صحيفة المثقف

يا سيدي!

حسين فاعور الساعدي"يا سيدي!"

ما قلتها أبداً لمخلوقٍ سواكْ

فالقلبُ يطفحُ بهواكْ

بالأمسِ جئتكَ ظامئاً ومتيّماً

الشوقُ يُضنيني وحلمي أنْ أراكْ

الشوقُ إعصارٌ يُراودني

ويقذفني كريشةِ طائرٍ

يا سيّد الثقلينِ جئتكَ حاملاً

شوقَ الصخورِ إليكَ

في أرضِ الرباطْ

شوقَ الصغيرِ الجاءَ يشكو لأبيه

كيف أخوتُهُ ليرضوا غلّهم قطعوا يديه

شوقَ الحسينِ لدفءِ حِضنكَ

عندما تلكَ السيوفِ|سيوفُنا

ورماحُنا وسهامُنا اجتمعتْ عليهٍ

شوقَ الرضيعِ لرحمِ أمٍ يحتويه

فمررتُ بين يديكَ يُثقلني الجوى

النارُ في صدري

ولا أدري

أدمعٌ كان من عينيَّ يجري أم دمُ

بحرٌ من الأجسادِ في زحفٍ ثقيلْ

وعساكرُ الجلادِ تلهجُ بالسياط: تقدموا!

كم كنتُ أحلمُ لو لجأتُ إلى رحابِك لحظتين

أشكو أمامكَ حالَ من صلوا عليك وسلّموا

مروا أمامكَ

ردّدوا ما لُقّنوا زوراً

وما لم يفهموا

قلتُ في نفسي وجرحي نازفٌ

والموجُ يجرفني وقلبي عالقٌ

لو كان عُشْرُ العابرينَ أمامَ نوركَ مسلمينْ

ما أحرقوا هذي البلادِ وهدّموا

لو كان بعضُ الزاحفين أمامَ نورِكَ مؤمنينْ

ما قطّعوا أرضاً وَطِئْتَ ترابَها أو قسّموا

يا سيّد الثقلينِ

كم خناهما!

زُغْنا...

تشعّبت المسالكُ والدروبْ

وارتدّت العربانُ بعدَكَ سيدي

خلطوا الحلالَ مع الحرامِ

وألزَموا...

عادوا لعصرِ الجاهليةِ والظلامْ

النارَ في يمنِ الحضارةِ أضرموا

ذبحوا عراقَ الرافدينِ من الوراءِ

ولحْمَهُ بين "القياصر" قسّموا

 

يا ليتَ هذا العمرِ يرجعُ من جديدْ

لأكون جندياً بجيشك يُحرمُ

أحمي الطفولةَ والعدالةَ والحياةْ

ممن أساءوا فهم نهجك سيدي

فتجلببوا وتعمّموا

وأقيم للعشقِ الطَهورِ مدارساً

الدينُ عشقٌ والتآخي سلّمُ

والشاة يحلبها عظيمُ القومِ

وهو القيّمُ !

 

يا سيدي

بالأمس شُفْتُ أبا لَهَبْ

بين مَنْ صلّوا عليكَ وسلّموا

والقومَ ساروا في خطاه

زعموا وأفتوا:

لم يَعُدْ خصماً وما تُبّتْ يداه

فهو آمنَ وهو ينشرُ ما يراه

يبني عروشاً من ذهبْ

فوق أبراجِ الخشبْ

يُلهي الملوكَ بما نَهَبْ

والشعبُ يمشي في خطاه

تمشي الأمورُ إذا رَغِبْ

ويجوعُ أصحابُ الحقولِ

تموت آلاف الضحايا إن رغبْ

كان بين الناس يخطبُ

كان يدعو للفلاحَ وللصلاةْ

كان يدعو للصيامِ عن الطعامْ

ويسبُّ من يبني الحياةْ

كان يطلبُ من جموع الحاضرينَ الغائبينْ

أن يحبوا الذئب رمزاً للسلامْ

أن يموتوا للنجاةْ!!

 

يا سيدي أنا خائفٌ

خوف مَقْروصٍ إذا لَمِسَ الحبالْ

جُلّ من صلّوا عليكَ وسلّموا

يَمضُونَ خلفَ أبي لهبْ

مثل قافلة الجمالْ

أنا خائفٌ فشيوخنا

هَدَموا قباءَ ترصداً وتلاعباً

وبَنوا ضرارْ

وأبو لهبْ

في كلِّ عاصمةٍ له عرشٌ ذهبْ

والمالُ بالأطنانِ يُلقى في البحارْ

يُبعدُ الأموالَ عنا

فهيَ مدعاة فسادْ

ولّى الذئابَ على البلادْ

ليظلّ ينشرُ ما يراهْ

ويظلّ يقتلُ مَنْ عصاهُ

بعصاهْ

ما عدتُ أفهَمُ ما أراهْ

زادَ خوفي

زادَ رُعبي

صرتُ أخشى "المسلمين!"

لولا اليقين هو اليقينْ

صدّقتُهُ:

ما وُلدنا لنعيشْ

بل وُلدنا لنموتْ!

في جنانِ الخُلدِ نَلقى ما حُرمْنا

إن مشينا في خطاهْ

والتزمنا بالسكوت!

فهوَ مَنْ غطّى عليكْ

ليس غاراً أو حماماً

أو خيوطَ العنكبوتْ.!

***

حسين فاعور الساعدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم