صحيفة المثقف

حياة المرأة اليابانية من نافذة الهايكو

توفيق النصاريكانت  الذكوریة أو البطریكیة سائدة في الیابان حتی منتصف القرن العشرین حیث كان الأب یشكل سلطة علی الزوجة أو الأولاد وبالأخص الفتیات. وقد حققت المرأة اليابانية بعض الحرية  والمساواة بسبب صدور الدستور الياباني  وكان أبرز ما حققته هو «الحصول على حق الطلاق أسوة بالرجل من خلال دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية (دستور اليابان 1947م) فكان الرجل بإمكانه تطليق الزوجة بمجرد كتابة ورق تفيد بذلك، أما بعد المساواة القانونية يحتكم الطرفان إلى القضاء لإنهاء إجراءات الطلاق على قدم المساواة»[1]. سنتطرق إلى معاناة المرأة اليابانية في القرن العشرين من خلال تحليل أشعار الشاعرتين اليابانيتين "ماسوجو سوزوكي" و "يوشينو يوشيكو".

1- ماسوجو سوزوكي

ولدت الشاعرة  ماسوجو سوزوكي عام 1906 لصاحب فندق في اليابان وسط مجتمع ذكوري  تقليدي. وكانت حياتها مليئة بالكثير من الاضطرابات. زوجها الأول "اختفى" بسبب ديون كبيرة. وعندما ماتت أختها الكبرى - التي كانت قد ورثت أعمال الفندق- اضطرت ماسوجو لادارة فندق العائلة والزواج من زوج أختها.  ولكن كانت حياتهما الزوجية مضطربة. لم تقدر سوزوكي على الاستمرار حيث كان يطلب منها البقاء في البيت والاعتناء به وترك الشعر، فانفصلت وتركت الفندق وارث العائلة لتبدأ حياة جديدة في طوكيو في عمر الخمسين. لقد أسست مطعمًا وعاشت لوحدها فاستقلت ماديًا وقد حققت نجاحًا في عملها التجاري، كما وقعت في حب ضابط في البحرية اليابانية لكنهما لم يتزوجا. توفیت عن عمر يناهز 96 عامًا في طوكيو في 14 مارس 2003.[2] لقد استخدمت فن الهايكو للتعبير عن آرائها حول ثقافتها وكذلك القيود التي تواجهها المرأة اليابانية، سنحاول من خلال تحليل بعض هايكواتها التعرف على تجربتها وتمردها وحبها وألمها.

في الثقافة اليابانية  تعدُّ "العوالم الثلاثة" كناية عن المراحل الثلاث لحياة المرأة في المجتمع التقليدي. العالم الأول في بيت الأب ويجب أن تكون تحت سلطة الأب، والعالم الثاني في بيت الزوج ويجب أن تخضع للزوج، والعالم الثالث الشيخوخة و يجب أن تكون تحت سلطة الابن الأكبر للعائلة.

في العوالم الثلاثة

المرأة ليست في البيت قط،

ثلج فوق ثلج فوق ثلج [3]

البيت هو مكان للشعور بالأمن والاستقرار، يقول غاستون باشلار: «البيت ركننا في العالم، إنه وكما قيل مرارا، كوننا الأول، كون حقيقي بكل ما للكلمة من معنى»[4]، ولكن في المجتمعات التقليدية، وفقًا لماساجو، لا يكون البيت مكانًا آمنًا للمرأة؛ وانتقال المرأة من عالم إلى عالم یشبه الثلج فوق بعضه. يبدو أن هذا الهايكو يشير إلى فترة زواجها الثاني حيث إصطدمت بشريكها وصعقت بشخصيته  التي هي أبعد ما تكون عن الحرية والحب والرومانسية فكانت شخصيتها استهوائية ميَّالة للتَّصرُّف بطلاقة والعيش بحرّيّة. والهايكو التالي، كما يبدو،  يصوِّر بداية تمردها على التقاليد والقيود:

بصيص يراعةٍ،

أميلُ خطوة عن مسارِ

عفة المرأة [5]

كانت عفة المرأة تعتبر من أهم دلالات الطهارة منذ القدم، وفي اليابان ظلت قضية عفة المرأة مسألة  بالغة الأهمية حتى منتصف القرن العشرين. في هذا الهايكو تتمرد الشاعرة على التقاليد والأصول التي يراها المجتمع ضرورية لصيانة عفة المرأة.  يتألف الهايكو من شقين؛ الأول (بصيص يراعةٍ) والثاني (أميلُ خطوة عن مسار عفة المرأة)، في البداية رأت الشاعرة (بصيص اليراعة) أي ضوئها المتلألئ الضئيل في الليل الأسود الذي يملأ الكون ثم اتخذت هذه الصورة مطلعا للهایكو وأضافت لها  من روحها وقلبها: (أميلُ خطوة عن مسار عفة المرأة).  تريد ماساجو سوزوكي أن تقول: مثل بصيص هذه اليراعة التي لم تفقد أملها في هذه الليلة الحندس المظلمة، أنا أيضًا في ظلام هذا العصر الذي تُحمل فيه التقاليد على المرأة وتُعتبر هذه التقاليد عفة لها، لم أفقد أملي وأميلُ خطوة عن هذا المسار.

والهايكو التالي جاء بعيد الانفصال:

على طاولة التجميل

الخاتم الذي أخرجته من إصبعي،

تساقط أزهار الكرز[6]

كان زوجها قد جعل أمامها خيارين؛ البقاء بالمنزل والاعتناء به لأنها كانت تقضي معظم أوقاتها في الشعر- أو الانفصال. وقد اختارت الخيار الثاني. قد يكون هذا هو القرار الأول الذي اتخذته لنفسها دون فعل ما تتوقعه عائلتها منها. حيث تزوجت هذا الرجل من شعور بالواجب. وبينما تجلس أمام طاولة التجميل الخاصة بها، فإنها تفكر في اختيارها وتعلم أنها اتخذت القرار الصحيح لحياتها. هناك مقارنة جميلة بين الخاتم المنزوع والموضوع على طاولة التجميل وتساقط زهور الكرز أو ما يعرف باسم ساكورا وهو الاسم الذي يطلق على أشجار الكرز الخاصة بالزينة وأزهارها في اليابان حيث سقوطها يكسو الأرض باللون الزهري ليحول الأزقة والشوارع إلى لوحات طبيعية خلابة  عند حلول فصل الربيع.

2- يوشينو يوشيكو

ولدت الشاعرة يوشيكو يوشينو عام 1915، تكشف نصوصها  عن شخصية امرأة غير عادية.  لديها موهبة عظيمة في كتابة الهايكو، وهذا ليس عجيبًا  فهي  تعلمت كتابة الهايكو منذ الطفولة وكان والدها صديقًا لـ" شيكي"، رائد الهايكو الحديث[7].  لم يكن زواج يوشيكو موفقًا إلا انها فضلّت البقاء مع زوجها للاستقرار فقط وهذا الانفصال أخطر وأشد ضررًا من الطلاق الرسمي:

سهل ثلجي

موازيًا إلى النهاية

اثر العربة[8]

الخطان المتوازيان يسيران بمقابل بعضهما البعض لكنهما مختلفان كل الاختلاف أي هما معارضان.  تبصرُ الشاعرة مشهدًا يتطابق مع حالتها النفسية، فتحوّله إلى نص يبرز مايدور بداخلها من اضطراب. يوشينو ليست سعيدة بحياتها الزوجية، فهي وزوجها يشبهان خطين متوازيين ... والأكثر مأساوية ان هذين الخطين يمتدان على سهل مكسوّ بالثلج! كما يمكن للمتلقي أن يفسِّر الحركة المتوازية لعجلتي العربة في سهل مغطى بالثلوج وفقًا لحياته.

وتقول في نص آخر:

مثل رُقَع الجورب

أُرممُ ما في البالِ

وأواصل الحياة[9]

هذا الهايكو يتكون من صورة خارجية وتعليق داخلي، الشاعرة قد رأت الجورب المرقّع بقطع قماشية فجعلته مطلعا لنصها الصغير ثم نفخت فيه من روحها المضطربة فصار النص مرآة لحالتها النفسية، حيث فكرت مرارًا بالانفصال عن زوجها، لكنها نصحت نفسها: إلى أين تذهبين؟ ومن لك؟! فاستمرت في طلاق صامت إلى جانب شريكها من أجل الاستقرار فقط.

هذا هو وضع المرأة باليابان في القرن العشرين، خاصة فيما يتعلق بالحياة الزوجية، لا يختلف كثيرًا عن وضع المرأة في الشرق الأوسط. هناك امرأة تتمرد على واقعها المزري وقد يصل بها الأمر إلى الإنفصال وأخرى تجد صعوبة في التخلي حتى وإن كانت تعيش حياة باردة لا حب فيها، خوفًا من عدم الاستقرار والبحث عن مكان آخر.

 

توفيق النصّاري

......................

المصادر:

[1] رباب كمال‎، نساء في عرين الأصولية الإسلامية، دار ابن رشد، 196

[2](https://livinghaikuanthology.com/index-of-poets/livinglegacies/2641-masajo-suzuki.html)

[3]http://performance.millikin.edu/haiku/courses/globalSpring2007/AlyaSaqerOnMasajoSuzuki.html

[4] غاستون باشلار‎، جماليات المكان، ترجمة غالب هلسا، ص 36

[5]http://www.brooksbookshaiku.com/translations/masajolovehaiku.html

[6] http://performance.millikin.edu/haiku/writerprofiles/McDonaldOnMasajo.html

[7]http://performance.millikin.edu/haiku/writerprofiles/ZhengOnYoshino.html

[8]https://m.facebook.com/groups/133010033573499?view=permalink&id=832727710268391

[9]   Makoto Ueda, Far Beyond the Field: Haiku by Japanese Women, 2003, Columbia university press     150

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم