صحيفة المثقف

شكرًا كورونا.. شكرًا جورج فلويد

منى زيتونكثيرون منا لا يميزون بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولا فرق لديهم بين كينيدي وكارتر وكلينتون وأوباما من جهة وبين نيكسون وريجان وبوش الأب وبوش الابن وترامب من جهة أخرى، ويقولون: لا فرق بين الحزبين!

بينما الحقيقة أن الرؤساء الجمهوريين ليسوا أكثر من عرائس ماريونيت في أيدي اللوبي الصهيوني، وغالبًا ما يكونون رؤساء عديمي الرؤية ولا يفقهون شيئًا في السياسة، ويكون انتقاؤهم عمدًا على هذه الصفات والشاكلة، وقد تحدثت عن ذلك في مقال قديم بعنوان "مطلوب حمار".

الرؤساء الديمقراطيون -وعلى النقيض من الجمهوريين- يكون لكل منهم تاريخ سياسي قبل وصوله إلى البيت الأبيض، ولا يصلح مثل هذا أن يكون لعبة في يد اللوبي الصهيوني؛ لذا غالبًا ما تواجه الرئيس الديمقراطي مشاكل مع هذا اللوبي، فيحاولون التخلص منه بعد وصوله إلى الرئاسة طالما لم ينجحوا في إفشال مساعيه ومنع انتخابه.

فالرئيس كينيدي تم اغتياله في حادثة شهيرة في فبراير 1963، وقاتله كان قد زار إسرائيل قبل حادثة الاغتيال، ووُجهت وقتها لإسرائيل أصابع الاتهام، وقيل إنها متورطة في قتل كينيدي بعد مراسلاته مع عبد الناصر التي كان يحاول فيها البحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية لم يكن ليرضي إسرائيل، كما كان كينيدي رافضًا للمشروع النووي الإسرائيلي.

والرئيس كارتر أيضًا حاول أن يصل لحل لقضية العرب وإسرائيل، وأن يعطي العرب بعض الحقوق الضائعة من خلال التفاوض، فحدثت في عهده العديد من الأزمات أهمها أزمة رهائن إيران، والتي اقتحم فيها طلاب إسلاميون السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا الأمريكيين فيها لمدة تزيد عن العام، وهو العام الذي شهد المنافسة الانتخابية بين كارتر وريجان، وكانت السبب الرئيسي في خسارة كارتر الانتخابات الرئاسية أمام ممثل مغمور، ولم يحصل على فترة رئاسة ثانية. ورغم أن القضية تبدو ظاهريًا خلافًا بين الخوميني وأنصاره وبين الولايات المتحدة بعد قبولها دخول الشاه بهلوي إلى أراضيها لتلقي العلاج، إلا أن المحللين السياسيين والأفلام الوثائقية التي تتناول الأزمة لا زالت تتحدث عن أيادي خفية تسببت في تأخير إطلاق سراح الأسرى، وإطالة أمد الأزمة إلى 444 يومًا، كي لا يتسبب نجاح إدارة كارتر في فك أسرهم في نجاحه في الانتخابات الرئاسية، ولم يُفرج عن الرهائن إلا يوم 20 يناير 1981، وبعد دقائق من أداء الرئيس الجمهوري الجديد رونالد ريجان اليمين!

 وأما الرئيس بيل كلينتون، والذي حاول هو الآخر التفاوض وإعطاء بعض حقوق للفلسطينيين، فقد دسوا له متدربة يهودية في البيت الأبيض لصنع فضيحة له تحول دون انتخابه مرة ثانية، ولكن نجاحه الاقتصادي كان سببًا رئيسيًا في إعادة انتخابه.

وآخر رئيس ديمقراطي عرفناه كان الرئيس أوباما، والذي حاولوا التقليل من شعبيته والضغط عليه كثيرًا كي لا يفرد عضلاته كباقي الرؤساء الديمقراطيين، وشككوا في أهليته للترشح مرة ثانية لأنه –كما زعموا- ليس من مواليد الولايات المتحدة!

وبالنسبة للرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن فهو يعمل بالسياسة من 48 عامًا، وعمل في إدارة كارتر، وكان نائبًا للرئيس أوباما، ووصفه أوباما بأنه أسد التاريخ الأمريكي، وأنه كان سبب نجاح إدارته، ورغم هذا التاريخ السياسي الناجح فقد فشل مرتين من قبل في الوصول إلى البيت الأبيض، ووصل متأخرًا للغاية إلى منصب الرئاسة، وهذه علامة على انعدام الود تمامًا بينه وبين اللوبي الصهيوني؛ فبايدن ليس مدعومًا من إسرائيل، ولم يحاول أن يتدنى بمبادئه ليستقطب ودهم مثلما فعلت هيلاري كلينتون من قبل.

إن إسرائيل عبر تاريخها لم تجد مساندة من رئيس أمريكي مثل تلك التي وجدتها من الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وإدارته. وكنا قد اعتدنا أن تحقق إسرائيل مزيد تقدم علينا وتزيد عنجهيتها في عهود الجمهوريين ويقل الاستفزاز في عهود الديمقراطيين، ولكن ليس إلى الحد الذي بلغته في عهد ترامب، والذي حققت فيه قفزات وليس خطوات على حساب العرب.

اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، وأقر بشرعية الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية، ورفض أي دعوى لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية وعن الأونروا، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأعلن صفقة القرن التي سرقت مزيدًا من أراضي الضفة، وقاد مؤخرًا عملية تطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل.

وأعتقد أن علينا أن نشكر فيرس كورونا ونشكر الأمريكي الأسود جورج فلويد، فهما السببان الرئيسيان لنقمة ملايين الأمريكيين على المحتال ترامب وفقدانه لأصوات هؤلاء الملايين ممن كانت نكبتهم أكبر من مستوى قدرته على التحايل، فمن دون كورونا ودون المظاهرات لأجل قضية جورج فلويد كان يمكن بسهولة لهذا السيكوباتي أن يحتال على الكثيرين ويُعاد انتخابه. وإن كان بايدن قد تقدم عليه بنحو 4 ملايين صوت فقط مع كل كوارثه في داخل أمريكا وخارجها، فأعتقد أن بقاءه كان سيكون حتميًا لولا أزمة كورونا وحادثة مقتل جورج فلويد وتداعياتهما.

وقد استمعت إلى خطاب فوز بايدن المتوازن بالرئاسة الأمريكية، وكم يليق بمن هذا فكره أن يقود بلده ويقود العالم، ويحق لنا كشعوب شرق أوسطية أن نتطلع مع رئيس أمريكي شجاع مثله أن يدفع ملف حقوق الإنسان في بلداننا إلى الأمام، بعد أن بلغت البلطجة السياسية مبلغها في عهد ترامب الذي أعطى الإشارة الخضراء لكل ديكتاتور ليقتل ويطغى ويختطف معارضيه ويحبسهم طالما يدفع له الإتاوات.

ونتمنى أن تتاح فرصة للرجل كي يحقق برنامجه في الإصلاح الداخلي وإصلاح السياسة الأمريكية الخارجية، وألا تبدأ المؤامرات ضده مبكرًا، لتنعم الأخلاق والمبادئ وحقوق الإنسان على هذا الكوكب بقبلة الحياة بعد أن كادت تلقى حتفها على يد أخرق عديم المبادئ.

 

د/ منى زيتون

الأحد 8 نوفمبر 2020

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم