمقى يحترفون الكذب ويعشقون الوهم الغابر

في مدينة غاب عنها القمر

دعت الأشباح الغرابيب لوليمة

صلب التاريخ البشري على جذوع نخل العراق

 

نسل الأباة

عبد القادر وابن باديس 6

يا أولاد زناتة 7

ابناء جوهرة المغرب

أحفاد المرابطين 8

مليون من شهدائكم

سباباتهم تشير

إلي .. تقول :

هذا مخترع الألواح

وصانع الأقلام

وفاتق الظلام

في بقعة الحلال والحرام.

 

سردار محمد سعيد - أربيل

.......................

1- للشاعر كعب بن زهير.

2 - ثانوية كبيرة باسم الشهيدالدكتور "ابن زرجب".

3 - حي من أحياء تلمسان الحديثة ويقال أن المنطقة كانت تزخر بالينابيع.

4 - الوريط جبل يفصل بين مدينتي تلمسان وسيدي بلعباس التي تضم ضريح الولي بلعباس ولأهميتها الستراتيجية أنشأ فيها المتل الفرنسي حامية عسكرية .

5 - بو رابح نوع من البسط من الصوف الخالص والمحاكة بمنول يدوي.

6 - الأمير عبد القادر الجزائري الذي قاتل المستعمرين الفرنسيين.

ابن باديس هوالإمام عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإسلامية في الجزائر    ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية .

7 - زناتة قبيلة أمازيغية.

8 المرابطون هم قبائل بربرشمال أفريقيا انشأوا دولة إسلاميّة بقيادة يوسف بن تاشفين .

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم