صحيفة المثقف

زيف الديمقراطية الامريكية

جاسم الصفارلكيلا يتبلور استنتاج خاطئ عند القارئ لهذه المقالة، أنبه مقدما الى أني لست من أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما أني لست من مبغضي نائب الرئيس السابق ومرشح الرئاسة الحالي جو بايدن، ولكني بالتأكيد، حريص، في قراءتي أدناه لمسار العملية الانتخابية في أيامها الأولى، على كشف جانب من نفاق الديمقراطية الامريكية وزيف حاملي لوائها.

منذ بداية الانتخابات الرئاسية الامريكية وأنا أتابع يوميا معظم ما ينشر من أخبار عن سير العملية الانتخابية في "معقل الديمقراطية" (وضعتها بين هلالين متعمدا السخرية). وسأحاول الآن تجميع كل ذلك معًا في نص واحد، ثم استخلاص النتائج الأولية.

لنبدأ باقتباس من نشرات الاخبار الامريكية والغربية: حطم بايدن الرقم القياسي لأوباما في عدد الأمريكيين الذين صوتوا له. كما حطم ترامب الرقم القياسي لأوباما بنسبة الناخبين الأمريكيين الذين صوتوا له. وما زال هناك 23 مليون بطاقة اقتراع لم تفرز بعد.

إثر ذلك أضطر للتساؤل أن لماذا، في ولايتين على الأقل، كانت أصوات الأمريكيين الذين تم فرز استماراتهم الانتخابية، أكبر من عدد الناخبين المسجلين هناك!؟ وفي بعض الأماكن بعثَ الموتى وصوتوا (لصالح بايدن بالطبع)!؟ وقد تم تسجيل مثل هذه الحالات في عدة أماكن. ثم كيف يمكن تفسير فوز مرشح واحد (هذه المرة من الجمهوريين) في انتخابات الكونجرس، بعد أن توفي بسبب فيروس كورونا!؟

اظهر التصويت بالبريد على الفور عجائب الديمقراطية الامريكية. أعني معجزات الديمقراطيين. على سبيل المثال، صوت الناخبين في بعض الولايات الجمهورية بحضور مباشر بنسبة 67 لصالح ترامب مقابل 32 لصالح بايدن، بينما الذين صوتوا عن طريق البريد في تلك الولايات، كان أكثر من 80٪ لصالح بايدن.

ولم تنته المعجزات عند هذا الحد. ففي العديد من الولايات، حيث كان ترامب يفوز بهامش كبير، بدأت مئات الآلاف من الأصوات فجأة في الظهور، وكلها لصالح بايدن. هل يمكن تخيل مثل هذا الحادث دون الشك بأن في الامر اعجاز او تزوير؟

في ميشيغان، وهي مفتاح الفوز في الانتخابات الرئاسية الامريكية، كان ترامب يتقدم بثقة، قبل أن تنقلب الحالة فجأة في الرابعة صباحًا، بعد أن أضيفت الى تلك الأصوات المحسوبة عن التصويت المباشر، 138 ألف بطاقة اقتراع تم ملؤها بالبريد. لصالح من كانت هذه الأصوات المضافة؟ ليست 60٪ ولا 80٪ ولا حتى 90٪ - بل ان كل بطاقات الاقتراع هذه لصالح بايدن.  مثل هذه الوقاحة المجنونة في التزوير لم نتوقعها الا في بعض بلدان العالم الثالث، يتصدرهم العراق. إذاً، لم يكن عبثا ما قاله ترامب منذ بداية الصيف، عن أن التصويت بالبريد يمنح الديمقراطيين فرصًا هائلة لتزوير الانتخابات.

كان هناك تكتيك آخر للديمقراطيين يتمثل في عد الأصوات بأسرع ما يمكن في تلك الولايات التي يثقون فيها بالنتيجة التي يريدونها، والتأخير قدر الإمكان حيث خسارتهم مضمونة. نتيجة لذلك، كان الانطباع طوال الوقت أن بايدن كان في المقدمة. تستمر هذه الميزة المتصورة حتى يوم الامس. وليس غريبا، أن في الولايات الأربع التي يتقدم فيها ترامب، تم تجميد العد عند حوالي 95٪ من الأصوات التي تم فرزها.

يمكن الاستمرار في سرد تفاصيل أخرى من قائمة الانتهاكات التي رواها العديد من المراقبين لسير الانتخابات، ولكني سأكتفي بهذا القدر مع ملاحظة أنه تم استبعاد مراقبي ترامب من فرز الأصوات في عدد من الولايات، بما فيها ولاية بنسلفانيا (حيث كانت التكهنات ترجح فوز ترامب). وروى شهود عيان أنهم لاحظوا ارتداء أعضاء لجان انتخابية في بعض الولايات كمامات كتب عليها "صوتوا لبايدن". وغير ذلك من الخروقات الكثير.

 مثل هذا التزوير الواسع النطاق، والأهم من ذلك، الوقح وغير المقنع، لم يكن بالتأكيد جديدا على الانتخابات الامريكية، ولكنها لم تكن مفضوحة كما هي في الانتخابات الحالية. انها السياق الطبيعي للديمقراطية الامريكية، التي على هديها يتصرف أصدقاء أمريكا في كل مكان. فبنفس الطريقة تقريبا، تمكن تلامذة الديمقراطية الامريكية في روسيا من تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح يلسن عام 1996 .

اليس غريبا عدم وجود قواعد موحدة لفرز الأصوات في جميع أنحاء امريكا. فكل ولاية امريكية تدير الانتخابات كما تريد وتضع القواعد التي تمكنها من السيطرة على الانتخابات. ففي الوقت الذي أعلنت فيه بعض الولايات إن الاستمارات المرسلة عبر البريد توقفت في نفس الوقت الذي أغلقت فيه مراكز الاقتراع، تعلن ولايات اخرى "سنستغرق يومين آخرين"، وفي بعضها يستغرق العد "أسبوع". وأعلنت كاليفورنيا ونيويورك بشكل عام أنهما سينتظران ويحسبان حتى 7 و 11 ديسمبر/ كانون الاول على التوالي.  ما نوع هذا البريد الذي تتأخر فيه الرسائل الواردة لأكثر من شهر؟

حسنًا، قد يكون هذا معقولا عندما تحدد الولايات ترتيب انتخاباتها المحلية، لرؤساء البلديات هناك أو غيرهم من المسؤولين المحليين، لكن هذه انتخابات وطنية، ويجب أن تكون القواعد هي نفسها للجميع! أهؤلاء هم من يعلمون البلدان الأخرى أصول الديمقراطية؟ كيف، وان في عدد من البلدان الأفريقية، يوجد نظام تصويت أكثر حداثة منه في الولايات المتحدة!

عند المقارنة بالانتخابات النيابية في العراق مثلا، حيث تعتبر إدارة الانتخابات الامريكية مثالا يحتذى به. نجدهم هنا، كما في المصحف الكريم " إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ"، فقد كانت الانتخابات العراقية زاخرة بالعجائب، وكتب عنها الكثير، منها أنه بعد اعلان نتائج الانتخابات يعثر بعضهم على صناديق اقتراع مركونة دون عد، واستمارات ناخبين في مكبات القمامة وتدبير حرائق في أماكن خزن صناديق الاقتراع للتغطية على عملية التزوير.

وأخيرا، فان حق الاقتراع العام ليس سوى حلقة من حلقات الديمقراطية، التي لا تكتمل الا بوجود مؤسسات شفافة ومحايدة تنظم وتدافع عن هذا الحق إضافة الى أمر "تافه" لابد من ذكره، وهو حرية التعبير. لقد أظهر Facebook و Twitter و Google وكبريات الصحف وقنوات التلفزيون الامريكية "التزامهم" بهذا الحق. ونحن نشهد على ذلك، بالرقابة الصارمة التي فرضها أصحاب وسائل الاعلام على الاخبار والانتقائية الشديدة في التعامل معها.

 

د. جاسم الصفار

06/ 11/ 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم