صحيفة المثقف

عن التطبيع والخليج وإيران

كاظم الموسوياعلان التطبيع مع الكيان الإسرائيلي من قبل حكومات خليجية على الضفة العربية من الخليج العربي بلا شك يزيد من التهديد والأخطار على الضفة المقابلة، على الجمهورية الإسلامية في إيران. صحيح أن العلاقات الصهيونية وهذه الحكومات لم تكن جديدة أو مفاجئة، إذ صار لها تاريخ معروف بالوقائع والأدلة المعلنة والمخفية. وإيران لم تغفله ولديها الكثير ما يشعرها به ويدفعها إلى الانتباه وتقدير الموقف رغم كل ما كانت وحملته الوقائع والأحداث. ولاسيما عن الحكومات الخليجية التي وقعت اتفاقيات تطبيع وفتحت أبواب بلدانها علنا ورسميا أمام التمدد الإسرائيلي وهو المعروف في عدائه المتصاعد مع ايران، وفي التحريض المستمر لشن حرب عدوانية عليها، والتخطيط المستمر لمحاصرة إيران واتهامها بكل ما يحولها الى صورة العدو للعرب واستبداله عنه، بوصفه العدو الرئيسي الفعلي والقائم على الأرض والجغرافية السياسية في المنطقة. وهو ما تقتنع به هذه الحكومات وتمارسه عمليا وتوفر قواعد انطلاق العداء والحرب على إيران. بينما تعلن الجمهورية الإسلامية موقفا ثابتا من وجود الكيان الإسرائيلي وتعمل وحلفاؤها على مقاومته ومحاصرته والدفاع القوي عن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المقاومة.

من هنا فرض الواقع الجديد، بعد التطبيع، تحديات جديدة على جميع الأطراف وبالتأكيد وضع سيناريوهات متعددة في تشديد الحصار على إيران والعقوبات الشاملة والتقرب من حافة المواجهة العسكرية وشن حرب أو التعايش مع المتغيرات من جميع الاطراف ايضا، ولاسيما ايران، لما تحمله خطط التطبيع والاعلان عنها رسميا ومن واشنطن وفي ظروف انتخابات رئاسية في واشنطن وازمات سياسية وصراعات داخلية في الكيان الصهيوني، من أهداف معلنة ضدها ولمحاصرتها وتهديدها بشتى المشاريع والمخططات العدوانية العلنية والسرية التي تسعى القيادات الصهيونية تنفيذها والتثقيف الدائم بالخطر الإيراني، ووضعه مشتركا جامعا ومبررا للتطبيع والتحالفات في المنطقة.

قبل التطبيع الرسمي وظفت حكومات خليجية إمكاناتها وطاقاتها للحرب على إيران وتعبئة سكانها بهذا الاتجاه، إعلاميا وسياسيا وامنيا، ووجدت بعد كل ذلك لحمايتها وبقائها في الحكم التطبيع مع العدو المباشر لإيران في المنطقة مخرجها أو حل ازمتها، فضلا عن الخضوع للضغوط المتنامية من طرف الولايات المتحدة عليها للسير في هذه الطريق ، وهو ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء إعلانه التطبيع والتوقيع على الاتفاقيات في واشنطن، واعتبره فجر  شرق اوسط جديد.

 ولا تخفي حكومات الخليج التي طبعت او التي تنتظر موعدها لذلك حاجتها في الجوانب الاستخبارية والتقنية المتطورة والأسلحة التي تعتقد أنها توفر لها حماية من جارها الاسلامي والتاريخي، باللجوء لجارها الجديد الاستيطاني العسكري العدواني. ويشكل هذا في حده الاول تهديدا مباشرا لإيران مما يدفعها للقيام بخطوات مقابلة في تعزيز قدراتها العسكرية والاستخبارية وكذلك تحالفاتها، سواء في المنطقة وخارجها. بمعنى أن التطبيع لم ينته عند الحدود الجغرافية وحسب، بل يمتد إلى أبعد من رؤية الحكومات المطبعة. وقد يكون الوضع السياسي داخل المنظومة الخليجية معرضا هو الآخر لهزات داخلية او تعميق ما بينها لابعد من اوضاعها القائمة، لاسيما تحالفاتها الخارجية رغم الغطاء الأمريكي لجميعها.

رغم ان التطبيع مع الكيان الإسرائيلي يستهدف إيران اساسا، لكن مشروعه لا يتوقف عندها وحدها، بل يمتد لمصالح الكيان ومخططاته وأهدافه الرئيسية الاخرى خارج حدود ايران الجغرافية، مع تحجيم دورها، ومكانتها وتحالفاتها. وهو ما تراه واشنطن وتل أبيب المصلحة الأساس في اعلان التطبيع مبكرا عن سياقاته الجغراسياسية وما يحمله من رسائل واضحة استراتيجيا وميدانيا، وتعملان عليه.

شكّل اعلان التطبيع مصلحة إسرائيلية أمريكية اكبر واهم مما تستفيد منه الحكومات المطبعة، حيث كشف تبعيتها علنا في ما تقدمه وتخادمها في ما تؤديه من أدوار وخدمات. وفي هذه الحالة الجديدة أصبحت هذه الحكومات في حالة اعلان عداء سافر مع إيران وحلفائها ضمن إطار خدمة المشروع الصهيو امريكي في المنطقة، (تلاحظ كلمات الحكام الخليجيين في الدورة العامة للأمم المتحدة الاخيرة) فصار التطبيع الرسمي كما عبرت عنه القيادات الفلسطينية طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، من جهة، وتكتلا حربيا عدوانيا ضد إيران وحلفائها علنا، ومدا استراتيجيا، عسكريا وامنيا للكيان الإسرائيلي مباشرة من جهة اخرى، كما باتت الحكومات الخليجية المطبعة خاضعة وبرغبتها في تنفيذ المخططات والمشاريع الصهيو أمريكية في المنطقة. مقدمة وقائع جديدة لمتغيرات إقليمية وصراعات عسكرية مبيتة وتوجهات سياسية لن تتوقف عند حدود الخليج بضفتيه.

لذلك واستباقا لما بعد الانتخابات الأمريكية وإعلان التطبيع اعلنت إيران مواقف واضحة من إعلان التطبيع ومن مجريات ما حصل من احتفالات  ومهرجانات مخادعة. فقد حمّل الرئيس الإيراني حسن روحاني حكومتي الامارات العربية المتحدة والبحرين "عواقب" توقيع اتفاقي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة، محذرا من تأثير ذلك على الأمن في المنطقة. وسبق للجمهورية الإسلامية أن انتقدت بشكل حاد تطبيع الدولتين المجاورتين لها للعلاقات مع عدوتها الأبرز في المنطقة. فقد اعتبر  قائد الثورة آية الله علي خامنئي في الأول من أيلول/ سبتمبر الماضي، أن الإمارات "خانت العالم الإسلامي"، وذلك بعد نحو أسبوعين من اعتبار وزارة الخارجية الإيرانية أن الاتفاق "حماقة استراتيجية" تصل حد "الخيانة".

وقال روحاني خلال اجتماع أسبوعي لحكومته، إن إسرائيل "ترتكب المزيد من الجرائم في فلسطين كل يوم". ودون أن يسمي المسؤولين المعنيين، سأل الرئيس الإيراني "كيف يمكنكم مد أيديكم إلى إسرائيل، ومن ثم تريدون منحها قواعد في المنطقة؟ كل العواقب الوخيمة التي ستنتج عن ذلك ستقع على عاتقكم، أنتم الذين تقومون بأمر غير قانوني ضد أمن المنطقة".

من جانبه، حذر علي أكبر ولايتي، مستشار قائد الثورة للشؤون الدولية، من أن "الإمارات والبحرين ستدفعان ثمن عملهما المخزي". وقال ولايتي الذي شغل سابقا منصب وزير الخارجية لفترة طويلة، إن "بعض الحكومات التابعة في الخليج الفارسي أصبحت دمى لأمريكا وإسرائيل على أمل الدعم المزيف لهم، وبنت آمالا فارغة على أوهام ومنزلا على الماء".

في كل الأحوال وضع اعلان التطبيع المواقف العربية والإيرانية أمام محك القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، وأثبت عمليا من هي الدول القادرة على مواجهة المخططات الصهيو أمريكية الموضوعة للمنطقة، وبلا شك كشف الاعلان عن تخلي الموقعين عليه من القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني والذهاب طوعا إلى حظيرة التطبيع المجاني المخزي دون اعتبار للتاريخ والروابط الدينية والقومية ولا احترام القواعد والقوانين الدولية في حل القضايا والصراعات وانهاء الاحتلال والاستيطان وإعادة الحقوق المشروعة لأصحابها، بل اثبت الصور الكاريكاتيرية في التوقيع ليس تخاذل القائمين به وحسب بل وسخرية العالم منهم ومن تصوراتهم ورهاناتهم وسقوطهم التاريخي. ولهذا فإن الخطوات اللاحقة التي ستتبع الاعلان ستزيد من التوتر في المنطقة وتصعد الحملات المضادة من ضفتي الخليج، ولكن سيستثمر الكيان الإسرائيلي مساحة جديدة على الخارطة العربية ابعد من حدود فلسطين المحتلة، وهذا اخطر عمل تتنازل فيه حكومات عربية للعدو الصهيوني طوعا واختيارا، يترك اثاره الخطيرة على القضية الفلسطينية ومستقبل الوطن العربي وعلاقاته مع جيرانه وعلى الاقتصاد والامن والسلم في الإقليم والعالم.

 

كاظم الموسوي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم