صحيفة المثقف

القفص

صالح الرزوقتوني رايت

ترجمة: صالح الرزوق


في صبيحة كل يوم أجلس وراء طاولتي في غرفة المعيشة، وأفتح جهاز المحمول وأستغرق بالواجبات المترتبة علي. أحيانا تكون إبداعية، وأحيانا مجرد ترهات، ولكن لا يمكن أن يمر يوم دون أن أفعل ذلك. وفي صبيحة كل يوم، وبالعادة حوالي الساعة 11، أشاهد ستائر البيت المقابل على الطرف الثاني من الشارع وهي ترتفع. ثم أراه. أكبر مني بحوالي 20 عاما، وغالبا عاري الصدر كما لو أنه استيقظ للتو. وحينما يفتح نافذته ليدخن سيجارة أتابعه بنظراتي، وهو يتفحص الشارع في الأسفل بعينيه. وهنا أجر كرسيي قليلا نحو اليسار كي لا يكون أحدنا قبالة الآخر تماما. لقد كرهته. كنت أكره رؤية جذعه النحيل وجلده المشدود، ووجهه المصاب بالذبول، وصلعته العارية من الشعر. كرهت أن ألاحظ كيف ينفض الرماد على الشارع ثم يرمي السيجارة للأسفل. ولكن لحسن الحظ كانت هذه الفترة اليومية القصيرة من الامتعاض تنتهي بانتهاء سيجارته. بعد ذلك يغلق النافذة ويختفي عن نظري. وأتابع عملي بلا شرود. أرتاح من شرود أفكاري وانشغالي به. ويمضي اليوم ويحين وقت المساء. وربما أكون وراء طاولتي لو حالفني الحظ ودخلت في جو إبداعي، أو مستغرقا بالواجبات المتأخرة. أو ربما أشاهد التلفزيون. حينها أسمع أصواتا تأتي من الخارج، وهكذا أشحذ حاسة الفضول، وأنظر للخارج لأتحرى ماذا يجري. وفي معظم الأحوال يكون الصوت صادرا من جاري وهو يجادل نفسه في طريق عودته إلى مبناه، مخمورا، وبين يديه الكحول. ويصعد سخطي مجددا. وأراه يتخبط ليضع مفتاحه بالباب. وأحيانا يدق الجرس ويركل الباب، ويصيح، لأنه نسي مفتاحه. يا له من مكان ملعون. هكذا أفكر. دائما يتبادر ذلك إلى ذهني. وأعلم أنه من غير المناسب أن أفكر بهذه الطريقة عن جيراني. ولكن هذا ما يحصل. وبعد أن يأوي لبيته، أشاهد النور في شقته يلمع من وراء ستائر رقيقة، ثم يغيب مجددا ويحل محله نور متقطع. وربما مصدره التلفزيون، فأنا أسمع هديره المرتفع، كان الصوت ينزف من نوافذه المواربة التي أراها على الطرف المقابل من الشارع ويتسلل من نوافذي المواربة إلى شقتي. حيث أجلس وأشاهد مثله التلفزيون. وهذا الصباح، جلست خلف طاولتي كالعادة، وانشغلت بعملي. وقبيل الساعة 11 بقليل فتح الستائر،  وظهر أمامي بصدره العاري مجددا. وتوقعت أن يفتح النافذة ويدخن، ليتم الخطوة الثانية والثالثة من طقوسه المتكررة - وقد فعل ذلك بالوقت المناسب -  ولكن أولا، التفت ليساره ومد يده نحو شيء ما. كانت هذه حركة جديدة. لم أشاهده يفعل ذلك من قبل. وعلى يساره وجدت قفصا كبيرا للعصافير لم يسبق لي مرآه. فتح الباب فطار منه عصفور أزرق ووقف على كتفه. ابتسم الرجل، ورفع يده وأطعمه البذور، ثم طار العصفور من كتفه وتجول في أرجاء الشقة، وهو يمد جناحيه. توقفت عن التظاهر أنني أطبع على الطابعة ونظرت مثل الرجل، الذي كان يتابع عصفوره وهو يدور في أنحاء الغرفة، ثم استدار وانصرف، وترك العصفور يستمتع بحريته المؤقتة. وتبادر لذهني: كنت مخطئا بأفكاري عن هذا الرجل. لقد رأيت جانبا آخر منه، من خلال هذه التطورات الصغيرة، واطلعت على تفاصيل إضافية حول مشكلته. كان  في حياته، وفي بيته، إذا، قلب آخر ينبض. ثم شعرت نحوه بمزيد من البغضاء. بغضاء مختلفة قليلا لأنه ليس وحيدا تماما مثلي.

***

 

...................

توني رايت Tony Wright عازف غيتار سابق. له كتاب صوتي بعنوان “فصل & قصيدة”. يعيش في بلفاست. القصة مترجمة عن آيريش تايمز. عدد 14 تشرين الأول 2020. 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم