صحيفة المثقف

وَجَل

عبد الفتاح المطلبيمشيتُ وقلبي من خُطايَ على وَجَـلْ

كأنّ الخُطى تمضي حَثيثاً إلى الأجَلْ

 

أراني كما لو أنني وَسْـــــــطَ حَلْبَةٍ

أسابقُ في مضمارها اليأسَ والأمَلْ

 

وأجري ولا أدري إلـى أين وجهتي

فلا ناقةٌ لي في الطـــريقِ ولا جَمَلْ

 

أرى من بحــار الأُمنيـــاتِ سَرابَها

ومن قَصرِأحلامي وَقفتُ على طلَلْ

 

وكم كنتُ أُعْلِي سَقفَهُ وهــو شاهقٌ

وأنفِقُ من روحي عليهِ وما اكْتمَل

 

عكوفاً على نَوْلِ الأمـــــاني بلهفةٍ

سَدَاهُ صدىً يهفو إلـــــى بلّةٍ وطَلْ

 

أكابدُ ما شــــاءَتْ سنيني ولم أكنْ

أأَمِّلُ أنْ تصفو ولكنْ عَسى وعَلّْ

 

أقوّمُها بالصـــــــبرِ والروحُ تشتكي

وأسألُ عن مَيْلِ الحظوظِ هل اعْتَدَل

 

وأُقْحمُ نفسي فــــــي أمورٍ تُريبُها

وأثمَلُ بالبلوى لنســيانِ ما حَصَلْ

 

أجالدُها حيناً فتُغضــي غَضَاضَةً

كأنّ تباريــحَ الفـــــؤادِ من الأزَلْ

 

تُجادلُني حَتــــــى تُريني عقوقَها

وتُطلِقُ ما بين الأضـــالعِ مُعتقَلْ

 

ولستُ بمختــــارٍ إذا مــا سألتني

وما كنتُ إلاّ صـادياً لاذَ بالوشَلْ

 

رجوتُ لأيّامي بديــــــــلاً أحبُّهُ

سِواها فلم يقبـلْ فؤاديَ من بدَلْ

 

وحينَ استوى ما بيننا خِلتُ أنّني

أُغالِبُهُ حتى يُحيــــــطَ بما جهَلْ

 

ولكنهُ يأبى الكـــــــــــلامَ وصمتُهُ

كصمتِ جلاميدٍ أناخَتْ على جبَلْ

 

وليتَ الذي قد أشعلَ النارَ في دمي

يحنُّ فيطفيْ من حُطاميَ ما اشتعَلْ

 

يُجاذِبُني بعـــضَ الحديـثِ بطَرفهِ

ومن بعضِ فتّانِ الأحاديثِ ما قتَلْ

 

ورحتُ أجاريهِ تُقـــــــاةَ جُنوحِهِ

وكم كنتُ عوناً كي أقيهِ من الزَّلَلْ

 

فلمْ أدرِ حتى خالَسَـــــــتْني سِهامُهُ

وخطّتْ وصاياها بقلبي على عَجَلْ

 

وعلّمني القرطـاسُ بعضَ حروفِها

معجّمَةٍ بالخــــــــــالِ يفعلُ ما فَعَلْ

 

كأني سمعتُ الصوتَ في حركاتها

مواويلَ غيثٍ فوقَ بيـــداءَ قد نَزَلْ

 

وقالتْ ألا فاقـــــــــرأ كأني رأيتُها

على شفتيها يُخــــلطُ الغيُّ بالغَزَلْ

 

وقلتُ على حرفين لســــتُ بقارئٍ

حِذاراً وبؤساً أن أصلّي على هُبَلْ

 

إليكِ بقرطــــاس الهــوى لا أريدُهُ

إذا كَفَرَتْ تلك القراطيـــسُ بالقُبَلْ

 

فَتَلْتُ خيوطَ الوجــدِ حتى تماسَكَتْ

وصارتْ حِبالاً أوْثَقَتْنِي على مَهَلْ

 

أنا الخاسرُ المغلوبُ فــي كلّ حالةٍ

ولكنّ بيْ توقاً إليها فمـــــا العمَلْ؟

 

فهاتفني من داخـــلِ الروحِ هاتفٌ

ألاَ إنَّ ما تخشـــــاهُ كانَ ولمْ يزَلْ

 

فلا تخشَ لومَ الفاتنــــاتِ إذا أتى

فما كل ماتحوي القواريرُ بالعسَل

 

وبتُّ أداوي منهُ جُرحــي ببعضهِ

وأخلطُ في كأسي مزيجاً من العِللْ

 

وما كانَ لي إلاّ التعــــــلّقَ بالرجا

فكم لاذَ بيَ جرحٌ من اللومِ واندَمَلْ

 

تخيّلتُهُ والشــــــــــوقُ دبَّ دبيبُهُ

ولمّا غدا قوســــاً تمدّدَ واتّصَـلْ

 

فحاصرني من كـل صوبٍ نكايةً

بما لاحَ من دمــــعٍ تمرّدَ بالمُقَلْ

 

وحجّتهُ أن الجنــــــــــاحَ يخوُنُهُ

وأن زماناً صارَ فيهِ الهوى دُوَلْ

 

فدعْ حاملَ الأقواسِ تبّتْ سِهامُهُ

وتبتْ يدا من يستريب ومن عذَلْ

 

فما كلُّ آهاتِ الفـــــــؤاد صبابةً

وما كلُّ عوّامٍ يعـــاني من البللْ

 

نسجتُ لهُ قلبي جنـــــــاحاً لعلّهُ

سيقرأ في نبضي جواباً إذا سأَل

 

وأرسلتُ من قلبي حماماً زواجلاً

دليلاً إليهِ فاسـتضَلَّ ومـــا وَصَلْ

 

أراهُ على بعدِ المســـــــافةِ بيننا

كما كانَ منظومـاً بمصفوفَةٍ جَلَلْ

 

وعلّمتهُ أن يجعــــــلَ الصمتَ صائِتاً

يعولُ على عشقٍ ذَوى فيهِ واضمحَلْ

 

وضَنَّ وشــحَّتْ فيــهِ كــلُّ سَحابَةٍ

فما فيهِ لا برقٌ يُشــــــامُ ولا أمَل

 

ولم يبقَ إلا ذكريــــــــــاتٌ تعودُنا

بعمرٍ تميلُ الشمسُ فيـهِ إلى الطَفَلْ

***

عبد الفتاح المطلبي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم