صحيفة المثقف

آباءٌ على ورق

سمية العبيديقسما لو أني اصطدمت بإحدى كتفيَّ برجل وأنا أحاول أن أعبر الشارع ورفعت عينيَّ اليه لأعتذر وكان هذا الرجل أبي لما عرفته أتصدقون؟ ... مع أني ابنة حلال وأسكن وأبي مدينة واحدة . وأمي هي شابة جميلة برزة كانت تختال بشبابها وجمالها ووظيفتها وما اكتسبت من علم كل ذلك ولّد لديها ثقة كبيرة بنفسها، ذات يوم جاء أحد زملائها بصديق له الى العمل رآها الصديق فتقدم لخطبتها من ذويها، في أيام معدودة أصبح زوجها . كل ذلك بما يقتضي الدين والشرع، غير أن الدين والشرع لم يستطيعا الوقوف على طوية الرجل، فما هي الا بضعة أشهر تمرُّ الا و يتكشف عن أمرين أولهما انه قد تزوج سابقا وله ابنة من طليقته - لم يرها ولم يسأل عنها منذ كان عمرها بضعة أشهر - وثانيهما انه صائد من نوع جديد . صائد ثروات من نوع مستحدث . أخذ يستولي على كل مردود عملها ليضعه في جيبه . رغبت امي واسمها ليلى بالتصرف بمرتبها لتبرَّ أُمها ولتقضي حوائجها وتعينه فيما يحتاج بيتهما الصغير، غير إن ذلك لم يكن مما يمكن أن يناقشه هذا الرجل، فلما اشتد خلافهما ذهبت وجنينها (أنا) الى ذويها حتى يصلا الى حل ما . غير ان ذلك كان ضربا لرأسها بجدار . فلم يسأل عنها زوجها كما يقتضي الدين والعرف واللياقة ولم يتفقد أحوالها مع الجنين . بعد ولادتها زارها عند ذويها بضعة مرات زيارة باردة دون أيّما تغيير في موقفه من مشكلتهما . وبعد مقاطعة اخرى استمرت عدة أشهر التجأ الى محام يبيع ذمته بالمال فسعى في طلاقها محرجا إياها ومجردا لها من كل حقوقها وأثاثها ومن صداقها المؤخر ومن نفقتها . ثم انقطع عن السؤال عن ابنته الثانية (أنا) كما فعل مع الأولى - انتبهوا لي أخت أيضا لم أرها أبدا ولم ترني تسكن مدينتي النائمة نفسها - . ثم تزوج أُخرى وهكذا اتخذ الزواج مهنة لزيادة أمواله ورأسماله، والحرائر لعبة بيديه، وبناته ها هنا وها هناك يتربين في حضن أًمهات أضرَّ بهن الأزواج ولم ينصفهن أحدٌ، أو في أحضان الغرباء .

طلبت المعلمة مني أن أحضر أحد أبويَّ الى اجتماع الآباء والمعلمين، قلت: ولكني لا أستطيع سألتني لِمَ ؟ قلت: أما أبي فلا أعرف له عنوانا ولا دارا ولا وجها وأما امي فلها زوج غير أبي وأبناؤها منه أحق برعايتها وأحوج . سألتني المعلمة وأنت يا زينب أين تنامين ومن يرعاك؟  قلت:  .. جدتي لأمي وهي أمرأة مسنة وتعبة وتحمل بيتا على كتفيها المرهقتين ولن أزيد حملها ثقلا بالمجيء الى مدرستي الا  إذا أصررتم . صمتت زينب هنيهة  ثم أخذت تكرر قولها كأنها ظنت أن معلمتها لم تفهم ما قالت أو انها لم تسمعه قط: أنا لا أدري أين أبي ومن هو فأنا لم أره أبدا .. انه اسم على ورق. أبي.. هو ما كُتب في هويتي ليس الا ...أعرف اسمه فقط، أما شكله وصورته وصوته ولمسة يديه فلا أعرف عن كل ذلك شيئا ً.. ولو رأيته في الطريق واصطدمت به لما عرفني ولا عرفته . أما امي فقد تزوجت برجل آخر غير أبي وقد وعدتني أن تأخذني معها بعد أن تستقر حياتها وترتب لي مكانا لائقا في بيت زوجها . وأنا الآن في انتظار تحقيقها لوعدها . ولقد بكيت كثيرا وتشبثت بها وبثيابها دون جدوى . ولقد فهمت من جدتي ان امي لم تأخذني معها خوف أن يأخذني أبي ان سمع بزواجها كما يقتضي الشرع لأنها تزوجت بغريب عنه . سكتت قليلا ثم استأنفت: لكن أبي سمع أو لم يسمع بزواج امي لا يعنيه كما يظهر من أمري شيئا ولو القيت في الطريق  وأكلتني الكلاب . ولقد أنجبت امي قبل أشهر طفلة من زوجها الجديد ولست أدري ان كان مكاني في قلبها باق ام احتلته اختي الصغيرة.. لست أدري .

***

سمية العبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم