صحيفة المثقف

هل التمرُّدُ على المذاهب جناية؟

علجية عيشالثورات العربية الأخيرة أو ما يسمى بالربيع العربي جعلت الشباب العربي المسلم منقسما، البعض منه اتجه نحو اللاّتديُّن واللاتمذهب، وآخر متعصب لمذهبه، وفئة أخرى دعت إلى الإقتداء بالسلف والعودة إلى الأصل، ووقفت الفئة الأخيرة وجها لوجه رافعة شعارات:" لا مواطنة بدون إسلام" أمام سلطة ترى أن "الوطن فوق كل الأديان" مثلما حدث في مصر وفي العراق وسوريا، وفي ليبيا وفي المغرب وفي الجزائر، ولعل التحولات الإجتماعية والثقافية الكبيرة والإختلافات المذهبية داخل الوطن الواحد في ظل العولمة، وراء ما يسمى بصراع الأجيال، فكانت هناك دعاوي إلى إلغاء الآخر

في مقال له بعنوان: "التمذهب بين الرّفض والتعصّب"، نشرته مجلة "الربيئة" في عددها الأول وهي مجلة فكرية تصدر عن نادي الرقيم العلمي المتفرع عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يرى استاذ عبد الله قدوس أن التمرد على المذاهب جناية، إذ يرى أن بعض الناس لا يفرقون بين التمذهب والتعصّب للمذهب، وإن كان لابد أن يتمذهبوا فليس لهم أن يتعصبوا، فالتمذهب عنده يعني اتباع مذهب معين والسير على قواعده وأصوله الفكرية والتأصيل لفروعه، وقد أبرز صاحب المقال، أن قول الله تعالى وقول الرسول مقدم على قول أيّ أحد كائنا من كان، مستشهدا بقول الإمام أحمد الذي خاطب عامة المسلمين بالقول: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا، وهذا يعني أن هناك حرية التمذهب، والمسلم حر في اتباع المذهب الذي تطمئن له نفسه وترتاح، فلا يقلد فلان أو علان، وهو ما ذهب إليه ابن تيمية بالقول : إذا كان الرجل متبعا لمذهب معين ورأى في بعض المسائل أن مذهب غيره أقوى فاتبعه كان قد أحسن في ذلك ولم يقدح ذلك في دينه ولا عدالته بلا نزاع ورأى أن ذلك أولى بالحق.

و يلاحظ أن كاتب المقال يتحدث عن جماعات متعصبة تدعوا للتمرد على المذاهب، حيث اعتبرها "جناية " عندما قال: إن جناية المتمردين على المذاهب لا تقل أحيانا عن ضرر وخطر التعصب للمذهب، وهم دعاة يرفضون الرجوع للمذاهب والنهل من علومهم، أي الإعتماد على "الإجتهاد" في تفسير النصوص، وتـأويلها، كما ذهب في ذلك البوطي في كتابه "اللامذهبية"، وذلك بحجة محاربة "المذهبية" لدرجة أن زهَّدوا الناس في تراث السلف البريئ من تهم الولاءاة الحزبية والضغوطات السلطوية والأغراض النفسية وبيع الدين كما قال صاحب المقال، الذي يرى أن التمرد على المذاهب يجرّ على الأمة ويلات كثيرة وطوامَّ عظيمة، من شأنها أن تشتت الناس وتكسر وحدتهم، بدليل أن عدد كبير من شباب اليوم يكفر بالدين ولا يقبل الفتاوى التي تصدر من هنا وهناك، لأنها تُرَهِّبُ ولا تُرَغِّبُ، ومنهم من فتن الأمّة والعامّة بخروجه عن موروث قومه، متأثرا بفتاوى لشيوخ تَعَصَّبَ لهم، فوصل به الأمر حد تكفير المسلم، الواقع أنه وجب الوقوف هنا على عبارة "جناية " وقفة تأملية إن كانت مجرد تعبيرا مجازيا، أم أن صاحب المقال أراد أن يلفت المُشَرِّع بأن التمرّد على المذاهب من الناحية القانونية جناية يعاقب عليها القانون الجنائي، ثم ماذا يريد الأستاذ عبد الله قدوس بعبارة التمرد على المذاهب، هل التخلي عن مذهب ما واتباع مذهب آخر؟، أم التهجّم على مذهب معين؟ أم الدعوة إلى اللامذهبية ؟ أي إبطال المذاهب كلها كيفما كان شكلها ومهما كان عددها أو منهجها؟.

يرى البعض أن هكذا موقف يُعَدُّ تعدي على الحقوق والحريات، التي أقرها التعديل الدستوري في الجزائر، وحتى تتلاءم مع التطور الحضاري، أضاف المشرع بنودا جديدة تتعلق بحرية التدين والمعتقد، الأمر لا يتعلق بالأقلية الدينية فحسب كالمسيحية، وإنما بالتعددية الطائفية، حيث أثارت هذه التعديلات تخوف البعض من انتشار مذاهب وتوسعها أكثر، كالشيعة والأحمدية التي ظهرت مؤخرا وبالتالي الخروج عن المذهب المالكي، الأبعد من ذلك أن تأخذ الدولة بعين الإعتبار الخصوصيات الثقافية والعرقية لكل طائفة، حيث يصبح لكل طائفة قانونها، كما نراه في المذهب الإباضي الذي يمنع أتباعه الصلاة جماعة مع السُّنّيِّين، ولا يدفن موتاه في مقابرهم، فالإباضيون كما ينادونهم بـ: "بني ميزاب" لهم مقبرة خاصة بهم، ولهم عادات وتقاليد تختلف عن تقاليد سكان المدينة، وقد شهدت بعض مدن الجنوب بالجزائر مواجهات طائفية بين الإباضيين والعرب، وزادت هذه المواجهات في إشعال بؤر التوتر في البلاد غذتها أطراف خارجية.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم